تمهيد:

البرلمان هو هيئة تشريعية تمثل السلطة التشريعية في الدول الدستورية، حيث يكون مختصا بجميع ممارسات السلطة التشريعية وفقا لمبدأ الفصل بين سلطات الدولة.

ويتكون البرلمان عادة من أفراد يطلق عليهم باسم النواب أو الممثلين، ويكون التحاقهم بالبرلمان عن طريق الانتخاب والاقتراع العام باستخدام الأساليب الديمقراطية المتعارفة عليها ويتم اختيارهم بواسطة المواطنين في الشعب المسجلين على اللوائح الانتخابية في عملية انتخاب أو اقتراع عام سري ومباشر، ويكون للبرلمان السلطة الكاملة فيما يتعلق باصدار التشريعات والقوانين الوطنية أو إلغائها والتصديق على الاتفاقات الدولية والإقليمية التي يبرمها ممثلو السلطة التنفيذية، ويطلق على البرلمان بتسميات مختلفة حسب كل دولة مثل “مجلس النواب”  “المجلس التشريعي” “مجلس الشعب”  “مجلس الأمة” أو الجمعية الوطنية، أو “المؤتمر العام الوطنى.

والبرلمان له وظائف و مهام يؤديها في الحكومات الديمقراطية التي اتخذت نظام الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ومن هذه الوظائف  التشريع والرقابة على أعمال الحكومة وتمثيل الشعب أمام الحكومة لأنه يقوم بدور النيابة عن الشعب في أمور حياته الاقتصادية والأمنية والسياسية.

وتعتبر الوظيفة التشريعية للبرلمان من أهم وظائفه لأنه يسن القوانين ويعدلها أويلغيها وهو الذي يوافق على جميع المشروعات والقوانين التي تقدمها السلطة التنفيذية وذلك بعد بعد دراسة دقيقة حول فوائده من عدمه.

والبرلمان هو الذي يراقب أعمال الحكومة ويحاسبها لتؤدي مهامها بشكل ملائم يتفق مع دستور البلاد ولوائحه الداخلية التي صادق عليها البرلمان.

لفته بممارسات البرلمان الصومالي بعد الإطاحة بالحكومة العسكرية:

بعد عشر سنوات من سقوط الحكومة العسكرية التي يتزعمها اللواء محمد سياد برى انتخب البرلمان الصومالي الانتقالي في جيبوتي عبد القاسم صلاد حسن لرئاسة البلاد سعيا لتحويل الصومال الذي أنهكته الصراعات القبلية المريرة والحروب الأهلية إلى بلد يسوده الأمن والسلام.

عين عبد القاسم بعد مشاورات مكثفة لرئاسة وزراء حكومته السيد على خليف جلير ولكن بعد مضي فترة وجيزة من تعينه دار بين مسؤولي تلك الحكومة الانتقالية خلاف سياسي انتهى في المطاف الأخير إلى سحب البرلمان الانتقالي ثقته من رئيس الوزراء على خليف جلير.

وحظيت حكومة عبد القاسم صلاد حسن منذ عام 2000 م إلى عام 2004 م بثلاثة رؤساء وزراء تم تنحية  إثنين منهم مناصبهم نتيجة سحب البرلمان ثقته منهما.

وشهدت حكومة عبدالله يوسف أحمد الذي تولى مقاليد السلطة بعد انتهاء ولاية حكم عبد القاسم صلاد حسن بثلاثة رؤساء وزرء ورئيسي برلمان فقد الكثير منهم منصبه بمذكرة سحب ثقة قدمت منه.

ورحبت حكومة شيخ شريف شيخ أحمد الذي تربع على سدة الحكم بعد استقالة عبد الله يوسف أحمد من منصبه بثلاثة رؤساء وزراء أيضا، حيث فقد الكثير منهم منصبه بخلاف سياسي انتهى في المطاف الأخير إلى حجب الثقة عن رؤساء الوزراء.

من جهته عين حسن شيخ محمود خلال فترة رئاسته بثلاثة رؤساء وزراء فقد الكثير منهم منصبه بخلاف وتوتر سياسي أدى في المطاف الأخير إلى تصويت البرلمان لسحب الثقة منهم.

ويبدو من هذه الممارسات بأن البرلمان الفيدرالي منهمك في توتر وخلاف وسحب الثقة من رؤساء الوزراء ورؤساء البرلمان بدلا من أداء وظائفه التشريعية والرقابية بأعمال الحكومة ومحاسبتها وتمثيله الشعب أمام الحكومة بكونه نائبا عن الشعب في أمور حياتهم السياسية والأمنية والاقتصادية.

