د.عبد الرحمن عبدالله (باديو)

منذ أن اعتنق شعب الصومال الإسلام تم تطبيق  العديد من  المبادئ الإسلامية الأساسية، ولا سيما الجوانب المتعلقة بالحياة الفردية. وأما العديد من جوانب الشريعة التي تتطلب وجود دولة فاعلة لم يتم تطبيقها بشكل كامل لأسباب مختلفة . لذلك، ظهرت الحركات الإسلاموية الحديثة في الصومال في ستينيات القرن العشرين مطالبة بالتطبيق الكامل للشريعة الإسلامية. ولكن لسوء الحظ، واصلت الدولة الصومالية ما بعد الاستعمار الاعتماد على القوانين الموروثة من القوى الاستعمارية غيرالمتوافقة معظمها مع الشريعة. وعلى وجه الخصوص، فان الحكم العسكري الذي تولى السلطة في عام 1969 تبنى الاشتراكية وسياسة كبح النشاط الإسلامي لتعزيزالعلمانية في الحياة العامة. ونتيجة لهذه السياسة، تم إعدام 10 من علماء الإسلام في 23 يناير 1975 بسبب معارضتهم السلمية علمنة قانون الأسرة، وسُجن المئات من الشباب الإسلامويين  وفرّ الكثيرون منهم  إلى دول الخليج الثرية. ومع ذلك، استمر النشاط الإسلامي في الخفاء بطريقة أكثر حماسة حتى انهيار الدولة في عام 1991 على شكل اجتهادات فردية وفئوية ومنظمات مختلفة بسبب التفاعل مع الحركات الإسلاموية العالمية.

كثف الإسلامويون في الصومال أنشطتهم الدعوية من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية وإحياء قطاع التعليم والدعوة الإسلامية المباشرة منذ انهيار الدولة في عام 1991 في بيئة حرة تغيب فيها الرقابة الحكومية. ونتيجة لذلك، نمت عملية أسلمة الثقافة المجتمعية والدساتيربشكل كبير. وتجلى ذلك لاحقا في دساتير “أرض الصومال” الانفصالية ودستورولاية بونت لاند في الصومال، وكذلك في الدساتير الوطنية المعتمدة في مؤتمري السلام والمصالحة الصومالي في جيبوتي (2000) وكينيا (2004). علاوة على ذلك ، تم تطبيق جوانب  مختارة من الشريعة من قبل “المحاكم الإسلامية” التي تم إنشاؤها في مناطق معينة في الصومال في التسعينيات من القرن العشرين. وقد تطورت هذه المحاكم فيما بعد إلى حركة سياسية مسلحة تنضوي تحت اسم “اتحاد المحاكم الإسلامية” في عام 2006. ونتيجة لذلك، تغير المشهد السياسي تغيراً جذرياً لصالح مشروع الإسلاميين بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المكونة بين الحكومة الاتحادية الانتقالية وتحالف إعادة تحرير الصومال، حيث وافق مجلس الوزراء بعدها على قانون الشريعة في عام 2009 كونه المطلب الرئيسي للإسلامويين الذين كانوا الكتلة  الرئيسية في التحالف.

 وتمّ اتخاذ هذ القرار الحكومي استجابة  لمطالب المعارضة الإسلاموية المسلحة (الحزب الإسلامي وحركة الشباب) وكانت النتيجة المتوقعة هي أن جميع الإسلامويين سوف يلتفون حول الحكومة وستكون  فرص التعاون ومجالات التصالح بين القوى الإسلامية المختلفة معززّة. وعلى العكس من ذلك، فسرت المعارضة الإسلاموية المسلحة القرار على أنه مناورة سياسية تهدف إلى إبطال جهادهم ورفضو العرض كليًا. واللافت للنظر، أنه لا يوجد إجماع بين علماء الصومال الذين ينتمون إلى المنظمات المختلفة حول كيفية تطبيق الشريعة وإن المجتمع الدولي والدول المجاورة غير مطمئن على  تطبيق الشريعة في البلاد ولديهم مخاوف بشأن الدور المتزايد للإسلامويين في الدولة على الأمد البعيد. ومع كل تلك  التحديات، هناك العديد من الأسئلة ذات الصلة التي تتطلب إجابات واضحة قبل التطبيق الكامل للشريعة. وتشمل هذه الأسئلة ما هو الجانب  المتفق عليه للشريعة؟ ما هي أجزاء الشريعة المطبقة بالفعل في الصومال وما هي الأجزاء غير المطبقة؟ ما هو مذهب الفقه الذي يجب اعتماده ؟ متى وبأي وسيلة يجب أن يبدأ تطبيق الشريعة وتحت أي شروط؟ ما هو دور الاجتهاد ومن ستكون له السلطة المختصة في الصومال؟

