تشهد الساحة السياسة في الصومال انفراجة جديدة، وهدوءاً سياسياً، بعد انتخاب رئاسة مجلسي البرلمان الصومال بغرفتيه مجلس الشيوخ والشعب، أواخر إبريل/نيسان الماضي.
وكانت عملية تنظيم الانتخابات البرلمانية امتدت لنحو عامين، وهو الإجراء الأطول لتشكيل برلمان جديد منذ العام 2009، حيث لم تشهد البلاد مرحلة أصعب من تشكيل البرلمان الحادي عشر من قبل.
وكان هذا الأمر مثل انتكاسة كبيرة للتداول السلمي للسلطة، الذي حققه الصومال في السنوات القليلة الماضية، ما مكنها من دعم المسار الديمقراطي، بعد فشل دام عقوداً لعملية بناء الدولة، بعد انهيار النظام العسكري في العام 1991.
وغداة تشكيل البرلمان الجديد، وانتخاب لجنة لتنظيم الانتخابات الرئاسية، الخميس الماضي، تساءل بعض المراقبين عن مدى إمكانية أن يؤدي البرلمان دوراً كبيراً في إخراج البلاد من رحم الخلافات السياسية والأمنية التي شهدتها. وكانت الخلافات تمحورت حول آلية تنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية، ولجم دور المال السياسي في عملية اختيار رئيس جديد للبلاد.
كما أن الخلافات السياسية أدت إلى زيادة منسوب خطر فرض عقوبات مالية من قبل البنك وصندوق النقد الدوليين على البلاد، والتي تشمل تعليق المساعدات المالية التي كانت تمنح للصومال لسنوات طويلة، لدعم ميزانيتها، التي لا تُؤمن الحكومة الفيدرالية سوى 35 في المائة منها.
وقال النائب في البرلمان ونائب وزير الدفاع الصومالي عبدالفتاح قاسم، إن البرلمان بدأ تنفيذ أولى مهامه، وهي تنظيم الانتخابات الرئاسية، من خلال لجنة برلمانية مكونة من 17 عضواً.
وأضاف: “بعد هذه الانتخابات الرئاسية نأمل أن تُسد ثغرة الخلافات السياسية والأمنية التي رافقت مسيرة تنظيم الانتخابات في المرحلة الماضية”. وأشار قاسم إلى أن إعفاء الصومال من الديون الخارجية (تناهز 4.5 مليارات دولار أميركي) مرتبط بشكل أساسي بتنظيم الانتخابات الرئاسية، هذا إلى جانب نقل بوصلة البلاد من القلاقل الأمنية إلى مرحلة جديدة من التفاهم والوفاق.
واعتبر أن تحقيق شروط المجتمع الدولي لإعفاء البلاد من الديون متاح، وأن تنظيم الانتخابات الرئاسية في 15 مايو /أيار الحالي ممكن، لأن الإمكانات المادية والفنية متوافرة حالياً في البلاد.
أما في ما يخص أمن الانتخابات الرئاسية، وسط تصاعد هجمات حركة “الشباب”، المرتبطة بتنظيم “القاعدة” أخيراً، فقد أكد قاسم أن أمن مقر انعقاد الانتخابات الرئاسية، في قاعدة حلني التابعة إلى قوات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس)، مستتب.
بدوره، قال النائب عن قبيلة البنادري عمر شريف، إن “تحقيق العدالة في البلاد وإعادة تصحيح قوانينها وتشريعاتها أمر ضروري، وذلك من أجل إنهاء الأزمات السياسية والأمنية والتي تدور معظمها حول الانتخابات”.
واعتبر أنه إذا كان مطلب تحقيق انتخابات شعبية قائما، فإنه لا بد من تحقيق العدالة وتغيير قواعد انتخاب البرلمان، المعتمد على المحاصصة العشائرية التي تجافي حقوق كثير من القبائل المهمشة في البلاد.
