بمناسبة مرور 54 عامًا على آخر انتخابات ديمقراطية أجريت في الصومال في عام 1969، وكذلك مرور 23 عامًا على إعادة تأسيس الدولة الصومالية عام 2000 في مؤتمر جيبوتي للسلام والمصالحة، تلتزم الحكومة الفيدرالية الصومالية بالمضي قدما في إجراء انتخابات مباشرة. بدأت العملية المتعلقة بالانتخابات   في وقت مبكر من فترة الإدارة الحالية، وذلك باستخدام نهج تصاعدي يبدأ من انتخابات مجالس  البلديات  وأعضاء البرلمان في الولايات ا الفيدرالية، ثمّ الهيئات الفيذرالية أوالإتحادية. ومن المقررأن يستمر هذا التوجه ، ليصل إلى ذروته في الانتخابات الوطنية للبرلمان الفيدرالي بحلول عام  2026. ويعتبر العديد من المراقبين أن هذه الخطة طموحة للغاية، و مجرد أحلام يقظة. ومع ذلك، ليس أمام الصومال بديل آخر لبناء دولة قابلة للحياة سوى العمل بالقوة والإصرارللوصول إلى هذا الهدف جزئيا أوكليا ولا يمكن بناء أووجود دولة صومالية حقيقية إلا بوجود انتخابات حرة ومباشرة تعكس على ضمير غالبية المواطنين وتجسد على قناعة  الشريحة الواسعة من  السكان .

إن الدروس المستفادة من انتكاسة التجربة الديمقراطية الأولية للصومال في السنوات التسع الأولى من الاستقلال،  تعلمنا أن هناك حاجة إلى إنشاء نظام انتخابي يحد من عدد الأحزاب السياسية  ويقللّ من امكانية  تزويرالانتخابات، واعتماد نموذج الانتخابات النسبية للقائمة المغلقة وذلك بهدف التجاوزالمرحلي من القبلية السياسية. وكانت نتيجة انتخابات 1969 المزورة مأساوية للغاية  حيث تسببت في اغتيال الرئيس عبد الرشيد شرماركي  في 15 أكتوبر 1969، والانقلاب العسكري في 21 أكتوبر. وبلغت السنوات الـ 21 اللاحقة      من الحكم العسكري نهايتها  في بداية حرب أهلية مدمرة. وبعد 10 سنوات، تبنت البلاد نموذج تقاسم السلطة بنسبة 4.5 في عام 2000. وقد اعتُبرهذا النظام المتمثل في ائتمان  شيوخ العشائر باختيار أعضاء البرلمان ضروريا لتعزيز الثقة شبه المفقودة بين العشائروالدولة .لقد كان هذا بمثابة لفتة تصالحية ونهجًا شاملاً يتماشى مع الثقافة الصومالية الأصيلة، والتي تم الاعتراف بها باعتبار أنه لا غنى عنها لاستعادة الدولة الصومالية. وكما يقول العديد من الأفراد، لم تكن عملية تقاسم السلطة العشائرية هي النهج المناسب لبناء الدولة، بل كانت نموذجًا لبناء السلام والانتقال من مرحلة انهيار الدولة والاقتتال الداخلي إلى مرحلة الوفاق المجتمعي واستعادة  الدولة . إن بناء الدولة الحديثة يقوم على المواطنين الأفراد، وسيادة القانون، والمساواة بين جميع المواطنين. وخلال ذلك  المؤتمر المحوري ، تشرفت بقيادة الفريق الفني الذي قام بتطوير الميثاق الوطني الانتقالي، والذي تم تطويره من قبل 30 خبراء  صومالية  في مدرسة ثانوية في مدينة عرتا في جيبوتي. وتوقع المشاركون في مؤتمر عرتا إجراء الانتخابات المباشرة  خلال مدة الثلاث السنوات التالية من انتهاء المؤتمر أوتأسيس الجمهورية الثالثة . ومع ذلك، بعد 23 عامًا، لا تزال المناقشات والخلافات مستمرة حول إجراء الانتخابات الحرة  والانتقال من تقاسم السلطة على أساس العشائري إلى نظام انتخابي يتمحور حول الفرد المواطن. ومن أمثلة هذه الخلافات حول المسائل الانتخابية ما تشهده إدارة أرض الصومال التي تتمتع بخبرة طويلة في الانتخابات، وبونت لاند التي نجحت في إجراء الانتخابات في معظم المناطق، إلا أن الخلافات تتصاعد بشأن طبيعة ونموذج  انتخابات البرلمان والرئيس معا .

ومن الواضح أنه لا يمكن إنكار وجود تحديات هائلة في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في الصومال على جميع المستويات. فهو يتطلب أولاً وقبل كل شيء اتفاق النخبة السياسية على طريقة وإجراءات الانتخابات ووجود  الثقة بين القوى السياسية المختلفة . ويتطلب الأمر تطوير العديد من الأنظمة، مثل قوانين الأحزاب السياسية، وقوانين الانتخابات، وغيرها الكثير. وتشمل هذه التحديات الأمن والثقافة والتمويل والمسائل التقنية وأخرى غير فنية بالتأكيد. ومع ذلك، فإن كسر الحلقة المفرغة لتقاسم السلطة على أساس العشائري أمر ضروري لإنشاء دولة حديثة صومالية ومستدامة تتمتع بالاستقرار في مؤسساتها الوطنية والثبات في مسيرة تطورها المؤسساتي. لقد وصل الإطار السياسي لمؤتمرعرتا، الذي يستخدم صيغة 4.5، إلى طريق مسدود، وتكرارهذه الصيغة ربما يعادل الدوران حول حلقة مفرغة من الوضع الراهن أوحتى خلق حالة من عدم الاستقرار. والواقع أن الشروع في المسار التحولي أوالمختلف عن ذلك النموذج،  يتطلب الشجاعة والتفاني ونهجاً معقولاً في التصدي للتحديات المرتبطة بذلك. ويعتمد نجاح الانتخابات الصومالية بالدرجة الأولى على اتفاق النخبة السياسية والتزامها بقبول الفترة الانتقالية المطلوبة للعبور إلى شاطئ التحول الديمقراطي الضروري في بقاء الدولة الصومالية الواحدة والموحدة .