قد لا يكون استخدام تعبير “تطبيق الشريعة” هو المصطلح الأكثر دقة. بدلاً من ذلك ، نقترح استخدام عبارة “استكمال تطبيق الشريعة”. ويلمح التعبير الأول إلى أن الشريعة لم تطبق قط في الصومال، ولا يأتي أصلا   من وجهة نظر دقيقة وقد يكون هذا تحريفًا للواقع بينما يوحي  التعبير الثاني التاكيد على  أن أجزاء معينة من الشريعة تم تطبيقها دائمًا وسابقا في المجتمع. وبالتالي ، فإن المهمة ذات الأولوية هي إكمال عملية تطبيق الشريعة في عملية تدريجية. ويمكن اشتقاق معنى الشريعة من الاسم العربي “الشريعة” الذي يظهر في القرآن مرة واحدة فقط في الآية (45:18). ثُمَّ جَعَلْنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ” وتظهر صيغة مشتقة ثلات مرات في آيات أخرى. ووفقًا للتعريف الحديث، فإن الشريعة هي مجموعة شاملة من القوانين الإسلامية التي تنظم الجوانب العامة والخاصة من حياة المسلمين. والمصادر الرئيسية للشريعة تتكون من أربعة. المصدران الأولان هما القرآن والسنة، والمصدران الآخران المكملان هما الإجماع والقياس. وتقبل بعض مدارس الفكر مصادر إضافية أخرى كمصادر ثانوية.

وبالنظر إلى العلاقة التاريخية بين الدولة الصومالية والإسلام، يمكن وصفها بأنها غير متناسقة. فمن جهة، اتفق الدستوران اللذان تم اعتمادهما في 1960 و 1979 على أن الإسلام هو دين الدولة. ومن ناحية أخرى، كانت القوانين الأوروبية الموروثة عن الاستعمار كانت غير اسلامية  وكانت الثقافة والأعراف الغربية منتشرة على نطاق واسع بين النخب. وفي الدستور الأول، كان يجب أن يحكم الصوماليون وفق “المبادئ العامة للشريعة الإسلامية” (مادة 1: 3). كما أكد أن ” الإسلام هي المصدر الرئيسي لقوانين الدولة” (مادة 50) وأن “القوانين والأحكام التي لها قوة القانون يجب أن تتفق مع الدستور والمبادئ العامة للإسلام” (المادة 94). : 1). وينص دستور عام 1960 على أن “لكل شخص الحق في حرية المعتقد وفي حرية المجاهرة بدينه ؛ ومع ذلك ، لا يجوز نشر أو الترويج لأي دين آخر غير دين الإسلام ”(المادة: 29). تم علمنة الدستور الثاني لعام 1979 بما يتماشى مع الأيديولوجية الاشتراكية للنظام العسكري. وكان هذا الدستور علمانيًا بامتياز رغم أنه يشدق بالإسلام في ترديد العبارة العامة التي تقول ذلك”الإسلام يكون دين الدولة” (المادة 1: 3). يعتبر الميثاق الوطني المعتمد في مؤتمر جيبوتي (2000) الأكثر أسلمة في تاريخ الصومال. وإلى جانب إعادة التأكيد على مكانة الإسلام كما نص عليها الدستور الأول لعام 1960، فقد تضمن فقرتين إضافيتين هامتين. وعززت مطلب “أن يكون الإسلام دين الدولة ولا يجوز نشر أي دين آخر أو أفكار مخالفة للإسلام في أراضيها” (المادة 2.2). كما أن “الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع الوطني” و”كل قانون يخالف الشريعة الإسلامية يعد باطلاً ” (المادة 4: 4).

