لفهم تاريخ انتشار الإسلام في منطقة القرن الأفريقي، من المهم إدراك العمل العظيم الذي قام به العلماء، ومعظمهم ينتمون إلى طريقتين صوفيتين: القادرية والأحمدية. الطريقة الصالحية ليست مستقلة بل هي جزء من الطريقة الأحمدية لتصحيح بعض الأخطاء في الأدبيات. لقد قدمتُ لمحة عامة عن القادرية في مقالنا الأخير الذي نُشر مؤخرا باللغة العربية والإنجليزية . وهذه المقالة تقدم نظرة عامة عن علماء الأحمدية في الصومال  وفروعها في الصّومالِ التي هي الطّريقةُ الرَّحمانيةُ والطّريقةُ الصّالحيَّةُ والطّريقةُ الدّندراويّة. تجمعُ الطّريقةُ الأحمديّةُ وفروعُها عمومًا ما بينَ الصّوفيةِ والنّزعةِ الإصّلاحيّةِ عبرَ التِأكيد على اكتسابِ المعرفةِ العميقةِ بالعلومِ الشّرعيَّةِ.  

الأحمديَّةُ/ الرَّحمانيَّة

تنقل بعضَ المؤلّفاتِ غيرَ المطّبوعةِ بالإجماعِ حقيقةً مختلفةً تماما عن الخطا الشائع التي  تقول بأن من أدخل الطّريقةَ الأحمديّةَ إلى جنوبِ الصّومالِ هو الشّيخَ علي ميه من مركة (توفيّ عام 1917م) وذلك بعدَ عودتِه من مكةَ في عامِ 1870م. وتؤكِّدُ تلك المؤلفات غير المطبوعة بأنّ الطّريقةَ الأحمديّةَ دخلت المنطقةَ الجنوبيّةَ من الصّومالِ على يدِ مولانا الشّيخِ عبد الرّحمن بن محمود (توفي عام 1874م) وهو مَن أسَّسَ فرعَ الرَّحمانيَّةِ. وقد ولدَ الشيخ عبد الرحمن في قرية عرمدو القريبةِ من مدينةِ أفجوي. وبعدَ تحصيلِه العلمَ الشّرعيّ الأساسيّ في الصّومالِ، رحلَ إلى زُبيد في اليمن طلبًا لتحصيلِ المزيدِ من العلم، فأقامَ فيها سنواتٍ متتالية. وأثناءَ حجِّهِ إلى مكّةَ التقى بسّيد أحمدَ بن إدريس الّذي انتدبَه لتمثيلِ الطّريقةِ الأحمديّةِ في الصّومالِ بعدَ إخضاعِهِ لتهيئةٍ روحانيةٍّ مكثّفةٍ.

ولدى وصولِه إلى هناك، التقى مولانا عبدُ الرّحمنِ خمسةَ مريدينَ يُعرَفونَ في أوساطِ الطّريقة باسم “النّجومِ الخَمسةِ”، وأرسلَهم إلى وجهاتٍ وقبائلَ مختلفةٍ. تضمَّنت هذهِ النجومُ في صفوفِها الشيخَ حسن معلّم، وهو سّيدُ الطَّريقةِ الأحمديّةِ المعلنُ في الصّومالِ والّذي استقرَّ به المُقامُ في قريةٍ بينَ أفجوي وبلعد. أمّا الأربعةُ الآخرونَ فكانوا الشّيخَ محمود وعيسي والشّيخَ يحيى عدو (المعروفِ باسم الحاج وهليَّة) والشّيخَ محمَّد يوسف وأخيرًا الشّيخَ حسن برو. كان الشّيخُ علي ميه مريداً للشّيخِ حسن معلِّم، ثم أضحى عالمًا غزيرَ الإنتاجِ، وقامَ بنشرِ الطّريقةِ الأحمديّةِ انطلاقاً من مركزِه الّذي أسّسهُ في مدينة مركة من خلالِ التّعلّيم وتوجيهِ المندوبينَ إلى أقاليمَ عِدَّةٍ كانَ معظمُها في جنوبِ الصّومالِ، ولهذا اُعتبِرَ فيما بعدُ خطأً مؤسّسُ الأحمديّةِ بسببِ ذيوعِ صيتِهِ ومع ذلك فلا أحد يستطيع أن ينكر أنه هو الموسع على الطريقة الاحمدية ولكنه ليس هو مؤسسها .  