هناك دروس ورؤى قيمة يمكن تعلمها من تجارب الانتخابات التي أجريت في مجالس إدارات أرض الصومال وبونت لاند. علاوة على ذلك، فإن الأصل الأساسي في هذا المسعى هو الشعب الصومالي، المشهور بثقافته المحبة للحرية والتقاليد المتأصلة في بناء الإجماع  الوطني أوالمحلي . بالإضافة إلى ذلك، فإن الأجيال الشابة في الصومال ترغب بشدة في  العملية الديمقراطية  السياسية وتعرب عن خيبة أملها إزاء عمليات الاختيار السائدة  النمطية والمكررة من فترة لأخرى. ويعيش هؤلاء الأفراد المتطلعون إلى المستقبل في عالم  مترابط تقنيًا ويطمحون إلى رؤية الصومال منضمة  إلى مصاف  الدول النامية التي تتباهي  في السلام والأمان المشهود وتمرّ في الازدهار المتنامي .

ومنذ بداية الإدارة الحالية، عقد المجلس الدستوري الوطني العديد من الاجتماعات وأقر العديد من الاتفاقيات المحورية. وأن إحدى هذه الاتفاقيات تتضمن توحيد انتخابات الولايات الأعضاء الفيدرالية وإجراء الانتخابات بحلول نهاية عام 2024. ومع ذلك، فإن إضفاء الطابع الرسمي على هذه الاتفاقيات يقع ضمن صلاحيات اللجنة الدستورية الوطنية، التي تعتزم تقديمها إلى البرلمان  الفيدرالي  للنظر فيها. ومن المهم التمييز بين الحقوق الدستورية للمجلس الوطني الانتقالي في الاتفاق على بعض القضايا الدستورية واعتبار هذه الاتفاقيات من مواد الدستور التي هي تدخل من ضمن صلاحيات البرلمان  الحالي . ومن المؤكد، إن اتفاقية المجلس الوطني الانتقالي ليست دستوراً وليس لها أي قوة قانونية إلا بعد موافقة البرلمان عليها وتوقيع الرئيس عليها لاحقا .

وتشكل مسألة غياب بونت لاند عن الاجتماعين الأخيرين للجنة التنسيق الوطنية مصدر قلق وتحدي آخر    إلى جانب أرض الصومال التي انفصلت أحاديا  عن جمهورية الصومال . ومع ذلك، ينبغي بذل الجهود لوضع ترتيبات  مناسبة  تعيد بونت لاند إلى الدائرة المشتركة  وتؤكد اندماجها العضوي  بالعملية السياسية الجارية. وتتطلب إدارة الانتخابات إنشاء لجنة انتخابية مستقلة تتألف من 15 عضواً كما اقترحت اللجنة الانتخابية الوطنية، وهو أمر لا غنى عنه لتفعيل هذه الانتخابات.  ويضم الأعضاء الخمسة عشر عضوين من كل ولاية اتحادية ومنطقة بنادير، وثلاثة أعضاء من الحكومة الفيدرالية. ويتوقف البدء بتشكيل هذه اللجنة على موافقة البرلمان، وستتولى اللجنة الانتخابية الوطنية المسؤولية الكاملة عن سير الإجراءات الانتخابية.

وينبغي التأكيد على الالتزامات الرئيسية للإدارة الصومالية الحالية، والتي تتراوح بين تحرير البلاد من حركة الشباب في مختلف المناطق وتعزيز الأمن، ووضع الصيغة النهائية للدستورالمؤقت، وتخفيف عبء الديون، والانضمام إلى مجتمع  شرق أفريقيا التي تمّ إنجازها يوم الأمس القريب، وتعزيز المصالحات بين النخب السياسية والعشائر لتهيئة البلاد نحو الانتخابات الحرة والمباشرة. ومع خروج الصومال من رواسب  تحديات الماضي والنفق المظلم الذي دخلته  منذ انهيار الدولة في عام 1991، فإن هذه لحظة مناسبة لأخذ  الصومال بعيداً عن ثقافته السياسية السابقة، التي شكلتها مرحلة انعدام  الثقة الناتجة من  الحرب الأهلية ونحو مستقبل يتسم بالبساطة وبالسلام والازدهارعلى الصعيدين الداخلي والعالمي.

وفي مرحلة النهوض والصعود نحو بناء الدولة الحقيقية، يعتمد ازدهار الأمة الصومالية على العوامل الحاسمة المتمثلة في إجماع النخبة السياسية، والتشكيل الحكيم  لحكومة وحدة وطنية، وإنشاء رؤية جماعية للمستقبل تستوعب الطيف المتنوع من السياسيين،  وأصحاب المصلحة الحقيقين في العمل السياسي . ويرتبط مسار التنمية الصومالية بشكل معقد بالجهود التعاونية والرؤية المتماسكة التي ستجمع جميع اللاعبين الرئيسيين، مما يعزز نهجا موحدا وشاملا نحو تشكيل مصير الأمة.

بقلم/ د. عبد الرحمن باديو

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.