كتب – محمود عبدي

منذ العام 1991 تقام سنوياً في الـ 18 من مايو (أيار) احتفالات وطنية على الضفة الجنوبية لخليج عدن في دولة صوماليلاند، التي تزيد مساحتها على مساحة تونس، أو مجموع كل من هولندا وسويسرا والنمسا مجتمعة، ولا يعترف بها أحد حتى هذه اللحظة.
تمتلك صوماليلاند ساحلاً بطول 850 كيلومتراً، في موقع استراتيجي للتجارة العالمية، ويذخر بمصايد الأسماك والشعب المرجانية وغابات المنغروف، ويحتوي جوفها على احتياطات معتبرة من النفط والغاز والمعادن الثمينة، ويقطنها شعب يقدر عدده بأربعة إلى ستة ملايين نسمة، يعيش في 13 محافظة وعاصمة يتجاوز سكانها المليون نسمة.

انفصال أم استعادة استقلال؟

حول خلفيات الحدث الذي يحتفل به أهالي صوماليلاند، يشير المحلل السياسي عبدالله شيخ عبدالقادر إلى اللحظات التاريخية الأهم والعوامل التي أدت لاتخاذ القرار بالانفصال وإعلان الاستقلال قائلاً، “في عام 1991 أعلنت قيادة الحركة الوطنية الصومالية (SNM)، (محمية الصومال البريطاني سابقاً)، تراجعها عن الوحدة مع نظيرتها صوماليا (مستعمرة الصومال الإيطالي سابقاً)، وأطلق على هذا الكيان القديم الجديد اسم صوماليلاند”.
وأضاف عبدالقادر أنه “تم اعتماد مدينة هرجيسا عاصمة للكيان الجديد، وتعود مسألة انفصال صوماليلاند وإعلانها الاستقلال إلى خلفيات تاريخية أسهمت إلى حد كبير في تسويغ تلك الفكرة واعتناقها من قبل قطاع كبير من السكان، إذ كانت المنطقة تاريخياً جزءاً من سلطنة عدل.

 

 

ويضيف، “جاء الوجود الغربي في المنطقة لتتنافس قوى متفاوتة في طريقة تعاملها مع القبائل والزعامات التقليدية بما يتوافق مع أهدافها المختلفة، مما خلق شبكات من العلاقات تباينت مع امتداد زمن الاحتلال الغربي، ونتيجة لتفاعلات سياسية سبقت إعلان استقلال المحمية البريطانية في الـ 26 من يونيو (حزيران) سنة 1960، والوحدة التلقائية التي زامنت استقلال المستعمرة الإيطالية، فقد برزت إشكالات منذ الوهلة الأولى أدت إلى محاولة انقلابية بهدف إلغاء الوحدة في هرجيسا بعد شهور قليلة سنة 1961”.
وعن أسباب التدهور الذي أدى إلى تحلل الدولة الصومالية في الأول من يوليو (تموز) سنة 1960، أوضح عبدالقادر أنه “مع حدوث انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1969 ووصول الجنرال محمد سياد بري إلى الحكم وتعليق العمل بالدستور وإلغاء الأحزاب السياسية واعتقال الزعماء السياسيين، انتقلت البلاد إلى مرحلة أخرى من التدهور السياسي”.
وأشار إلى “انتقال مطالبة سكان شريك الوحدة الشمالية من مرحلة حقوق كيانهم الذي سلموه طوعاً في سبيل الوحدة إلى المطالبة بالحقوق الأساس من حرية الرأي والتجمع والممارسة الدينية والسياسية، وهو ما ردت عليه الحكومة بعنف دونما تمييز، مما أدى إلى تأسيس الحركة الوطنية الصومالية في السادس من أبريل (نيسان) سنة 1981، وبدء الصراع الدامي الذي أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من المدنيين وتدمير العاصمة هرجيسا واستنزاف الحكومة المركزية الصومالية وانهيار الاقتصاد وتصاعد التمرد، حتى سقوط نظام محمد سياد بري وفراره من العاصمة مقديشو”.
وتابع، “بعدها دخلت البلاد في حال من الفوضى والتناحر بين فصائل جنوبية مما جعل طرح الانفصال النهائي أمراً منطقياً لدواعي منع امتداد الصراعات إلى الشمال الصومالي من جهة، وعدم وجود طرف قادر على التعامل مع ملف المذابح التي ارتكبتها الحكومة المركزية والدمار الذي لحق بمدن الشمال الصومالي، إضافة إلى احتياج مسألة الوحدة برمتها للمراجعة وإعادة النظر في شروطها ومقتضياتها”.

السلام يفرض نفسه

الباحث زكريا آدم من “مركز هرجيسا للدراسات والبحوث” أكد أن أهالي صوماليلاند أدركوا أن الوصول إلى حلول لمشكلاتهم لا يمكن أن يأتي من الخارج، لذا فضلوا التوفيق بين مكونات شعبهم البشرية وقناعاتهم الدينية والثقافية ليخرجوا بإطار سياسي ذي مرجعية ذاتية داخلية قابلة للاستدامة والتطور.
وقال آدم إن اتفاق الزعماء في صوماليلاند وضع آليات لقيادة المجتمعات التي يتكون منها السكان، وخروجهم بصيغة “مجلس الشيوخ” الممثل للمكونات القبلية والقيادات الدينية الذي لعب دور المؤسس للدولة، وتعيين أول وثاني رئيس للبلاد عبره.
وأشار إلى إنشاء مجلس للشعب يمثل الجمعيات السياسية ومن ثم الانتقال إلى تطبيق الدستور في تولي الرئيس الثالث، وبدء العملية الانتخابية وانتخاب ثلاثة رؤساء للدولة ومجلسي نواب، وعقد دورتي انتخابات بلدية بشكل مباشر وعبر صناديق الاقتراع.