تلقّى الشّيخُ علي ميه كاملَ تعلّيمِهِ في مَركة ومثَّلَ الجيلَ الجديدَ من العلماءِ الّذينَ تلقَّوا تعليمَهم في البلدِ، ممّا يدلّ على تحسّنِ النّوعيَّةِ الّتي تقدِّمُها المؤسَّساتُ التّعلّيميةُ الصّوماليَّةُ، كما أنّه دليلٌ آخر على مقدرةِ العلماءِ الصّوماليينَ المحلييّن. وفي سبيلِ نشرِ تعاليمِ الطّريقةِ الأحمديّةِ بينَ القبائلِ، انتدبَ الشّيخُ علي ميه أربعةً وأربعينَ مبعوثًا وجَّهَهم إلى أقاليمَ وعشائرَ مختلفةٍ. وهذا وفق التوجيه القرآني كما في الآية  122 سورة التوبة:وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَمِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواإِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون. وانصَّب واجبُ هؤلاءِ على نشرِ الإسلامِ والطّريقةِ الأحمديّةِ بينَ قبائلِهم فلاقَوا قبولًا مُلفتًا بينَ قبائلِ إقليمِ شبيلي الوسطى على وجهِ الخصوصِ. ومن المعلومِ توجّهُ ما يزيدُ على 16 مبعوثًا نحوَ إقليمِ شبيلي الوسطى ومنطقةِ غلغدودود، فقامَ بعضهم بإنشاءِ مراكزَ تعلّيمٍ إسلاميّةٍ وتسلَّمُوا هرمَ السّلطةِ في عشائرِهم وشكّلوا إماراتٍ صغيرةً حيثُ أقاموا حكمَهم حسبَ أحكامِ الشّريعةِ. وبتأسّيسِ مراكزَ تعلّيمٍ جديدةٍ في أماكنَ عدَّةٍ، ظهرَ جيلٌ جيِّدٌ من العلماءِ الذينَ ساهموا بحملِ أعباءِ الدّعوةِ ونشرِ الإسلامِ وإعادةِ تنظيمِ المجتمعِ. وما يزالُ العديدُ من هذهِ المراكزِ تمارس مسؤولياتها وتؤدّي      عملها حتَّى الآن. ومن بين هؤلاء العلماء من أصبحوا أكثر بروزا مثل الشّيخ موسى عجلي أفرح، جد الرئيس شيخ شريف، والشّيخ داود علسو عبيد، مؤسس بلدة مريغالتاريخية، والحاج يوسف، و الشّيخ أحمد هلولي، والد العالم الأدبي والسياسي حسين شيخ أحمد كدري، والشيخ احمد محمد مالن – متان.

الأحمديَّة الصّالحيّةُ

قامتِ الطّريقةُ الصّالحيّةُ على يدِ الشّيخِ السُّودانيّ محمدُ صلاح، وهو من مُريدي الشّيخِ إبراهيمَ الرّشيدِ مؤسِّسِ فرعِ الرّشيديّةِ من الطّريقةِ الأحمديّةِ. وكانت الطّريقةُ السّنوسيّةِ (1787-1859م) والطّريقةُ المرجانيّةُ (1793-1852م) من الفروعِ الأخرى للطّريقةِ الأحمديّةِ ولكنهما قد انشّقتَا عنَها وأسَّستَا فروعاً خاصةً بهما. أوّلُ من أدخلَ الطّريقةَ الصّالحيَّةِ إلى جنوبِ الصّومالِ هو الشّيخُ محمدُ غوليد الرّشيديّ (توفيّ عامَ 1918م) بعدَ أن انتدبَهُ الشّيخُ محمد صلاح ممثلًا عنه. استقرَّ المقامُ بالشّيخِ محمد غوليد الرّشيديّ في المنطقةِ الزّراعيّةِ من قريةِ مصروين الواقعةِ على مسافةِ 90 كم إلى الشّمالِ من مقديشو، وتُعتَبرُ هذهِ المنطقةُ موطنَ قبيلةِ شيدلى، حيثُ أسَّسَ هناكَ أولَّ مجتمعٍ للطّريقةِ الصّالحيَّةِ. وخلالَ فترةٍ وجيزةٍ من الزّمنِ، نشأَ ما يزيدُ على 15 جماعةٍ صالحيّةٍ على امتدادِ ضفافِ نهر شبيلي. وأكثرُ المجامعِ الصّالحيَّةِ شهرةً هي: معروفُ مبارك، شين، سابيا، رحالة، بلد أمين، وجماعةُ نور أحمد. وقد طبّقت جماعةُ الصّالحيَّةِ أحكاماً إسّلاميَّةً صارمةً مثلَ إلزاميّةِ الالتحاقِ بصلاةِ الجماعةِ والمشاركةِ في قراءةِ الأورادِ. كما طلبَ من النّساءِ ارتداءَ لباسٍ إسّلاميٍّ محتشمٍ. ومن الأحكامِ الهامّةِ الّتي تمَّ تطبيقُها أنْ أوجَبتْ على كلِّ الأفرادِ المشاركةَ في برامجَ التّكافلِ الاجتماعيّ والتّبرعَ للمنظماتِ الخيّريّةِ والامتثالِ للقيمِ والعاداتِ الموافقةِ للشّريعةِ الإسّلاميّةِ. ولكلِّ جماعةٍ مسجدٌ وكتابٌ ومصلحٌ يقومٌ على حلِّ المشاكلِ الاجتماعيَّةِ وإجراءِ المصالحاتِ بينَ العشائرِ إلى جانبِ تأمينِ التّعليمِ الإسلاميّ. وفي أقصى الجنوبِ، قُربَ مدينةِ بنادر، نشطَ الشّيخُ على نيروبي (توفيّ عام 1920م) في تبليغِ الطّريقةِ الصّالحيَّةِ.

