في الخامس من يونيو عام 2017 أعلنت أربعة دول هي السعودية و الإمارات و البحرين و مصر حصاراً شاملاً على دولة قطر قبل أن ينتهي تحقيق تجريه الأخيرة بالتعاون مع منظمات عالمية حول قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية (قنا) إثر بث تصريحات منسوبة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني على موقع الوكالة في حين سارعت قطر لتكذيب الادعاءات ودعت وسائل الإعلام إلى تجاهلها.

تباينت ردود الفعل الإقليمية و الدولية على قرار الحصار الذي اتخذته الدول الأربعة ضد قطر ما بين مستنكر يدعو إلى الحوار الفوري لحل الأزمة الخليجية في بدايتها و مؤيد للقرار  رغم التبعات الإقتصادية و الإنسانية و الإجتماعية التي بدرت في الساعات الأولى من إعلان القرار.

و أعلنت دول الحصار قائمة بالاتهامات التي وجهتها إلى قطر و كان من أبرزها دعم و تمويل الإرهاب، التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأربعة و غيرها و إيواء و تجنيس مطلوبين و محكومين لتلك الدول وعدم الإلتزام باتفاقيات و تعهدات سابقة و شق وحدة البيت الخليجي و التقرب إلى إيران .

نفت حكومة قطر الاتهامات جملة و تفصيلا لكنها رحبت بالدعوات العالمية و الإقليمية إلى الحوار لحل الأزمة من أجل تبديد هواجس دول الحصار ، لكن رباعي الحصار زاد من حدة التصريحات و اشترط خضوع قطر لمطالبهم للجلوس معها في مائدة الحوار.

لائحة مدرسية

اعتبرت دول قبل قطر تلك المطالب انتقاصا و تقويضا لسيادة قطر و أشبه إلى لائحة مدرسية من الإدارة أو مرسوم ملكي من شبهها بمطالب دول، و هذه قائمة تلك المطالب:

أولاً: إعلان قطر رسمياً عن خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقيات.

ثانياً: قيام قطر بالإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية في قطر ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية.

ثالثاً: إعلان قطر عن قطع علاقاتها مع كافة التنظيمات التي تراها تلك الدولإرهابية وعلى رأسها الإخوان المسلمين.

رابعاً: إيقاف كافة أشكال التمويل القطري لأي أفراد أو كيانات أو منظمات ( إرهابية أو متطرفة ) وكذا المدرجين ضمن قوائم الإرهاب في الدول الأربع.

خامساً: قيام قطر بتسليم كافة العناصر ( الإرهابية ) المدرجة والعناصر المطلوبة لدى الدول الأربع

سادساً: إغلاق قنوات الجزيرة والقنوات التابعة لها.

سابعاً: وقف التدخل في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية ومنع التجنيس لأي مواطن يحمل جنسية إحدى الدول الأربع.

ثامناً: التعويض عن الضحايا والخسائر كافة وما فات من كسب للدول الأربع بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة.

تاسعاً: أن تلتزم قطر بأن تكون دولة منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي على الأصعدة كافة وقيامها بتفعيل اتفاق الرياض لعام 2013 واتفاق الرياض التكميلي لعام 2014.

عاشراً: تسليم قطر كافة قواعد البيانات الخاصة بالمعارضين الذين قاموا بدعمهم وكذلك إيضاح كافة أنواع الدعم الذي قدّم لهم.

حادي عشر: إغلاق كافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر

ثاني عشر: كافة هذه الطلبات يتم الموافقة عليها خلال 10 أيام من تاريخ تقديمها وإلا تعتبر لاغية.

ثالث عشر: سوف يتضمن الاتفاق أهدافاً واضحة وآلية واضحة، وأن يتم إعداد تقارير متابعة دورية مرة كل شهر للسنة الأولى ومرة كل ثلاثة أشهر للسنة الثانية ومرة كل سنة لمدة عشر سنوات.

الردود الإقليمية و العالمية

رغم   عروض  شراء الذمم  التي مارسته دول الحصار ضد قطر من تأليب الدول عليها لتوسيع دائرة الحصار ، و ذلك يظهر من إعلان دول أخرى قطع علاقاتها مع قطر  أو خفض التمثيل الدبلوماسي معها إلا أن الردود العالمية كانت تخدم لصالح قطر و خاصة بعد إعلان المطالب التي وصفت بالتعجيزية.

ازدادت حفيظة بعض الدول على بعض شركات و حكومات دول الحصار حيث حاولت الأخيرة إقناع تلك بالعدول عن موقفها الحيادي تجاه الأزمة الخليجية كالصومال التي ألغت جميع اتفاقيات مجموعة موانئ دبي العالمية بعد تجاهل الشركة لسيادة الصومال و توقيع اتفاقية مع ولاية انفصالية للضغط على مقديشو التي اتخذت قرار الحياد في الوقت الذي تراجعت دول كالسنغال و تشاد لاحقا عن موقفهما المؤيد للحصار.

ففي بداية الأزمة ظهر انقسام في موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الأزمة تجلى بعد تصريح ترامب بأنه يجب على قطر التوقف عن تمويل الإرهاب بينما يؤكد وزير خارجيته تيلرسون على أن قطر حليف استراتيجي للولايات المتحدة في عدة مجالات منها مكافحة الإرهاب.!

