بقلم/ د.عبد الرحمن (باديو)

في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 ، و29 أكتوبر 2022 انفجرت شا حنات محملة  محملة بالمتفجرات وسط مقديشو وفي نفس المكان تقريبا ، ما أسفر عن مقتل أكثر من 500 ضحية  400 وإصابة  المئات . كان هذا أحد أكثر الأعمال الإرهابية فتكًا في أي مكان في العالم منذ 11 سبتمبر. ويُنسب هذا العمل الهمجي إلى حركة الشباب. وقد تسبب الانفجار الأخير في نفس الموقع في 29 أكتوبر في استشهاد أكثر من 120 وأكثر من 200 جريح. وظهرت الحركة علنًا في عام 2007 بعد التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال والهادف إلى دعم  الحكومة الهشة في عام 2006. ويمكن وصف المنظمات المسلحة التي تقاتل باسم الإسلام بأنها حركة رد فعل دفاعية تظهر كلما واجه المجتمع المسلم تهديدات خارجية  وتقترب الدولة إلى  حافة الفشل أوالضعف أوالانهيارلأسباب داخلية. وبالإضافة إلى ذلك، تتأثر معظم الجماعات المسلحة بالتفسير الحرفي للنص الديني ، مما يسهل تصنيف  المسلمين الذين يختلفون معهم  على أنهم مرتدون. وهكذا ، فإن المتطرفين باسم الإسلام يسيئون تفسير النصوص النقلية  ويستدعون ما يسمونه الجهاد ضد الجميع للتعبيرعن مظالمهم  وذلك بما يتعارض مع الفهم السائد للمبادئ الإسلامية. تتمحور أيديولوجيتهم العبارة المتطرفة الشهيرة ، “إما أن تكون معنا أو ضدنا”وتجذب  شرائح المجتمع الأقل تعليماً والأكثر تهميشا  وتعيش معظمها في المناطق الريفية المتخلفة.

ظهرت أيديولوجية التطرف في الصومال كرد فعل على انتشار المنظمات التبشيرية المسيحية  في الستينيات  وإعدام النظام العسكري لعشرة علماء الإسلام  الذين عارضوا قانون الأسرة غير الإسلامي  سلمياً  عام 1975. وكان هذا الحدث لحظة حاسمة في تاريخ الصومال،  ويمكن اعتبارذلك  بداية أيديولوجية متطرفة في اسم الاسلام في الصومال. تزامن ذلك  ذلك عند ظهور  أيديولوجية التكفير في العالم الإسلامي ، وهروب مئات الطلاب والشباب من النظام القمعي إلى دول الخليج الغنية وانضمامهم  إلى الجامعات الإسلامية في المملكة العربية السعودية. والأيديولوجية الأساسية لحركة الشباب هي مثل كل الجماعات المسلحة الأخرى التي تشن الحروب باسم الإسلام ، مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام السائدة معظمها في العالم الإسلامي . تؤمن هذه المنظمات بأيديولوجية مشتركة وتختلف عن بعضها البعض فقط في نهجها التكتيكي اعتمادًا على الظروف والسياق التي تعمل فيها . وهم يستخدمون نفس المؤلفات التربوية وتستقي أفكارها  من نفس علماء الإسلام ، ويلتزمون بالإيديولوجيات السلفية الجهادية والتكفير المختلط . وهم في عملياتهم لا يميزون بين مسلمين يعتبرونهم مرتدين وغير مسلمين ويقسمون  العالم إلى عالم إسلامي (دار السلم)  يعيشون هم فيها وعالم غير إسلامي (دار الحرب) مستباح يعتبر القتال فبه جهادا مشروعا بغض النظر عن  هوية الكتلة البشرية التي  تعيش فيه

في الواقع ، لا يوجد مبرر سليم لعنف المتطرفين وإرهابهم في الإسلام. ومع ذلك ، فمن المؤسف ربط الإسلام بالعنف والتطرف ، بينما المسلمون هم أكثر ضحاياه منذ البدء . ويجب علينا جميعًا أن نعترف بأن انتهاك حقوق الإنسان واستخدام العنف ليس لهما عرق أو دين محدد. وهكذا ، فإن ربط الإرهاب بالإسلام يعزز دعاية الإرهابيين ويجعلهم  حماة بطوليين للإسلام ضد المسيحيين العدوانيين والدول العلمانية المحارية للقيم الإسلامية . وفي تاريخ الإسلام ، لا توجد مصطلحات محددة في القرآن والسنة النبوية التي تصف الحكم في المجتمع المسلم بأنه “دولة إسلامية”. وتمت صياغة هذا المصطلح في القرن العشرين كرد فعل على الدولة العلمانية. ومع ذلك ، فإن إضافة البادئة “إسلامي” تعني تبني المبادئ الإسلامية كمرجع نهائي للنظام القانوني للدولة على الرغم من أن إضافة الإسلام إلى الأفعال البشرية ، والتي قد تتوافق أو لا تتوافق مع مبادئ الإسلام ، قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى تشويه معنى الإسلام كنظام عقائدي سامي  ومقدس. وهناك عدد قليل من البلدان من بين 50 ذات الأغلبية المسلمة التي اعتمدت هذه البادئة ، مثل إيران وباكستان وموريتانيا وأفغانستان.