ومن شيوخِ الطّريقةِ الصّالحيّةِ المعروفينَ في توجُههِم إلى مقاومةِ الاستعمارِ الإيطاليّ في جنوبِ الصّومالِ نذكرُ الشّيخَ عبد أبيكر“غفلي” (1852-1922) والشّيخَ حسن برسني (1853-1928). فالشّيخُ عبد أبيكر”غفلي أنهى تعليمَهُ الأساسيَّ في قريتِهِ عرمدوبي، ثم تابعَ دراستَهُ الشّرعيّةَ في عَيل غال قُربَ مَركة. وبعدَ حادثةِ لفولي الّتي شهدَها عام 1896م بات قائدًا ومحاربًا مرموقًا ضدَّ الإيطاليّين في مقاومةِ بيمال حيثُ تحالفَ مع السّيدُ محمد عبد الله حسن لتشكيلِ جبهةٍ مشتركةٍ ضدَّ الإستعمارِ واستلمَ منه بعضَ الأسلحةِ، وتابعَ كفاحَهُ المسَّلحَ  حتّى حلّت النّهايةُ المشؤومةُ بمقاومتِه في العامِ 1908م.

بدورِه، ناهضَ القائدُ الآخرُ، الشّيخُ حسن برسني سياسةَ التوسُّعِ الإيطاليّ في العامِ 1924م ورفضَ الإذعانَ لهيمنتِهم. وقد قدّرَ الحاكمُ الفاشيُّ الإيطاليُّ ماريو دي فيكي امتلاكَ الصّومالييّن “لمَا يزيدُ على 16,000 بندقيةٍ آليّةٍ أوستَّةِ أضعافِ الكمِّ المُحدَّدِ لقواتِ الدّفاعِ [الإيطالية] المحليَّةِ”. ولم يرضَ الحَاكمُ العسّكريّ الإيطاليّ بهذا الوضعِ ولذلكَ، أمرَ بتسليمِ كلِّ البنادقِ الآليّةِ. وحينَ أذعنت معظمُ القبائلِ للأمرِ، قرَّرَ الشيخُ حسن برسنى مواجهةَ الحاكمِ الإيطالي. وقد فسَّرت السُّلطةُ الإيطاليّةُ موقفَ الشّيخِ حسن على أنّه تحدٍّ لسلطتِها ورفضٌ لسياساتِها المناهضةِ للعبوديّة بلا لَبسٍ. لكنّهُ دافعَ بلا مواربةٍ عن رفضِهِ المُطلقِ للقوانينَ الإيطاليَّةِ والتزامِهِ بالشَّريعةِ الإسلاميّةِ، وذلكَ في رسالةٍ وجّهَها إلى الإيطاليينَ. وبعدَ العديدِ من المواجهاتِ الدّاميَةِ، وقَعَ الشّيخُ حسن برسنى أسيراً في شهرِ أبريلَ من عام 1924م، واستشهدَ لاحقاً في سجنِ مقديشو. ويُذكرُ للشّيخِ حسن برسني أنّه قادَ آخَرَ محاولةٍ للمقاومةِ المسلَّحةِ ضدَّ الاستعمارِ الإيطاليّ في منطقةِ بنادر في الصّومالِ. وتَجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ مقاومةَ الاستعمارِ في بنادر افتقرت إلى وجودِ القادةِ الموحِّدة وأنّها انطلقت بالأساسِ عبرَ جيوبِ مقاومةٍ موزَّعةٍ قامت بتنظيمها قبائلُ مختلفةٌ وشيوخٌ محلّيّونَ عدَّةٌ.

