أجرى موقع الصومال اليوم حوارا مع البروفيسور علي الشيخ أحمد أبوبكر مدير مؤسسة شرق أفريقيا للتنمية والبحث العلمي، يتناول علاقة دول شرق إفريقيا مع تركيا على الواقع الجغرافي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وجوانب من مشتركات ومكامن القوة والعلاقات البينية بينهما، كما يسلط الضوء على التنافس الدولي في المنطقة إلى جانب التبادل التجاري والاستثمارات والمشاريع التنموية.

الصومال اليوم: أولا على ماذا تتأسس الشراكة بين دول شرق أفريقيا وتركياجغرافيا وتاريخيا:

– بداية يجب أن نضع في الاعتبار الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يحتله الإقليم وموقعه من حيث المساحة وعدد السكان ضمن القارة الأفريقية، إذتصل مساحته الإجمالية إلى ثلاثة ملايين كم2، بينما يربو عدد سكانه على ربع عدد سكان القارة.

ومن ناحية أخرى، تطل خمس دول من الإقليم على كل من البحر الأحمر والمحيط الهندي بسواحل يصل طولها حوالي 5000 كم، كما تقع هذه الدول على الجانب الغربي من مضيق باب المندب مما يكسبها أهمية خاصة حيث تبلغ نسبة السفن العالمية التي تعبر هذا المضيق يوميا حوالي 30% من مجموع سفن العالم لأنه يربط بين البحر الأبيض المتوسط وبين البحر الأحمرمن خلال قناة السويس ثم إلى المحيطات العالمية.

أما على مستوى التاريخ، فإن لشعوب هذه الدول التي تشترك في التاريخ مشترك يوفر الأساس الحيوي للعمق الاستراتيجي لتلك الدول يمكن أن نشير إلى بعضها باختصار:

أولا: اشتهرت هذه المنطقة في التاريخ القديم باسم الحبشة والتي كانت ملوكها في أعالي هضبة الحبشة وهو موقع شمال الدولة الإثيوبية، وتاريخ الحبشة معروف من خلال الصراعات القديمة وخاصة بينها وبين أهل الجزيرة العربية.

ثانيا: هناك دور للإسلام في هذه المنطقة منذ بعثة الرسول عليه السلام، ومن العوامل المؤثرة هجرة الصحابة من مكة المكرمة إلى الحبشة والاستضافة المشرفة لهم من قبل ملكها النجاشي رحمه الله تعالى والذي أعلن إسلامه بعد ذلك مما وطد العلاقة التاريخية بين المسلمين وبين الحبشة منذ ذلك الوقت، وهذا الأمر فتح باب التواصل والانفتاح الاقتصادي والثقافي بقوة وخاصة في مرحلة الخلافة العباسية، بالإضافة إلى ذلك فإن نفوذ الخلافة العثمانية امتد إلى هذه المنطقة وما زالت آثار معالمهم شاهدة على ذلك في مختلف مناطق تلك الدول، إذاً فإن بصمات الحضارة الإسلامية في مختلف مراحلها كانت واضحة في شرق إفريقيا.

ثالثا: هذه الدول والشعوب لم تكن بمعزل عن الاستعمار الغربي كغيرها من دول وشعوب إفريقيا، ومن المعروف أن النفوذ الأوروبي قد استقر في هذه المنطقة منذ القرن التاسع عشر وظل فيها حتى بعد منتصف القرن العشرين، وبما أنه حكم المنطقة حوالي قرنا من الزمان فإن تأثيره عميق الجذور، لذا نجد اليوم ثقافة مشتركة بين هذه الدول وشعوبها من خلال الثقافة الغربية المتجذرة في أساليب الحياة بشتى جوانبها.

رابعا: هناك علاقة كبيرة بين هذه الشعوب بسبب الجوار، والتداخل العشائري، والمصاهرة، والمصالح الاقتصادية، واللغات المشتركة العابرة للحدود مثل اللغة السواحلية، واللغة الصومالية، واللغة العفرية، وعدم وجود حواجز طبيعية مثل البحار بين هذه المجتمعات مما خلق علاقات اجتماعية وثيقة وعادات متشابهة ومصالح متشابكة.

