تمهيد:

أدّى سقوط الحكومة المركزية الصومالية في عام 1991 إلى ظهور عدد كثير من الإدارات التي أسست في ظروف الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد, و كان من بينها الجمهورية الانفصالية التي تسمى ( أرض الصومال ) و التي تفتقد على عناصر مهمة من أركان الدولة كالشعب و السيادة و الإعتراف.

و كانت الدول و منظمات الأمم المتحدة تتعامل معها على أساس الواقع دون المجازفة مع علاقتهم مع الصومال نظرا لتمع تلك المنطقة بأمن واستقرار نسبي و مظاهر ديمقراطية نسبية مع ملاحظة حالات قمع للأصوات المنادية بالعودة إلى الوحدة الصومالية.

أما بالنسبة للموقف الرسمي و الشعبي للصومال عن انفصال هذا الجزء فهو الرفض السلمي بالإضافة إلى تمتع المواطنين الصوماليين فيها بكل ما يتمتع به المواطنون في المناطق الموالية للوطن من تمثيل في السلطات القضائية و التنفيذية و التشريعية و غيرها من الحقوق مع فتح مفاوضات مع الإنفصاليين في أنقرة سابقا و جيبوتي لاحقا.

الإنتهاكات الإماراتية  في الصومال

يعتبر معاداة التواجد و الاهتمام التركي في الصومال الذي بدأ منذ 2011 هو المحرك الرئيسي و الركيزة الأساسية لانتهاج الإمارات العربية المتحدة سياسة عدائية ضد الحكومة الصومالية الاتحادية, فقامت بدعم الولايات الفيدرالية الأعضاء في الجمهورية على حساب الحكومة الاتحادية, و حاولت بشتى الأوضاع الحيلولة عن قرار الصومال الحيادي تجاه الأزمة الخليجية التي تعد الإمارات طرفا رئيسيا فيها و تعديله لاحقا.

و من بين الوسائل التي تكرسها الإمارات للضغط على الدول و مواجهة التقدم التركي في القارة الإفريقية هي الشركات الإستشمارية التابعة لها مثل:

 موانئ دبي العالمية:

قامت مجموعة موانئ دبي العالمية المملوكة لحكومة الإمارات بتحدي الصومال و قامت بعقد اتفاقية تشغيل ميناء بربره مع صومال لاند في 2015 بشروط مجحفة حتى للإنفصاليين من بينها أن تكون للشركة حصة 70% و 30% لصومال لاند بالإضافة إلى أن إدارة الميناء ستكون لمجلس مكون من مسئول صومال لاندي و ثلاثة إماراتيين و أنه لن يتم تعديل بنود الاتفاقية قبل خمس سنوات من توقيعها.

وافق برلمان الجمهورية الإنفصالية على الاتفاقية بأغلبية ساحقة و لكن الحكومة الفيدرالية اعتبرت تلك الاتفاقية انتهاك لسيادة الصومال و خرق للقوانين الدولية.

من جانب آخر عقدت الشركة ذاتها اتفاقية تشغيل ميناء بوصاصو في ولاية بونتلاند الفيدرالية دون وساطة و موافقة حكوميتين كما تدير الشركة موانئ أخرى في شمال إفريقيا و خليج عدن و باب المندب مثل ميناء عصب في إريتريا و ميناء عدن في اليمن و محطة حاويات دوراليه في جيبوتي مع فسخ الحكومة الجيبوتية للعقد مؤخرا.

و تعتبر شركة موانئ دبي العالمية الذراع الإقتصادي و القوة الناعمة لحكومة أبوظبي و هي تعمل في تشغيل أكثر من 70 موانئ و حاويات في قارات العالم, و مع ذلك تضررت سمعة الشركة في السنوات الأخيرة بسبب استغلال الإمارات لها للضغط على مواقف بعض الدول التي تعمل فيها الشركة من أزمات سياسية إقليمية.

و معظم اتفاقيات تشغيل تلك الموانئ و غيرها تعطى موانئ دبي امتيازا لا مثيل له حيث تتراوح مدة تلك العقود ما بين الثلاثين إلى الخمسين عاما مع شروط محجفة تضمن للشركة الفوز في كل القضايا في حال وجود خلاف كما حدث مع اتفاقية ميناء جيبوتي سابقا.