يتراجع الميثاق الاتحادي الانتقالي الذي تم تبنيه في عام 2004 عن المواد الإسلامية في ميثاق عرتا بسبب النفوذ الأجنبي على انتاجه. وإنه يؤكد فقط أن “الإسلام هو دين الجمهورية الصومالية” (المادة 8: 1) وأن “الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع الوطني” (المادة 8: 2). تنص المادة 2 من الدستور المؤقت لعام 2012 على أن “الإسلام دين الدولة، ولا يجوز نشر أي دين في البلاد غير الإسلام. وأيضًا، لا يمكن سن قانون لا يتوافق مع المبادئ والأهداف العامة للشريعة.كما تنص المادة 3 على أن ‘يقوم دستور جمهورية الصومال الفيدرالية على أسس القرآن وسنة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وحماية مقاصد العليا للشريعة الإسلامية’.

النهج المثالي في تطبيق الشريعة هو إعطاء الأسبقية لإنشاء مجتمع إسلامي مستنير قبل التطبيق  للشريعة من أعلى إلى أسفل. وعمليا  ومن ثمّ يجب البدء  بإنشاء الآليات والمؤسسات المناسبة. ويجب على الدولة تعزيز التعليم العام حول الشريعة الإسلامية في المرافق التعليمية العامة والشروع في البرامج التوليفية التدريجية بين الثقافة المجتمعية، وقوانين الدولة والقيم الأخلاقية والانسانية العامة. ويجب النظر كذلك إلى إتمام تطبيق الشريعة على أنه مشروع وطني وعملية منظمة تأحذ وقتا طويلا ومعرفة الموارد المالية المطلوبة ورأس المال البشري المؤهل مهنيًا للقيام بالمهمة المعقدة للشريعة. ويجب أن تتم مناقشتها علنًا والمشاركة من قبل جميع الجماعات والانتماءات من كل الطيف الديني. وإن أي سياسات مختصرة وعشوائية يتم تبنيها وتنفيذها للتحايل على هذه العملية التدريجية استجابة للضغوط السياسية الناشئة هي بالتأكيد تأتي بنتائج عكسية.

في الختام، على الحكومة أن تضع استراتيجيات للتغلب على تحديات برنامج الشريعة. التحدي الأكثرهو الحصول على إجماع بين العلماء الصوماليين من أجل تطوير نهج ومنهجية متماسكة. ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي على الحكومة تعيين  لجنة مؤقتة من علماء وخبراء إسلامويين من جميع العلماء من مختلف الجماعات والمنظمات لتقديم المشورة الدائمة إلى الحكومة بشأن قضية الشريعة. ويجب أن يكون الهدف النهائي من إنشاء المجلس الإسلامي الأعلى أن تكون مؤسسة مدنية غير حكومية ومعترف بها من قبل الحكومة تكون مسؤولة عن السياسات والبرامج  ذات الصلة بالشأن الديني والعمل على تأكيد التوافق بين  المواد القانونية والقوانين المستحدثة دوما من قبل الهيئات الحكومية المختلفة. ومن الممكن أن تطلب الحكومة المساعدة     من الدول والمؤسسات غير الحكومية في  الدول المهتمة أو لها تجارب ناجحة في هذ الإطار. وأخيرًا،  ينبعي شرح مشروع الشريعة إلى الجهات الخارجية  بطريقة عصرية  والعمل جديا على معالجة مخاوفهم وأن يقتنع جميع الجهات الفاعلة بأن تطبيق الشريعة الإسلامية بطريقة صحيحة سيساهم في الاستقرار العام في البلاد   وسيؤدي إلى تجفيف الدعم الأيديولوجي للجماعات المتطرفة المسلحة.

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.