خامسا: هناك تكامل ينتج عن تميز كل دولة  بسبب مواردها وإمكاناتها المتوفرة في أراضيها، حيث تشكل بمجموعها قوة ذات وزن كبير ، فالثروة الحيوانية والأراضي الصالحة لزراعة مختلف المحاصيل متوفرة لدى هذه الدول، وهناك خمس دول تقع على سواحل البحر الأحمر والمحيط الهندي، وثلاثة من هذه الدول تطل على الجانب الغربي لباب المندب، ومن أراضي دولتين من المجموعة ينبع نهر النيل والبحيرات العظمى، وتمتلك كينيا وتانزانيا أكبر محمية للحيوانات البرية وهي من أشهر المناطق السياحة في العالم، بالإضافة إلى اكتشاف البترول والغاز في الصومال وإثيوبيا وكينيا.

الصومال اليوم: إذاً، هناك تنافس محموم على دول المنطقة؟

بطبيعة الحال فإن إفريقيا ثاني أكبر قارة في العالم سكانا وأرضا، ووثرواتها غير مستغلة بجانب توفرعمالة رخيصة، وشرق إفريقيا جزء منها، ولهذه الأسباب عليه تنافس محموم بين دول العالم:

والنفوذ الغربي في شرق إفريقيا ليس وليد اللحظة بل هو امتداد للاستعمار وعلاقاته المتشعبة والمتجذرة، ويتجسد ذلك في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية ومظاهر تقاليد الحكم ونظام الحياة، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول من حيث قوة النفوذ، وتليه بريطانيا ومعهما عموم الدول الغربية وإسرائيل بتفاوت فيما بينها. وكالعادة يأتي تحت نفوذهم: القطاع المصرفي والمالي وكثير من الصناعات الثقيلة، وتحتكرالشركات الغربية مجال المعادن والبترول والغاز، كما أنها هي المستفيد الأول من بعض المنتجات الزراعية مثل البن والشاي.

في حين أن للصين وجود قوي في إفريقيا يتركز على مشاريع البنى التحتية مثل الطرق والسكك الحديدية، وقطاع العقارات والصناعات الخفيفة بصورة أقل، كما تحاول إغراق الأسواق الإفريقية ببضائعها المعروفة بانخفاض أسعارها بسبب ضعف الجودة، إن دخول الصين في القارة ليس جديدا، فمنذ منتصف القرن الماضي كانت تقدم مساعدات إلى بعض الدول، ولكن تسارع نموها الاقتصادي خلق لها فرص التوسع في المشاريع المختلفة.

لكن اللافت للنظر كان ظهور تركيا غير المتوقع كلاعب مهم في القارة الإفريقية وكقوة اقتصادية وثقافية في مدة قصيرة، وهذا بعد الانعطافة الحادة وتبدل الرؤية الاقتصادية التركية، إن وضع تركيا مدهش حقا لأن اهتماماتها في إفريقيا مازالت في عقدها الثاني، ويعتبر ذلك توجها جديدا، بل هو تغيير جذري في السياسة الخارجية التركية من الناحية الاقتصادية على أقل تقدير، فرغم علاقاتها التاريخية الوطيدة مع القارة الإفريقية وخاصة مع الأجزاء الشمالية والشرقية إلا أن هذا التواصل قد انحسر منذ نهاية الحرب العالمية الأولى بعد تفكك الخلافة العثمانية.