الردّ الصومالي  تجاه الاتفاقية

صوت كل من مجلسي الشعب و الشيوخ في البرلمان الصومالي الفيدرالي ضد الاتفاقية و أصدر قرارا يلغيها و يلغي جميع الاتفاقيات الأخرى التي تكون موانئ دبي جزءا منها في الصومال بالإضافة إلى طردها عن البلاد , إلا أن رئيس الشركة السيد سلطان بن أحمد بن سليم عقد مؤتمرا صحفيا في الإمارات و أكد على مواصلة الشركة أعمالها في الميناء رغما عن صدور القرار.

من جهة الحكومة الصومالية نفى رئيس الوزراء السيد حسن علي خيرى اطلاعه على توقيع اتفاقية تشغيل ميناء بربره ( بعد تعديلها و إشراك الحكومة الإيثوبية فيها بحصة 19% مخصومة من الشركة في اتفاق جانبي ) في أبوظبي أثناء تواجده في الإمارات بزيارة رسمية.

و أصدرت وزارة الموانئ و النقل الجوي بيانا أكدت فيه انتهاك الاتفاقية لسيادة الصومال و وحدته و اعتبرتها لاغية لعدم حصول الموافقة عليها من البرلمان الصومالي الفيدرالي.

على الصعيد الإقليمي و الدولي قدمت المندوبية لجمهورية الصومال الفيدرالية في الجامعة العربية إلى الأمانة العامة للجامعة شكوى رسمية من الانتهاكات الإماراتية التي تتمثل في اتفاقية تشغيل ميناء بربره الملغية , كما طالب مندوب الصومال لدى الأمم المتحدة السيد أبوبكر طاهر عثمان مجلس الأمن بوضع حد للإنتهاكات الإماراتية في الصومال.

العلاقات بين الصومال و الإمارات

على الرغم من تعهد دولة عربية – لم تسمها الخارجية الصومالية – بإجراء وساطة بين الصومال و الإمارات إلا أن السيناريوهات المتوقعة لمستقبل العلاقات بين البلدين على المدى القريب ليست على مايرام و خاصة إذا نظرنا إلى استفزاز الإمارات للصومال عبر توقيع الاتفاقية بوجود رئيس وزراء الصومال في أبوظبي.

و تعتبر خطوة استدعاء السفير الإماراتي لدى الصومال السيد محمد عثمان أحمد الحمادي من قبل وزارة الخارجية الصومالية و إيصاله عن موقف الحكومة الصومالية من الانتهاكات الإماراتية بمثابة انذار للإمارات بأن ثمن تلك الاتفاقية سيكون باهظا.

ففي حال استمرار الإمارات بتجاهل الرفض الصومالي للاتفاقية و مواصلة التحدي للصومال مع فشل الوساطة, فمن المتوقع أن تبدأ قطيعة دبلوماسية بين البلدين لا تعرف إلى أي مدى ستصل إليها, أما إذا نجحت الوساطة بينهما فمن المتوقع أن يتم إجراء تعديل جديد على بنود الاتفاقية و توزيع الحصص و أطراف الاتفاقية, و بالتالي رفع الحظر من موانئ دبي بعد التزامها ببنود الدستور الصومالية.

ختاما

يجب على الإمارات الإدراك بأن الصومال استعادت سيادتها بالكامل و لم يبق لها إلاّ فرض سيطرتها العسكرية على جميع أراضيها و يجب التعامل معها في كل ما يقع تحت سيادتها إلا إذا أوكلت جهة أخرى بالنيابة عنها.

و بالنسبة للقوة الناعمة التي تستغلها الإمارات في تنفيذ أجنداتها الخارجية فهي تضر بسمعة الشركة و الحكومة الإماراتية أكثر مما تضر خصومهما, و بالتالي لن تضمن منع تلك الجهات من منافسة موانئ دبي في المستقبل القريب في الأسواق الإقليمية و العالمية.

فالإمارات متهمة بدعم المطالبين بانفصال الجنوب لضمان عودة موانئ دبي بعد طردها من ميناء عدن كما تواجه الشركة تهما بدفع رشاوى لإدارة الموانئ قبل عقد اتفاقية تشغيلها.

بقلم/ عبد الله عبد الرحمن أحمد 

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.