https://www.facebook.com/AbdullahiFarahMire/posts/2412688762111120

من ذكريات صاحبكم
٢١ عاما من وعي المشكلة

وسمع صاحبكم ميلاد ولاية بونت لاند الصومالية، والنقاشات السياسية لكبار السن تحتدم بمسقط رأسى قرطو ( وهى مدينة جبل أهلها بحب السياسة، ولا تخلو مجالس الكبار فيها من تحليلات وآراء سياسية مختلفة). لا تحضرني صورة خالدة لتلك المرحلة سوى جند مدججين بالسلاح – كان ذلك مشهدا مألوفا فى المدينة – إذ كانت مقرا نشطا لبعض قادة جبهة الإنقاد الصومالي الديمقراطية.

الصورة التى سبقت هذه المرحلة والتى أراها أكثر وضوحا فى الذاكرة، هو مشهد دخول جنود مدججين بالسلاح لحينا، وقيامهم بتفتيش بعض البيوت المحسوبة على حركة الإتحاد الإسلامي، ومحاولتهم إجبار بعض الأخوات من جيراننا بنزع حجابهن تحت تهديد السلاح، ورفضت إحداهن نزعه، وتشبثت بحجابها صابرة على ضرباتهم، وإعتدءاتهم الجسدية، ولا زالت هذه الأخت على عهدها باقية ثبتها الله وحفظها فى كل مكان.

حين أختير السيد عبدالقاسم صلاة حسن رئيسا للصومال، حملت تكاسى المدينة العاملة بين قرضو وبوصاصو العلم الصومالي معبرين عن فرحهم وسعادتهم، وعلق كثيرون عليه الأمل، وكان هذه الإحتفاء بإختيار عبدالقاسم صلاة حسن ناقوس خطر لعبدالله يوسف، ومما نتذكر من الأغاني التي صاحبت تأسيس حكومة عرتا (Dawladdii loo xiiso qabtay waa tanee calankeeda qabo)، وبدأت النقاشات السياسية تنتشر في عدد من مقاهي المدينة ، وكان أشهرها مقهى العم على جامع وسمي لاحقا بعرتا، ولعله إكتسب الإسم لإحتضانه أبرز النقاشات السياسية حول مؤتمر عرتة وكان يشارك فيه سياسيون وبعض المثقفين، وتجدر الإشارة بوجود قرية إسمها (عرتا) بين قرضو وبوصاصو وهى نقطة إستراحة لجل المسافرين.

وجاءت أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وظهر مصطلح الإرهاب، وكان عبدالله يوسف – رحمه الله – يستخدمه لتحقيق أغراض سياسية أحيانا. ومر شريط سريع من الأحداث المؤسفة، وكان أسوأها الصراع السياسي بين عبدالله يوسف وجامع على جامع، وكانت قرضو بركانا ثوريا إنفجر فى وجه عبدالله يوسف رحمه الله.

ومن المشاهد التى لا تزال معلقة فى الذاكرة، مشهد مدرس مادة العلوم فى مدرستنا وهو يحمل بندقيته متوجها لخوض معركة، ثم صاعقة خبر إصابته ووقوعه فى قبضة قوات عبدالله يوسف.

وكنا نسمع حركة الجند وأسلحتهم، ومن المشاهد التى أتذكرها قصة ظريفة لكنها تحمل جانبا من الآثار السلبية لهذا الصراع المشؤوم. كنا نذاكر فى مسجد حاجى آدم – رحمه الله- القريب من بيتنا، ولا يفصل المسجد عن الشارع الرئيسى سوى بعض البنايات، وكنت أذاكر بعض الدروس لقرب الامتحانات، وأخبرنا أحد الطلبة برؤيته مرور سيارتين من نوع 3F مجهزة بالسلاح. وغفوت وأنا أستظهر درسى، فرددت في غفوتي ( laba gaari oo 3F ah, oo qori saaranyahay) كانت طفولة مغتصبة!

أخبار الحرب وتجهيزات الجنود، والصراع السياسي وقصصه، والشائعات والحرب النفسية المتبادلة، والتصريحات السياسية عبر البي بي سي، وإطفاء الصفة الدينية على الصراع أثرت علينا، وحددت موقعنا من الصراع، فكنا نراه عدوانا على الإسلام والمسلمين، ولم نعرف أنه كان صراعا ذا طابع قبلى إلا في فترة لاحقة.

وكان أبى – حفظه الله – لا يعلق على هذه الأحداث وكذلك أمى، رغم أن أمهات الحى كانو يتبادلون الأخبار في الصباح الباكر. وكنت أستغرب إحدى الأمهات المتحمسة والتى كان يجتمع حولها جل أمهات الحي ، وإستغربت كيف أنها تصف تحركات قوات عبدالله يوسف، وماذا قال لجنده، وكيف جلس؟ وكيف إنفجر غضبا فى وجه فلان، ومن إتصل به ليلا من رجال المدينة من الطابور الخامس؟ ولم أستسغ حديثها، وكان هذا بداية التفكير الناقد، إذ كيف لأم خلدت للنوم بعد العشاء وإستيقظت صباحا أن تأتى بهذه الأخبار الدقيقة والمفصلة التي تصف كل تحركات الرجل وسكناته!.

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.