الصومال اليوم: ما العوامل المحفزة لدور تركي ريادي في القارة بشكل عام، والقرن الأفريقي بشكل خاص؟

إن شرق إفريقيا بوابة استراتيجية مهمة للقارة الإفريقية، وكغيرها فإن الدول القوية اقتصاديا في سباق محموم لترسيخ العلاقات معها وعقد شراكات أمنية واقتصادية وثقافية، ومن جانبها فإن هذه الدول حريصة لتقوية علاقاتها مع اقتصاديات العالم  من أجل تحقيق النمو الاقتصادي، ونظرا لبلوغ تركيا مستوى التنافس الاقتصادي في الساحة العالمية فإن أمامها فرصا نادرة في شرق إفريقيا بالأسباب التالية:

أولا: ليس لتركيا تاريخ استعماري يلطخ سمعتها الحالية والمستقبلية.

ثانيا: ليست من القوى العظمى التي تسعى إلى البطش وقضم حقوق الشعوب.

ثالثا: تركيا كسبت سمعة ممتازة في شرق إفريقيا بسبب اهتماماتها القوية بشعوب المنطقة

رابعا: المنتجات التركية بسبب جودتها خدمت لسمعتها في المنطقة

خامسا:عودة مئات الخريجين من الجامعات التركية إلى بلدانهم يمثل قنطرة  بين تركيا وبين شرق إفريقيا بسبب فهمهم للتقاليد التركية وإتقانهم باللغة التركية، وتلك نقطة جوهرية في العلاقات بين الجانبين.

سادسا: وجود الشركات والمقاولين الأتراك في أغلب المنطقة تقوي هذه العلاقة.

سابعا: الدبلوماسية التركية الهادئة تجاه دول القارة والبعيدة عن التدخل في شؤون الداخلية للدول خلقت ثقة حكومية وشعبية للوجود التركي في المنطقة.

ثامنا: هبوط الخطوط التركية على مطارات أغلب الدول الإفريقية كونت انطباعات إيجابية وطمأنينة في نفوس أبناء المنطقة والقارة. كل هذه الميزات تمهد الطريق لتعاون اقتصادي أكثر سلاسة وأرسخ في تطوير الشراكة بين الطرفين وخاصة إذا وظفت بطريقة عملية معاهد الأبحاث العلمية، والجامعات، ومراكز الاستشارات التنموية، وجهود خبراء الأتراك والأفارقة.

الصومال اليوم: ما معالم العلاقات التركية الإفريقية؟ 

لقد سجل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ عام 2004 وحتى عام 2018 قرابة (50) زيارة إلى القارة الإفريقية، وبهذا يصبح الرئيس التركي أكثر رئيس دولة وحكومة زار القارة الإفريقية حتى الآن، وتلك الجهود الضخمة لها دلالاتها وأبعادها من أجل بناء شراكات اقتصادية وسياسية لتحقيق مصالح متبادلة بين تركيا وإفريقيا، ولقد دشنت تلك السياسة عبر استراتيجية واضحة المعالم أدت إلى اعتبار تركيا شريكا استراتيجيا مع القارة الإريقية، وعلى هذا الضوء عقد في تركيا مؤتمرات لرؤساء الدول الإفريقية ووزراء التعليم وغير ذلك ، وهو أمر بالغ الإهمية من حيث سرعة تطور العلاقات التركية الإفريقية بهذا الزمن القياسي. حيث كانت السفارات التركية في إفريقيا 12 سفارة عام 2003 وارتفع عددها إلى 41 سفارة في 2017.

ومن مؤشرات هذا التطور السريع الدور الحيوي للخطوط الجوية التركية في تشييد جسور الصداقة بين تركيا وإفريقيا بازدياد عدد الرحلات الجوية إلى إفريقيا، لقد حقق الأسطول الجوي التركي تفوقا غير مسبوق لخدمة القارة حيث غطى51 مطارا داخل إفريقيا حتى بداية عام 2018، وتلك قفزة نادرة الحدوث في الطيران العالمي، وبهذا أصبح الطيرن التركي يمثل أكبر خدمة بشأن العبور بين القارة وبين بقية العالم،  بل إن ذلك خدمة جليلة لأبناء القارة لتسهيل السفر والتنقل بين بلدانها.