البرلمان الفيدرالي الحالي يحذو حذو سابقيه :

في 14  من شهر مارس الماضي قدم فريق من البرلمان الفيدرالي الحالي مذكرة لسحب الثقة ضد رئيس البرلمان الفيدرالي محمد شيخ عثمان جواري الذي أكد لوسائل الإعلام فيما بعد بأن الحكومة تقف وراء هذا المقترح ضده مشيرا إلى أن الحكومة تشجع على أعضاء البرلمان بحجب الثقة عن الناطق باسم مجلس الشعب لرفضه بتوقيع وثائق سرية تتعارض مع دستور البلاد قدمت له الحكومة.

وأدى هذا المقترح المقدم عن رئيس البرلمان الصومالي بتوقف جلسات البرلمان الاعتيادية نتيجة انقسام وتضارب حاد جعل أعضاء البرلمان إلى مؤيد لمذكرة السحب الثقة من رئيس البرلمان المتهم عليه بالتقصير في أداء مها مه الدستورية ومعارض يعتقد بأن مذكرة سحب الثقة مسيسة يقصد منهما إلى تعطيل حياة البرلمان وجعله طوع أمر السلطة التنفيذية بدلا من استقلاليته ومراقبته عليها في تأدية مهامها الوطنية الموكلة لها.

ويرى المنحازون لرئيس البرلمان الصومالي محمد شيخ عثمان جواري بأن السلطة التنفيذية تكرس جل أوقاتها با نتهاك حقوق المعارضين السياسين في البرلمان وخارجه وتكميم أفواههم لتجبر عليهم بضرب الطبول والدفوف والتصفيق لسياستها المتهورة على حد زعمهم، وغض الطرف عن أحطائها حيال الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية.

بينما يرى المؤيدون لمقترح سحب الثقة بأن رئيس البرلمان فشل في قيادة البرلمان الفيدرالي وتأدية واجباته الدستورية، حيث ضرب عرض الحائط بجميع مشاريع القرار التي قدمتها السلطة التنفيذية إلى مجلس الشعب للمناقشة والمصادقة عليه.

دور رئيس الجمهورية الصومالية حيال أزمة البرلمان:

رئيس الجمهورية الصومالية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال البلاد ووحدته وسلامة أرضه،وهوالذي يخوله دستور البلاد بأن يراقب أوضاع البلاد عن كثب وأن يكون همزة وصل للسلطات الثلاثة خوفا من أن تطغى واحدة على الأخرى.

ورغم هذا فإن رئيس الجمهورية لم يحرك ساكنا لتهدئة هذه الأزمة التي تهدد بشكل علني المكاسب الهشة التي حققتها الحكومة الصومالية الفيدرالية خلال السنة الماضية.

ويرى المحللون بأن دور الوساطة لرئيس الجمهورية الصومالية المفقود أدى إلى أن يعكر صفو الأجواء السياسية لاعتقاد الكثير من مؤيدي رئيس البرلمان الصومالي والوجهاء بأنه موافق على حملة الحكومة الصومالية الرامية إلى سحب البساط من تحت أقدام رئيس البرلمان محمد شيخ عثمان جواري.

وجهة نظر المجتمع الدولي حيال هذا التوتر السياسي :

أصدرت الأمم المتحدة والاتحاد الأروبي والأفريقي ومنظمة إيقاد ومبعوثوا لدول الصديقة للحكومة الصومالية الفيدرالية بيانا صحفيا يدعو جميع الجهات إلى تضييق هوة الخلاف حفاظا لمنجزات الحكومة الصومالية حيال الأمن والاقتصاد والسياسية.

ودعت منظمة إيقاد السلطة التنفيذية والبرلمان الفيدرالي إلى تضافر جهودهما الرامية لتسهيل إجراء انتخابات شعبية في المحافظات الصومالية برمتها في عام 2020م.

وتؤكد منظمة إيقاد بأن هذا التوتر السياسي الدائر بين السلطة التنفيذية والبرلمان الفيدرالي يؤجل إعداد خطة انتقالية لقيادة عملية تسليم تدريجي لمهمة الأمن من بعثة الإتحاد الإفريقي في الصومال إلى قوات الأمن الصومالية التي مازالت تستعيد قوتها المفقودة بعد انهيار الحكومة العسكرية في عام 1991م.

ختاما :

يدعو الشعب الصومالي بكل شرائحه رئيس الجمهورية الصومالية محمد عبد الله فرماجو التحلي بالقيادة والشهامة والعمل إلى رأب الصدوع بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية قبل فوات الآوان للحيلولة دون فشل يعيق بالعمليات العسكرية الرامية إلى القضاء على الجماعات المتشددة، ويؤثرسلبا بجهود بسط الاستقرارفي الصومال التي شهدت بعد الإطاحة بالحكومة المركزية إلى حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس، كما يدعوالشعب البرلمان الفيدرالي بحماية  بصيص الأمل الذي يلوح في الأفق، وعدم الانشغال في مقترحات سحب الثقة من المسؤولين والتي يرى الكثير من الشعب بأنها معول هدام يدفع عجلة التقدم التي يتطلع بها الشعب الصومالي إلى الوراء.   

 بقلم/ محمد محمود (رمضان)

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.