وفي تطوُّرٍ موازٍ، أدخلَ السّيدُ محمدُ عبد الله حسن (1856-1920م) الطّريقة الصّالحيّة في شمالِ الصّومالِ في عام 1895م، وهو من مواليدِ سعمديقة الّتي تقعُ بالقربِ من قوب فردود في منطقةِ هودٍ. درسَ السيد العلومَ الإسّلاميّةَ في طفولتهِ المبكّرةِ في مدينتي هررَ ومقديشو، ليعودَ إلى مسقطِ رأسِهِ في عامِ 1891م. وبعدَ ثلاثِ سنواتٍ، سافرَ إلى مكّةَ لأداءِ فريضةِ الحجِّ ليرجعَ إلى الصّومالِ شخصًا آخرَ مختلفًا تمامًا بعدَ أن انضَوى تحتَ لواءِ الشّيخِ محمَّد صالح (1853-1917م) مؤسِّسِ الطَّريقةِ الصّالحيّةِ. اعتبرَ سيِّدُ محمَّد نفسَهُ الممثِّلَ الشَّرعيّ الوحيدَ للصّالحيّةِ في الصّومالِ واستهلَّ نشاطَهُ بتوجيهِ سهامِ انتقادهِ إلى الطَّريقةِ القادريّةِ والاستعمارِ البريطانيّ والغزوِّ الأثيوبيّ وأنشطةِ البعثاتِ التَّبشيريّة المسّيحيّةِ في آنٍ معًا.

وبعدَ هجرتِه من بَربَرة، إثر الصِدامِ مع علماءِ القادريَّةِ والسُّلطةِ البريطانيّةِ، عملَ على تأسّيسِ مركزٍ في قوريووينى في أرضِ طلبهنتي (عشيرة من هرتى-دارود). وقد قامَ بتجنيدِ مريدينَ جددًا وأنشأ بنفسه جيشًا قويًّا وساهمَ في حلِّ النِّزاعاتِ القبليّةِ وانطلقَ في العامِ 1899م بشنّ سلسلةِ حروبٍ شعواءَ على البريطانييّنَ والإيطالييّنَ والإثيوبيينَ لما يزيدُ على 20 عامًا. ومن ناحيةٍ أخرى، أقدمَ على قتالِ بني قبيلته أيضاً، لرفضهمُ الخضوعَ لهيمنتِه واتِّباعِ طريقتِهِ الصّالحيّةِ، أو لتجاهلِهم دعوتَهُ إلى الجهادِ، أو لمساندَتهم للسّلطةِ البريطانيّةِ. ولأنَّه اتبع سلوكًا تسلطيًّا، دخلَ في سجالاتٍ وصداماتٍ مع عدَّة قطاعاتٍ من المجتمعِ. لكنّ حركةَ الدَّراويشِ التّابعةَ لهُ أضحت محلَّ اهتمامٍ لكثيرٍ من الدراساتِ الأكاديميَّةِ كونَهُ باتَ يشكّلُ تهديدًا للقوى الاستعماريّةِ ورمزًا للحركةِ القوميّةِ الصّوماليّةِ،  بالإضافة إلى سببِ قصائدهِ الجدليّةِ البارعةِ وحركتهِ الرّائدةِ في مناهضةِ الاستعمارِ ، وكتب عنه دراسات كثيرة مكتوبة بلغات مختلفة .

كانت حركة الدراويش حركة إسلامية مبنية على طائفة الصالحية الصوفية تحت قيادة الزعيم الكاريزمي سيد محمد عبد الله حسن. لم تكن حركة قومية كما اعتبرت في فترات لاحقة بطريقة خاطئة. وتطورت القومية في أوروبا، وتم تمديد المذهب الأوروبي إلى مستعمراتها وأصبح أساساً للدول الحديثة. كجزء من هذا الاتجاه، تم تقديم القومية الصومالية إلى الصومال بعد الحرب العالمية الثانية وتمّ إنشاء نادي الشباب الصومالي في عام 1943. كانت حركة الدراويش حركة جهادية ضد الاستعمار الأوروبي وإثيوبيا للدفاع عن الإسلام والمسلمين الصوماليين من الاستعمار الأوروبي وأعوانه. كانت الحركات المناهضة للاستعمار ظاهرة في جميع الدول الإسلامية كأول رد فعل على الاستعمار