الصومال اليوم: ما حجم التبادل التجاري بين تركيا وبين الدول الأفريقية؟

تغيرت العلاقات التجارية بين تركيا وبين إفريقيا بسبب التوجهات التركية المبنية على”سياسة الانفتاح على القارة الإفريقية”. كجزء من استراتيجية شاملة مدروسة اتبعتها حكومة حزب العدالة والتنمية، وبهذا قطعت التجارية البينية بين الطرفين شوطا كبيرا بمدة قصيرة. واكتسبت زخمًا مع إعلان الاتحاد الأفريقي تركيا شريكًا استراتيجيًّا عام 2008، إلى جانب عقد قمة التعاون التركي الأفريقي في العام نفسه بمدينة إسطنبول، لتدخل تركيا عام 2013 كلاعب أساسي في سياسة الشراكة الإفريقية.

فبينما كان حجم التجارة بين تركيا وبين إفريقياعام 2004 في حدود 5.6 مليار دولار فقط فقد ارتفع في بداية عام 2018 إلى 25 مليار دولار بفضل تلك السياسة. وتشجيعا للعلاقة الاقتصادية مع القارة السمراء فقد وقعت تركيا اتفاقيات تعاون تجاري واقتصادي مع أكثر من 45 دولة إفريقية، كما ارتفع عدد اتفاقيات حماية الاستثمارات بشكل متبادل إلى 26 اتفاقية.

هذا التبادل التجاري الضخم يؤشر على فرصة حقيقة أمام كون الصومال واقعة في موقع استراتيجي يؤهلها لتكون بوابة نحو عمق القارة وكونها دولة ذات أطول ساحل على طول المحيط الهندي وخليج عدن.

الصومال اليوم: أخيرا كيف يمكن للصومال أن يستفيد من هذا الانفتاح التركي؟

أمام الصومال فرصة كبيرة في استغلال هذا الانفتاح التركي. فباعتباره بلدا يعود له الاستقرار تدريجيا بعد فترة طويلة من القلاقل وكاقتصاد يعيش مراحله التأسيسية الأولى، فإن تركيا هي الشريك الأنسب في مضمار النمو الاقتصادي والاسقرار السياسي وهو ما برهنت المشاريع التركية رغم حداثتها.

والخطوة الأهم حاليا هي التأسيس لشراكة عميقة على المدى البعيد عبر مزيد من اتفاقيات التعاون الثنائية التي تغطي مجالات الاقتصاد والتنمية والتعليم والحوكمة والأمن، ومن شأن تركيا من جانب آخر أن تكسب الكثير من هذه الشراكة، فقطاعات الزراعة والمواد الغذائية والطاقة تعد فرصة مجزية في حال توفرت الاستثمارات اللازمة، وفي حال تمكن الصومال من تحقيق تقدم في النمو الاقتصادي فإن الصومال أيضا يشكل سوقا محتملة لقطاعات التجارة التركية المختلفة، وبوابة أخرى نحو جميع دول شرق أفريقيا والعمق الأفريقي.

هذه الشراكة الاستراتيجية التي تهيأت لها الشروط الموضوعية تاريخيا وثقافيا وسياسيا يمكن أن تكون جسرا حقيقيا نحو تنمية مستدامة في المنطقة ونموا اقتصاديا ملموسا في المستقبل، هذا إن تمت الموافقة على وضع استراتيجية شاملة على المدى القريب والبعيد مع توفيرشروع وآليات تضمن للطرفين مصالحهما وحقوقهما المشروعة في مختلف المجالات.

الصومال اليوم: شكرا سعادة البروفيسور على هذه المعلومات القيمة والمهمة لفهم آفاق الشراكة بين دول شرق أفريقيا وتركيا.

تعليقات الفيسبوك

تعليقات الموقع

  1. زورو سيف العدالة
    رد

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته إلى مزيد من التطور و التقدم و الإزدهار للعلاقات الصومالية التركية في مختلف المجالات السياسية و الإقتصادية و الرياضية و الثقافية و العلمية و غيرها تحيا الصومال الصومال حُرة تحيا تركيا تركيا حُرة و شكراً لسعة صدركم و شكراً

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.