السؤال الحاسم هو كيف نتعامل مع حركة الشباب. هل نستطيع هزيمتهم بالوسائل العسكرية فقط؟ هل تستطيع القوات الأجنبية هزيمة الشباب جسديا وعقائديا؟ الجواب، بالطبع، لا. لمواجهة الواقع المرير ، يجب أن نفكر خارج الصندوق ونوسع أفقنا الفكري . ويجب أولاً وقبل كل شيء أن نتحمل مسؤوليتنا كآباء وأمهات بأن الشباب هم أطفالنا ، وينتمون إلى عشائرنا ، ويعيشون بيننا. ومع ذلك ، قد يكون الاهمال والغضب والحرمان من الكرامة الانسانية ، والتفكك العائلي  والتهميش الاجتماعي  والتربية الإسلامية الخاطئة وتراكم الظلم المرتكب باسم الدولة والفجور الناتج من حكم أمراء الحرب ؛ سببا رئيسيا من أسباب نشوء ونمو التطرف والإرهاب  السائد في البلاد منذ الفترة  . لذلك يجب أن نتحمل مسؤوليتنا ونطور استراتيجيات مختلفة لإنقاذ أطفالنا وإنقاذ أنفسنا من التطرف والإرهاب المدمّر . ويجب أن تكون هذه الاستراتيجية مسعى جماعيًا من قبل جميع شرائح المجتمع ، والحكومة الصومالية ، والجهات الخارجية الأخرى. وهذا يعني تطوير استراتيجية شاملة وأنشطة متعددة منسقة تهدف إلى دحر الإرهاب.

لذلك ، يجب على الحكومة الصومالية ومنظمات المجتمع المدني وشيوخ العشائر وعلماء المسلمين والمجتمع الدولي تبني الأعمال العسكرية والحرب الإيديولوجية الفعالة والمفاوضات الحقيقية كأداة فعالة في بناء سلام دائم ودولة فاعلة في الصومال. يجب فهم المفاوضات على أنها أداة فعالة تضعف المتشددين بينما تعمل على تمكين العناصر المعتدلة من حركة الشباب. ومع ذلك، ستكون هذه المفاوضات ذات مغزى عندما تكون هناك مؤسسات دولة عاملة وقوات أمن صومالية يمكنها أن تجعل الحرب والسلام “جزرة وعصا” في ظل وجود القوات الأجنبية ، والحكم غير الرشيد ، وهيمنة النخب الأنانية  والفساد المستشري ، لذلك ، ينبغي تهيئة بيئة مواتية لدحر التطرف واحتواء الأطفال وتجنب المزيد من التدمير. وإن التصعيد الحالي في المواجهة مع حركة الشباب هو رد فعل على سياساتهم السيئة وتدميرهم للآبار والقرى في منطقة هيران والمحافظات الأخرى  ولكن الدعم الشعبي والميليشيات العشائرية  في الخطة الحكومية  كانا مشيدا وتمثل  فرصة محفزة  للنظام الحالي الذي جعل من أولويته القضاء على حركة الشباب وإعادة القانون والنظام لمواصلة الحرب حتى النصر النهائي. ويجب كذلك تجنب انتهاكات حقوق الإنسان في العمليات العسكرية ضد الحركة ، ويجب  ترك مساحة للتفاوض والسلام دائما كواحد من المكونات  الأساسية لاستراتيجية الحرب .

وفي الختام ، لا ينبغي أن نسمح للشباب باحتكار ديننا الإسلامي ، ويجب على الحكومة أن تظهر صدقها في تنفيذ أحكام الدستور التي تجعل من المبادئ الإسلامية المرجعية النهائية لقانون البلاد  وتقديم  الخطاب السياسي على الفعل الثابت والخطوة العملية الرشيدة. وبدون عمل حقيقي  نحو ذلك  نكون الأمر  مجرد شعار لا معنى له !!!

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.