وشدد شريف على أن “الفساد عقبة كبيرة أمام استقرار البلاد سياسياً وأمنياً، وأن البرلمانات في الصومال القائمة على انتخابات غير نزيهة، تولد حكومات ضعيفة وفاسدة”. وأضاف أنه “إذا كانت هناك طريقة جديدة لضمان مستقبل البلاد، فإنه ينبغي إحداث تغييرات جذرية في قواعد بناء تشكيل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية.
أما النائبة زهرة عبدالله فقالت، إن مهام كثيرة تنتظر البرلمان الصومالي خلال السنوات الأربع المقبلة.
وشددت على ضرورة تغيير عملية إجراء الانتخابات بشكل عام، وأن يتم منح المرأة الصومالية دوراً أكبر في العملية السياسية، لدعم جهود الاستقرار السياسي والأمني. وأكدت ضرورة تنظيم انتخابات شعبية في الاقتراع المقبل، ما يمكن أن يرفع نسبة تمثيل المرأة في البرلمان الصومالي بمجلسيه.
ويعزو كثير من نواب البرلمان تكرار الخلافات السياسية في البلاد، خاصة بين القيادات العليا في المؤسسات التنفيذية، إلى خلل وتناقضات تكمن في الدستور المؤقت، إلى جانب تضارب الصلاحيات بين رئيس البلاد ورئيس الحكومة الفيدرالية.
وحول أسباب عدم اعتماد دستوري جديد والاستفتاء عليه من قبل الشعب، قال النائب صدام محمد عبدي، إنه “بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد، سيشرع البرلمان الفيدرالي في أعماله رسمياً، وفي مقدمتها إيجاد دستور جديد”. واعتبر أن “عدم الاستفتاء على الدستور، واستكمال فقراته كان بسبب انشغال البرلمان بالخلافات السياسية في الفترة الماضية”.
وأشار صدام إلى أن على أمانة البرلمان طرح أجندة حول اعتماد دستور البلاد، واستكماله، إلى جانب إمكانية تجاوز الانتخابات غير المباشرة إلى مباشرة، تعطي الشعب أحقية انتخاب برلمانه ورئيس البلاد، لوضع حد للبرلمانات التي يقرر مصيرها أشخاص قليلون ذوو مصالح خاصة.
وفي السياق، قالت النائبة ذهبة سوسو محمود، إن “شباباً كثرا يمثلون حالياً عشائرهم في البرلمان، لذا آمل أن يمثلوا بارقة أمل جديدة في البرلمان، وتغييره نحو الأفضل، والتركيز مستقبلاً على مصالح البلاد والعباد، وعدم السعي وراء تحقيق مطالب وأهداف خاصة على حساب المصلحة العامة”.
وأشارت محمود إلى أن “هناك ضرورة قصوى للالتزام بالمعايير والأخلاق من أجل خدمة البلاد، بالاعتماد على العمل بالدستور، وإجراء انتخابات عامة، لكن لطالما تجد المصالح الشخصية طريقها صوب المؤسسات التشريعية والتنفيذية فإن الخلافات السياسية والأمنية ستستمر”.
وحول دور المرأة في البرلمان لإيجاد دستور جديد، قالت ذهبة إن “الكتل النسائية في البرلمان، رغم أن تمثيلها تراجع، ستركز وبشكل قوي على ضرورة استكمال الدستور، لتجاوز الخلافات السياسية. وأطلب من النواب العمل بنزاهة، رحمة لهذا البلد ومواطنيه”.
ويفترض أن يشهد الصومال الأحد المقبل استحقاقاً تاريخياً لانتخاب رئيس عاشر للبلاد، بعد عام من التوترات السياسية والأمنية، نتيجة الخلاف على آلية تنظيم عملية الانتخاب بين الحكومة من جهة ورؤساء الولايات الفيدرالية من جهة أخرى، فضلاً عن انقسامات سياسية حادة في البلاد، بعد نشوب صراع كسر عظم بين الرئيس محمد عبدالله فرماجو ورئيس حكومته محمد حسين روبلي، وهو صراع لم ينته بعد. لكن مع انتخاب برلمان جديد خفت حدة التوترات السياسية والأمنية، تمهيداً لانتقال سلس للسلطة بعد 15 مايو الحالي.
تعليقات الفيسبوك