تمهيد:

في خريف 2010 و تحديدا في الــ14 من شهر أكتوبر استيقظ الشعب الصومالي على وقع أنغام حفل تعيين رئيس وزراء جديد يسمى بـ محمد عبد الله محمد (فرماجو) بعد عزل سابقه من قبل البرلمان الإنتقالي بتلميح من الرئيس آنذاك شريف شيخ أحمد.

لم يكن تعيينه الحكومة و تثبيت أركانها لفترة وجيزة أبرز خطوات فرماجو البطولية بل قام بالكثير من المغامرات التي أقلقت دول قوات بعثة الأميصوم و خاصة أوغندا التي أسرعت للضغط عليه أكثر حتى غادر المكتب على مضض و لكنه مهّد لنفسه أرضية شبه صلبة و شعبية شبه عارمة كما كسب ودّ الجيش بسبب سلاسة صرف الرواتب في عهده.

و كغيره من السياسيين الصوماليين ازداد طموح فرماجو السياسي و سارع الى المشاركة في الانتخاب الرئاسية في عام 2012 و على الرغم من أنه لم يصل إلى الجولة الثانية فقد أكسبته التجربة خبرة كافية و فرصة جديدة لترتيب أوراقه من جديد.

فاز حسن شيخ محمود بمنصب أول رئيس تم انتخابه في الصومال بعد الحرب الأهلية الطاحنة التي اجتاحت البلاد عرضا و طولا و تم تنصيبه أيضا لكن صورة فرماجو في أذهان الكثيرين من الشعب لم تكن غائبة أيضا.

بدأت التكهنات تشغل بال كل مهتم أو له علاقة بمطبخ السياسة في الصومال و طبعا احتل فرماجو الصدارة حتى روجت شائعات كثيرة بأن ما بينه  و بين منصبه الجديد (القديم) سوى ساعات و عمت الاحتفالات المدينة و لكن الرئيس حسن شيخ فاجأ الجميع بشخصية جديدة.

جمع فرماجو أوراقه من جديد و شارك في الانتخابات الرئاسية التي عقدت في مقديشو في الثامن من فبراير عام 2017 و أصبح ثاني أعلى مرشح حصل على الأصوات في الجولة الأولى قبل أن يحصل على أكثر الأصوات في الجولة الثانية أمام اثنين ممن سبقه من الرؤساء الصوماليين.

و عقب انتهاء الجولة الثانية و انتقال كل من محمد عبد الله فرماجو و حسن شيخ محمود إلى الجولة الثالثة و قف الأخير على المنصة و عبر عن عدم رغبته في المشاركة في الجولة الثالثة ليعلن بطريقة غير رسمية فوز السيد محمد عبد الله فرماجو في منصب الرئاسة.

الإنجازات

بذلت إدارة الرئيس فرماجو الكثير من الجهود في المجالات المختلفة و أعطت أولوية كبيرة للمجال الأمني عن طريق تكثيف الغارة التي نفذتها الولايات المتحدة و المهمات المشتركة بين القوات الخاصة و التحالف الدولي الداعم لقوات حفظ السلام في الصومال بالإضافة إلى تأسيس وحدات عسكرية مشتركة (قوات الأمن و الشرطة و الجيش + الأميصوم لاحقا) لتعزيز أمن العاصمة مقديشو.

استقطاب القيادي روبو

كان إعلان القيادي مختار روبو علي انشقاقه عن الحركة مسألة وقت لا أكثر نظرا إلى اتساع الفجوة الفكرية بينه و بين القيادة العليا للحركة منذ الأعوام الخمس الأخيرة في الكثير من القضايا المحورية و شنّ روبو هجوما شديد اللهجة على أمير الحركة الراحل أحمد عبدي غودني لاتهامه بتصفية قادة بارزة في الحركة.

و يعد استقطاب (أبو منصور) أبرز انجاز سياسي عسكري حققته إدارة الرئيس فرماجو في عامها الأول بسبب كونه أرفع مسئول حركي دخل في تفاوض مع الحكومة الصومالية منذ تأسيس حركة الشباب كما تمكنت إدارة فرماجو- بدعم أمريكي- مقتل قادة بارزين من حركة الشباب من بينهم الشيخ علي محمد حسين المشهور بـ علي جبل والي ولاية بنادر للحركة.

الموقف الحيادي من الأزمة الخليجية

حققت إدارة الرئيس فرماجو نجاحا سياسيا من اتخاذ موقف حيادي من الأزمة الخليجية الراهنة, و إن ارتأى البعض بأنه موقف انفرادي لم يتم تشاوره مع الولايات الفيدرالية الأعضاء في الحكومة الاتحادية و متسرع  لم يبن على أسس المصالح القومية للبلاد إلا أنه موقف مشرف أعاد للصومال هيبتها – و لو بشكل رمزي – حيث ضمنت خروجها من صندوق التوقعات للدول التي أثارت الأزمة منذ البداية

لقد كان القرار شجاعا بالنسبة إلى الصومال التي كانت من طليعة الدول التي قطعت علاقتها مع طهران إبان الأزمة بين السعودية و إيران كما جذب القرار أنظار القطريين حكومة و شعبا إلى الصومال حيث تعهد صندوق قطر للتنمية بتمويل مشاريع إنمائية في الصومال بتكلفة 200 مليون دولار.

