تمهيد:

بعد سنوات من الإطاحة بالحكومة العسكرية التي كان يرأسها اللواء محمد سياد برى أخذ الشاب الصومالي يبدأ هجرته الغيرالشرعية إلى أوروبا- هاربا من وهج الحروب المشتعلة أوارها في البلاد، ومن مآسي الجفاف والمجاعة التي تضرب على المحافظات الصومالية في مدار كل سنة، والتي تهدد حياة الكثير من الشعب الصومالي في معظم المحافظات، وذلك لرغبة وتطلعه في الحصول على مكان أكثر أمنا ورخاء من الصومال الذي مزقته الظروف المأساوية الناجمة عن الحروب الأهلية المستعرة من ألف الوطن إلى يائه منذ سقوط الدولة في عام 1991م بيد جماعات ثورية مسلحة فشلت فيما بعد بتشكيل حكومة صومالية ذات نفوذ واسعة تسد الفراغ الأمني الموروث عن تدمير أركان الدولة الصومالية القوية.

ولكن يبدو بأن المنية حالت دون وصول كثير من المهاجرين إلى أوروبا مناهم جراء المخاطر والمصاعب الجمة التي تواجهم في الصحراء الوعر والمهجور بين السودان والتراب الليبي تارة والغرق في أمواج البحر المتلاطم تارة أخرى.

وتحكي المنظمات الحقوقية في تقاريها عن المهاجرين بشكل شبه يومي مشاهد مروعة لشبان عزموا الهروب من واقع مؤلم في بلدانهم المتأثرة بالحروب العقيمة، ثم سلكوا طريقهم وراء الأمواج الأوروبية التي فقدوا فيها أرواحهم نتيجة الأمواج التي أخذت بقاربهم قبالة السواحل الأوروبية والتي تركت جثثهم تطفوا على البحر.

قصة صادمة من مهاجر صومالي :

على الرغم من أن هناك قصصا كثيرة صادمة من المنظمات الحقوقية، ومن المهاجرين الذين دفعتهم الظروف الصعبة في بلادهم للهجرة إلى ليبيا التي يتعرضون في سجونها المختلفة لسوء المعاملة والمخاطر الشتى ما يجرح شعورك وينكأ فؤادك إلا أنني اخترت لكم  من خلال هذه السطورالقليلة بتقديم قصة شاب صومالي ذاق صنوف التعذيب في ليبيا ثم أتاحت له الفرصة العودة إلى وطنه بجهود كبيرة بذلها في سبيل إنقاذ نفسه من هذه المخاطر الكبيرة، وبدعم من الحكومة الصومالية التي قامت بإعادة بعض من المهاجرين العالقين في ليبيا إلى بلادهم مستنجدة لتنفيذ هذه المهمة الشاقة بالمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.

يذكر محمد عبد الرحمن في مقابلة أجرت معه إذاعة الهيئة البريطانية بأن هناك ظاهرة لبيع البشرواستغلال المهاجرين إلى أوروبا في ليبيا، ويشير محمد في هذه المقابلة إلى أنه تعرض شخصيا بهذه الظاهرة حيث صارت نفسه فريصة لمحترفي تجارة البشر عدة مرات خلال تواجده في الأراض الليبية التي شهدت بعد الثورة التي إطيح بالعقيد معمرالقذافي ودولته صراعا أهليا مريرا.

وأكد محمد في المقابلة التي أجريت معه بأنه يتذكر أن هؤلاء التجار باعوه تارة ب5500$،كما باعوه مرة أخرى ب 6250$، وثالثة ب 4000 $.

أما عن المعاناة في السجون الليبية الغير الرسمية فيشير محمد إلى أن المهاجرين يتعرضون من المتاجرين بالبشر صنوفا من التعذيب وسوء المعاملة، من بينها تجويعهم وضربهم والرش عليهم بالماء البارد في غالب الأحيان، بالإضافة إلى اغتصاب البنات معهم تناوبا بشكل شبه يومي.

ويقول محمد ” أفلت عن سجن المجموعة الأخيرة التي اختطفتني عندما صعدت على حائط السجن مختفيا ووثبت من أعلاه بعد أداء صلاة الفجر، وسقطت على الأرض، وانبطحت عليها خلال 20 دقيقة ثم تثاقلت متذكرا بأن العاقبة تكون وخيمة إذا تقصصوا أثري وتمكنوا إلقاء القبض علي”.

ويؤكد محمد بأنه كان يعيش في مسجد بعيد عن سجن العصابة الإجرامية خلال ستة أيام انتقل بعدها إلى مدينة طرابلس عاصمة ليبيا مطالبا من السفارة الصومالية فيها إلى القيام بإعادتي إلى وطني الحيبب.

وأعرب محمد بأنه يبحث في البلاد عن فرصة عمل وأنه لايرغب العودة إلى الرحلة الشاقة الغير الشرعية التي ذاق منها صنوف التعذيب وسوء المعاملة ما يفوق حسبان الحاسبين.