و أعلنت دول أوروبية و عربية موقفها الحيادي عن الأزمة و دعت الأطراف إلى حله بالحوار كما تم التنديد بالآثار الغير الأخلاقية التي خلفها الحصار من انتهاكات في حقوق الإنسان كحق التعليم و الإستثمار و الإقامة و حرية الرأي و التعبير  وحرية ممارسة الشعائر الدينية .

تأثر قطر بالأزمة

بالرغم من الدعايات الإعلامية المبالغة الموجهة ضد قطر من قبل دول الحصار فإن التأثير الإقتصادي عليها جراء الأزمة كان محدودا بسسب البدائل التي وفرتها حكومة الدوحة لشعبها سواءا من خلال إنشاء مصانع لإنتاج الموادالغدائية أو زيادة حجم التبادلات التجارية مع أسواق بديلة كتركيا و إيران و فتح خطوط ملاحة جوية و بحرية جديدة .

و بالنسبة للحرب النفسية الموجهة على قطر شعبا و حكومة فقد اتسمت الحياة العامة للقطريين داخل بلادهم بالهدوء و لم ينغصهم سوى اسم الحصار بينما كثفت الحكومة القطرية اتصالاتها و علاقاتها مع بلدان العالم بشكل اعتيادي على خلاف ما تبثه وسائل إعلام دول الحصار من أن قطر تعيش في عزلة عن العالم أو الخليج و وجود حالة انزعاج من الشعب القطري تجاه مواقف الصمود التي تبنت قيادته تجاه مطالب الأشقاء.

لقد أثبت الشعب القطري نضوج وعيه السياسي تجاه الأزمة التي تمر بها المنطقة  و أنه لن تستفيد أي جهة من تصعيد الأزمة و استمرارها,و يظهر من ذلك تكاثفه في ظل قيادته إظهارا لدعم موقفها دون دعوته للرد بالمثل على الأقل يقينا بأن المتضرر هو شعوب تلك الدول الأشقاء و ليست حكوماتها.

و تعتبر الحالة الإجتماعية والدينية البعيدة كل البعد عن السياسة التي هي الأشد تأثيرا بالنسبة للعائلات الخليجية و الحجاج و المعتمرين القطريين الذين تأثروا بقرارات دول الحصار تجاههم حيث تم تضييق الخناق عليهم بشروط تعجيزية تحول بينهم و بين أداء تلك العبادات ومواصلة أرحامهم.

صمود قطري

يرى الكاتب الصحفي الشهير عبد الباري عطوان أن الأزمة الخليجية الراهنة مفتعلة من أجل تطويع قطر و تهميش دورها الريادي و ضمان عدم تغريدها خارج السرب الخليجي الذي تتقدمه السعودية و الإمارات.

و إذا سلمنا بأن هذا أو علاقاتها مع إيران أو رفضها للمشاركة في صفقة القرن هو السبب وراء افتعال هذه الأزمة و كيل الإتهامات لهايبقى السؤال هو: هل نجح الحصار في تحقيق أهداف رباعي الحصار  و أخرس الموقف القطري من الأزمات الإقليمية و الدولية.

ببساطة  لم ينجح الحصار طوال عام تحقيق أي من هذه الأهداف فالعلاقات القطرية دول العالم جيدة و قد أظهرت قطر موقفها من نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس بوضوح أكثر من مواقف دول الحصار حول القضية ذاتها كما لم تتنازل عن حقها في استضافة كأس العالم عام ٢٠٢٢.

و تحركت الخارجية القطرية لإحتواء الأزمة و إيصال الرؤية القطرية إلى العالم من خلال أكثر من 50 زيارة لعواصم صناعة القرار الإقليمي و العالمي و أكثر من 200 اجتماعا مع رؤساء دول و حكومات ووزراء خارجية و سفراء و مسئولي منظمات دولية، و أكثر من 40 اتصالا هاتفيا مع مسئولين من عدة دول و مقابلات مع نحو 40 من كبريات الصحف و القنوات التلفزيونية العالمية بالإضافة إلى المشاركة في 4 مؤتمرات دولية و عقد ندوات و محاضرات و مؤتمرات صحفية في جامعات قطرية و أخرى عالمية.

و ركزت الرؤية القطرية على عدة محاور من بينها دعم الوساطة الكويتية و الجهود الدولية المساندة لها و حل الأزمة تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي, و كون مطالب دول الحصار واقعية و قابلة للتنفيذ و تجنيب الشعوب من الخلافات السياسية مع رفض الوصاية ومس السيادة القطرية.

في الوقت نفسه واصلت قطر تمسكها بالحوار لحل الأزمة و قد بدا هذا الخيار جلياً في أكثر من مناسبة شاركت فيها وزارة الخارجية القطرية و من تصريحات مسئوليها مع التأكيد على أن دعوة الحوار تعتمد على وجود مبادئ رئيسية و آليات واضحة و ليست شيكاً على بياض.

و بهذا تفادت قطر سياسة التركيع والتنازل عن سيادتها ثمناً لرفع الحصار عنها؛و عقدت صفقات و معاهدات عسكرية مع كل من روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية و أتمت المعاهدات العسكرية بينها و بين تركيا, ليصبح مفعول الحصار اسماً على غير مسمى.

بقلم/ رئيس التحرير

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.