استعادة التحكم المجال الجوي

في المجال المؤسساتي كان استعادة التحكم في المجال الجوي للبلاد هو الحدث الأبرز فيه حيث أكملت إدارة الرئيس بقيادة وزير النقل البري و الجوي السيد محمد عبد الله صلاد جهود الإدارات السابقة في هذا المضمار رغم الضغوطات التي مورست عليها من عدة أطراف للحيلولة دون تحقيق هذا الأمر.

و يعطى استعادة الصومال إدارة مجالها الجوي بعد 27 عاما انعكاسا جيدا عن تحسن الأوضاع و الاستقرار في البلاد كما يمهد الطريق إلى تحقيق انجازات مماثلة في المدى القريب.

الإخفاقات

من أبرز الأخطاء التي وقعت فيها إدارة الرئيس أثناء عامها الأول ما يلي:

الانفلات الأمني (هجوم زوبي):

على الرغم من جودة الخطط الأمنية التي وضعتها إدارة الرئيس و آثارها الجانبية التي أدت إلى شلل نصفي للحركة المرورية في مقديشو و ساهمت في انخفاض شعبية الرئيس الذي كان بالأمس القريب مرشحا رئاسيا يدين إغلاق الإدارة التي سبقته لمعظم الشوارع  الرئيسية في العاصمة مقديشو  إلا أن تلك الجهود تلاشت تماما فور حدوث أكبر هجوم دموي في تاريخ الهجمات و التفجيرات.

و مما زاد الوضع سوءا هو اختفاء نتائج التحقيق في الهجوم بالإضافة إلى عدم وجود استشعار للمسئولية  بين كبار المسئولين الحكوميين و اكتفاء توجيه أصابع الاتهام إلى حركة الشباب التي نفت وجود دور لها في تنفيذ الهجوم فضلا عن تخطيطه.

تسليم المناضل في الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين قلب طغح إلى إيثوبيا:

أثار تسليم الحكومة الصومالية عضو الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين غضب الكثيرين من مؤيدي إدارة الرئيس فرماجو و سخرية معارضيه و وصفت تلك الخطوة بأنها من أدت بشكل أو بآخر إلى تسيير جولة رئاسية داخلية لزيارة المحافظات الشمالية الشرقية و الوسطى في الصومال كمحاولة يائسة من القصر الرئاسي لمنع مؤشر شعبية الرئيس فرماجو من الهبوط الحاد الذي خلّفه تسليم قلب طغح.

و بالرغم من أنها ليست الإدارة الصومالية الوحيدة التي سلّمت أعضاء الجبهة إلى الحكومة الإيثوبية إلا أنها تزامنت مع ارتفاع نسبة الوعي القومي و السياسي للشعب الصومالي الذي لم يزل يرى قضية الصومال الغربي شأنا داخليا و جزءا من تاريخ الجمهورية الصومالية بل مطلبا قوميا أدى إلى نشوب حروب عديدة بين إيثوبيا و الصومال و إن اختفى من أولويات السياسية الداخلية و الخارجية للأخيرة بسبب الظروف القاهرة التي أدت إلى ذلك.

و أصبح إعلان الرئيس الصومالي مؤخرا عن موقفه تجاه تلك القضية بمثابة حك جرح غير ملتئم فكان ردّ الجبهة الذي يشير إلى عدم أهميته قويا بما فيه الكفاية و خاصة في ظل مفاوضات جارية بين الأخيرة  و بين الحكومة الإيثوبية في نيروبي.

الهجوم على منزل المعارض السياسي

ترك الهجوم الذي نفذته القوات الأمنية على منزل السياسي المعارض عبد الرحمن عبد الشكور انطباعا سيئا للحكومة في الأوساط الشعبية و إحراجا شديدا لإدارة الرئيس فرماجو الذي كان بالأمس القريب معارضا سياسيا بارزا بل و حليفا مؤقتا مع السياسي المعتقل أيضا.

و مما زاد الطين بلّة هي الاتهامات الموجهة إليه و التي من بينها ألفاظ أكثر شمولية كالخيانة القومية و تنفيذ أجندة دولة أجنبية في الصومال في الوقت الذي لم تعلن الصومال قطيعتها مع تلك الدولة أو لم تصنفها كدولة معادية بل يزورها كبار المسئولين الحكوميين.

و بغض النظر عن صحة تلك الاتهامات أو عدمها فإن مجرد الهجوم على منزل معارض سياسي دون تصريح قضائي كفيل بإطفاء بصيص الأمل و مسيرة حرية التعبير التي ظهرت بشكل تدريجي في الآونة الأخيرة.

ختاما

هناك الكثير من الفرص الثمينة أمام إدارة الرئيس فرماجو لتحقيقها في الأعوام المتبقية من الفترة و من بينها تحقيق إجراء انتخابات مباشرة في الصومال و إجراء استفتاء على الدستور و بسط سيطرتها على الكثير من المدن التي لا تزال تحت سيطرة حركة الشباب.

و مما لا غبار عليه أن هناك انجازات حققتها الإدارة لكن اختفت بين غياهيب حجم التوقعات الكبيرة و الثقة التي أعطاها الشعب الصومالي لها  و بين محدودية قدرات الحقيقة للإدارة و ستكون السنوات الثلاث القادمة لحظات فاصلة في تقييم أداء هذه الإدارة.

 

بقلم/ عبد الله عبد الرحمن (Caruus)

 

 

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.