آمال أمهات الشبان العالقين في ليبيا من الحكومة الصومالية:

تعبر أمهات الشباب العالقين في ليبيا قلقهن وتخوفهن حيال مصير هؤلاء المهاجرين إلى أوروبا عبر ليبيا التي يتعرضون فيها من الجرائم البشعة والانتهاكات الجسمية والتعذيب الجسدي والنفسي وسوء المعاملة والتعنيف الجنسي ما يجرح شعور الإنسانية جمعاء فضلا عن الأمهات المجبولات بحب أبنائهن وفلذات أكبادهن.

وتدعو الأمهات الحكومة الصومالية الفيدرالية إلى التحمل بمسؤوليتها القانونية والوطنية والانسانية تجاه معاناة هؤلاء المهاجرين مستنجدة في سبيل تحقيق جهودها حيال تخفيف معاناة المهاجرين بالدول الصديقة ذات النفوذ الكبيرة والهيئات الأممية المعنية القادرة بمواجهة هذه الممارسات التي يندى لها جبين الإنسانية.

توعية الشباب من مخاطر الهجرة الغير الشرعية:

هذه القصص الصادمة ربما تساهم في تخفيف حدة التدفق إلى أوروبا عبرصحراء ليبيا وأمواج البحر المتوسط ولكن من الضروري بأن تحصل على حملات حثيثة يشارك فيها شرائح رفيعة من المجتمع يقودها العلماء والرؤساء والأدباء لتوعية الشباب وتحذيرهم من مخاطرالهجرة الغيرالشرعية وعواقبها الوخيمة، وما ينجم عنها من البعد عن الوطن والأهل والأقارب والأحباب، وفقدان الشعور بالاستقرار والطمأنينة، والشعورالدائم بالغربة، والتخلي عن الكثير من العادات والتقاليد الحسنة التي نشأ الشاب عليها.

ويرى كثير من الوجهاء بأنه من الضروري أن تبذل الحكومة الصومالية الفيدرالية والإدارات الإقليمية التابعة لها بإطلاق حملات واسعة لمواجهة الأسباب المحفزة على الهجرة والتي منها

1 : قلة فرص العمل، وعدم وجود أعمال كافية للشباب المتخرجين سنويا عن الجامعات والمدارس الثانوية.

2 : الضغط النفسي والاكتئاب الذي يسيطر على الشباب نتيجة الأوضاع السيئة في البلاد

3 :عدم اهتمام الحكومات بالشباب، مما يؤدي إلى هجرتهم بطرق غير شرعية

4 : تعيين المناصب والمراتب الحكومية العاليا لمغتربي أمس.

5 : إزدهار الحالة الاقتصادية بشكل سريع عند بعض الأسر التي هاجر بعض أفرادها سابقا.

ختاما:

الشباب في أي أمة أومجتمع على ظهر البسيطة هم الأمل في مستقبل مشرق وغد أفضل، ويعتبر بأنهم قوة كبيرة لايستهان بها وذلك لتأثيرهم البارز في الحياة السياسية على مدى العصورالماضية والحاضرة، لذا على الحكومة ضم مبالغ فائقة في ميزانتها السنوية لتعليمهم وتثقيفهم من خلال المؤتمرات والدورات التدريبية، وتوفير فرص عمل مناسبة لهم بعد إنهائهم مسيرة التعليم الطويلة التي عانوا من أجلها الكثيرمن المشاق والمتاعب.

وعلى المؤسسات التعليمية والتربوية أيضا تقديم برامج متنوعة للتوجيه والإرشاد سعيا لتهيئة جيل مثقف يشعرالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه ويفتخر بالبقاء في بلاده مهما كانت الظروف قاسية وأوضاع المعيشة ضنكة.

وعلى الأسرة تربية الشباب وتنشئتهم بشكل نموذجي يحميهم من أفكار الهجرة الغيرالشرعية الهدامة، والإنجراف خلف سماسرة التهريب إلى أوروبا عبر ليبيا وأمواج البحرالمتوسط التي فقد فيها كثير من الشباب روحه الغالية.

وإذا تضافرت جهود الدولة والمؤسسات التعليمية والأسرة حيال تثقيف الشباب وتدريبه وتوعيته من براثن الهجرة الغير الشرعية ومخاطرها فلا محالة من أن الشباب يستعيد دوره الريادي البارز في بناء الوطن بسواعده لأنه يملك القوة والعزيمة والإصرار، ويشعر بأنه من الضروري تأدية واجبه الوطني في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية.

ويصبح الشباب لهذه الجهود التربوية المبذولة في سبيل تنشئته وتربيته بل ورعايته صاحب قوة وطموح يبدع فيها كل ماهوجديد يساهم في إصلاح المجتمع وتهيئة الأجيال القادمة التي تتولى راية المجتمع من بعده.

بقلم/ محمد محمود (رمضان)

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.