الأحمديّةُ /الدّندراوّية

تأسّستِ الطّريقةُ الدندراوّيةُ على يدِ السّيد محمدٍ الدّندراويّ، وهو تلميذٌ آخرٌ من تلامذةِ الشّيخِ إبراهيمَ الرّشيدِ. وهذه الطّريقةُ أقلُّ انتشاراً في الصّومالِ حيثُ اقتصرَ وجودُها على مُدنٍ بعينِها في منطقةِ شمالِ الصّومالِ فقط . وبعدَ وفاةِ الشّيخِ إبراهيمَ الرّشيدِ، باتَ أمرُ خلافتِهِ محلَّ سجالٍ بينَ أتباعِ الشيخِ محمد صلاح ومُريدي الشّيخِ الدّندراويّ. وكان السّيدُ آدمُ أحمد قد سلكَ مسلكَ الدّندراويّةِ وأتى بها إلى شمالِ الصّومالِ، حيثُ ركبَ البحرَ من ميناءِ بِلحار جنوبَ شرقِ بَربرةَ على ساحلِ المحيطِ الهنديِّ، ليؤسِّسَ أوّلَ مركزٍ لجماعتِه في حَاحي قُربَ مدينةِ اُودويني التّابعةِ لمحافظةِ تجطير في الشّمالِ. ومن المؤسّسينَ لهذهِ الجماعةِ الشّيخ ُموسى عَبديّ وهو والدُ العالمِ السّيد أحمدَ شيخ موسى. وبعد مُضيِّ سنواتٍ عدّةٍ، انتقلَ السّيدُ أدمُ أحمد إلى مدينةِ شيخ حيثُ أنشأَ مركزاً آخرَ لتصبحالمدينةُ مقرَّ طريقتِهِ ولينطلقَ السّيدُ آدم أحمد والعديدُ من تلامذتِه بنشرِ الإسلامِ  في المجتمعاتِ المجاورةِ وليَقُومَ الاتصالُ بالطّرق المشابهةِ في مصرَ وزنجبار وسورية.

اشتهرتِ الطّريقةُ الدّندراويّة بفكرِها المتمدّنِ الّذي حملتْهُ وعلاقتِها الطيّبةِ بالسّلطاتِ البريطانيّةِ حيثُ أفسحتِ المجالَ لافتتاحِ أوّلِ مدرسةٍ عصريّةٍ في المدينةِ، فيما اتخذت معظمُ المناطقِ في شمال الصومال موقفاً معارضاً لمثلِ هذه المدارسِ. ونتيجةً لذلكَ، تمَّ افتتاحُ أولَ مدرسةٍ من نوعِها في أرض الصّومالِ البريطانيَّةِ عامَ 1943 وهي المدرسةُ الشَّهيرةُ بمعهدِ شيخ. وكان لهذه المدرسةِ أثرٌ بالغٌ على الدّندراويّةِ إذ ضَعُفت قوةُ الطّريقةِ وأضحى أبناءُ مُريديِها الأوائلَ من النّخب الجديدةِ في شمال البلاد فنجدُ مثلاً أنّ أوّلَ مهندسٍ مدنيٍّ في أرضِ الصّومال ويُدعى علي شيخ غراد، هو ابنُ الزّعيمِ الدّندراويّ الشيخُ محمد حسين. ومن الأتباعِ المعروفينَ للدّندراويَّةِ أحمد شيخ محمد عبسييه الّذي شغل منصبَ الناطقِ باسمِ البرلمانِ الصّوماليِّ ما بينَ عامي 1964 و1966.

في الختام، سلطت هذه المقالة الضوء على خلفية تاريخية موجزة عن الطريقة الأحمدية في الصومال وفروعها الثلاثة: الرحمانية، الصالحية، والدندراوية. حاولت المقالة تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بمؤسس الرحمانية الذي اعتبر أن الشيخ علي ميه هو المؤسس. بدلاً من ذلك، أوضحت أن الشيخ عبد الرحمن محمود هو المؤسس في الصومال. وأخيراً، تم تصحيح الفهم الخاطئ هنا حول طبيعة الحركة الدرويشية. هل كانت حركة قومية تستخدم الإسلام كشعار لها، أم كانت حركة إسلامية مثل الحركة المناهضة للاستعمارفي العالم الإسلامي قبل تقديم القومية؟

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.