الاستقرار والانتظام

وأوضح أن “كل ذلك أسهم في خلق حال من الاستقرار والانتظام في الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد، لذا كان ممكناً للجمهورية الوليدة بناء مؤسسات الدولة وتكوين قوات الجيش والشرطة وإصدار عملة خاصة بها وجواز سفر يمكن السفر به اليوم إلى عدد من دول العالم، لتكون تلك التجربة الصوماليلاندية واحدة من التجارب التي قلما تم تسليط الضوء عليها، على الرغم من استحقاقها إلى أن تدرس في عالم أصبح يميل أكثر نحو الصراعات وتفكك الدول”.

 

 

ويلقي آدم الضوء على الثمار الملموسة للتجربة الصوماليلاندية، كما سماها، قائلاً إنه “بعيداً من التفصيلات السياسية يمكن للزائر أن يتلمس قناعة المواطنين بما توصلوا إليه من خلال شعور وطني عام يجعل كل واحد منهم رجل أمن في مكانه، ويمكن التحقق من ذلك من خلال التجول في أسواق المدن وشوارعها والالتقاء بزوار من كل قارات العالم يتسوقون أو في المقاهي الشعبية، في أي ساعة من النهار أو الليل وبارتياح وطمأنينة”.
وأضاف آدم، “قد يكون دليلاً على ذلك كثرة تردد الرحالة الذين يصورون رحلاتهم وينشرون محتواهم في مواقع التواصل الاجتماعي مع انتمائهم إلى دول عديدة، عربياً مثل الإمارات والسعودية والأردن، وأفريقياً مثل غانا وكينيا، وأوروبياً كالدنمارك وفرنسا وبريطانيا والنرويج وهولندا، وأخرى من آسيا مثل الهند وكوريا والصين وكذلك أستراليا”.

آفاق المستقبل

وفي شأن تطاول الزمن على إعلان استقلال صوماليلاند وتأخر الاعتراف الدولي على مدى ثلاثة عقود وما يعنيه ذلك من وجود عقبات ضد التنمية والازدهار الاقتصادي، وتأثيره في معنويات وقناعات أبناء البلاد، قال الصحافي محمود موسى حسين المقيم في مدينة هرجيسا، “خلال 31 عاماً أدرك مواطنو صوماليلاند أن الاستمرارية هي المفتاح، لذا فإنهم يقدرون عالياً كل إنجاز يتحقق لهم من حيث بسط سلطة الدولة على كل ربوع البلاد وتوسيع مشاريع البنية التحتية والجهود التي يبذلها أبناؤها المبدعون لتحقيق تقدم اقتصادي للخروج من معدلات الفقر والبطالة المرتفعة وتزايد الوعي بدور المواطن في مكافحة الفساد الإداري، وزيادة الاهتمام والاستثمار في الزراعة وخلق الأطر القانونية لممارسة الأنشطة الاقتصادية العالية المردود مثل التنقيب عن الذهب والأحجار الكريمة والصيد البحري والسياحة الثقافية والبيئية”.
ويرى حسين أنه على الرغم من الفخر الذي يشعر به أبناء صوماليلاند بما تحقق لهم، وتزايد أعداد المهاجرين والمغتربين العائدين نظراً إلى تحسن الأوضاع، فإنهم يدركون أن الطريق طويلة ليصلوا إلى جميع آمالهم وهو ما يزيدهم إصراراً على الحفاظ على مكتسباتهم وبذل مزيد من الجهد، سواء تأخر الاعتراف تغيرت الأحوال وأصبح ممكناً إيجاد صيغة لفك الارتباط مع مقديشو”.

باب الأمل مفتوح

وأضاف أن “صوماليلاند دولة لا تعادي أحداً، وحتى الخطابات الساخنة التي يلقيها بعض الساسة غالباً ما تكون رد فعل على أمر يجري في دهاليز السياسة بين مقديشو وهرجيسا، فالعلاقات طيبة مع كل من جيبوتي وإثيوبيا واليمن، وهناك علاقات مميزة مع الإمارات العربية المتحدة وتايوان، وتواصل مع دول أفريقية مثل كينيا وجنوب أفريقيا، وتصدير الثروة الحيوانية مستمر إلى السعودية وسلطنة عُمان، وهناك مساع إلى التعاون مع الهند في قطاع الصحة”.
وشدد حسين على أن “باب الأمل بمستقبل أفضل مفتوح دائماً، مادام المواطنون يعتقدون أن هذه الدولة الوليدة مسؤوليتهم، على الرغم من وجود أوقات يتصاعد فيها النقد لمؤسساتها، واتهام القائمين عليها بأنهم غير أكفاء أو غير مدركين لعظمة ما يجب أن يقدموه لهذا الشعب المثابر”.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : الصومال اليوم

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.