أحمد عبد الله أحمد
*محضّر دكتوراة في الفقه الإسلامي (المعاملات المالية المعاصرة) في جامعة مرمر -إسطنبول- تركيا
- مهتم بالأدب العربي والقضايا الفكرية والسياسية.
*مقدم برنامج أسبوعية في قناة درر الفضائية.
*عمل مدرسا في جامعة نغال ومعهد الفرقان للعلوم الشرعية والعربية. لاسعانود- الصومال.
*وعمل باحثا شرعيا في مؤسسة زاد الرقمية في اليمن.
هذه قراءة سريعة أحاول أن أعرض من خلالها محتوى هذا الكتاب القيم، ولستُ أدّعي في هذا المقال إحاطة ما جاء في الكتاب واختصار محتواه بما يليق به، وإنما أعطي عنه فكرة عامة وأحيل القارئ الكريم إليه ليقف عليه وليغرف منه معينَ أفكاره بنفسه.
فالكتاب كما هو واضح من اسمه يعالج قضية مهملة اجتماعياً وسياسياً ويرسل صاحبه نداء الاستغاثة إلى من يهمه الأمر من أبناء الأمة الإسلامية، ويحرّك فيهم الشعور بالمسؤولية ويذكّرهم بأهمية هذه القضية ويؤكدها عليهم بمباحث الكتاب، والتطوع المنشود فيه يعتبره الكثيرُ منا اليوم أمراً ثانوياً وقضيةً هامشيةً في ذيل المهمات، بل قد يُزدرى صاحبُها أو يُتهم بالغباء في مجتمعه وما ذلك إلا لكونها تصادم المصالح الذاتية أو تقضي على الحظوظ النفسية.
والكتاب يشتمل على عشرة فصول لكل فصل منها مباحث تندرج تحته، ونسلط الضوء على الفصول الخمس الأولى منها في هذا المقال بإذن المولى، فنقول: “انطلق أستاذنا المؤلّف في كتابه يستجمع النصوص المتعلقةَ بموضوع “التطوع” والآثار َالواردةَ فيه، مبتدِئاً بدارسة دلالاته المتنوعة، مصحِّحاً الأفهامَ المشوِّةَ لمعناه، مثيراً التساؤلات حول مصطلحاته العلمية، مبدِّداً الآراءَ الخاطئةَ في تحديد المراد منه، مبيِّناً الصوابَ فيها،
ففي الفصل الأول من الكتاب تحدث المؤلف–حفظه الله- عن أصل كلمة “التطوع” وما اشتقت منه، ثم أورد معناها الاصطلاحي، وما قاله الفقهاء في تعريفها وتحديد ماهيتها، فنقّح وهذّب وناقش وانتقد، واستدرك على ما قرره الفقهاء من قولهم: إن ” التطوع ما يأتي به الإنسان من الطاعة غير المفروضة عليه” وغيرُه من التعريفات القريبة منه معنى؛ وذلك أن مفهوم التطوع لديه في شريعتنا أوسع من ذلك وأشمل، فإقحام التطوع في خانة النوافل وإخراجه عن فلك الواجبات اعتماداً على الوضع اللغوي للكلمة، وورودِها الاستثنائي في بعض النصوص النبوية ليس بصحيح على الإطلاق، بل يجب إعادةُ النظر في معناه المقصود منه في النص، وإعمالُ العقل في فهم المراد منه وإشعار الجيل الناشئ على أهميته.
ثم انتقل المؤلف في الفصل الثاني من الكتاب إلى الحديث عن التطوع في إطار الواجبات الكفائية، مسترشِداً في ذلك أقوالَ المفسرين مستضيئاً بها تقريراتهم في تحقيق معنى التطوع في القرآن الكريم ، موضحا مزيةَ اقترانه بالخير في المناسبتين اللتين ورد فيهما لفظ التطوع في القرآن الكريم {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } ثم استقصى المؤلف كلمة “الخير “ في القرآن الكريم ودرس دلالات صيغها المختلفة معرفةً كانت أو نكرةً، مفردةً أو جمعاً، فخلُص إلى نتيجة يقول فيها: ” إن التطوع المقتِرنَ بالخير يكتنف جوانبَ الخير كلها ولا يخضع للتعريفات الفقهية وضوابطِها المقيدة”، وتحدث أيضا المؤلف عن دلالات كلمة التطوع في الأحاديث النبوية، والمرادِ منها.
وبناءً على ما ذُكر أعلاه من شمولية التطوع يورد االمؤلف تأكيداً لكلامه عشرات الأمثلة التطبيقية لمعنى التطوع في حياتنا اليومية وظروفِنا الاجتماعية وقضايانا المتجددة ويستدل لها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدل على ذلك، ومن خلالها يردُّ على ذلك الفهم المشوّه والمنتشر بين أوساط المتثقفين والذي بسبب اعتمادنا عليه ضاعت المصالح العامة، وقلّ المهتمون بها نتيجة لذلك الفهمِ المشوّه، وصارت الاتكالية سيدةَ الموقف في ساحاتنا كلِها السياسيةِ منها والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والدعوية وغيرها…
ثم شرع االمؤلف في ذكر أوجه التشابه بين الواجبات الكفائية والتطوع، فقال: “إن الدافع المشترَك بينهما هو القناعة أو الإيمان الأمرُ الذي يحرك الأشخاص لإنجاز عمل خيري يتقربون به إلى الله استجابةً للتوجيهات القرآنية والنبوية خارج مجال الواجبات التي يتعين عليهم فعلها كفرض من فروض هذا الدين في الفهم الذي نحن بصدده..”
وفي الفصل الثالث من فصول الكتاب يتحدث المؤلف عن مركزية التطوع في الحياة الإنسانية، وأن الإنسان سيدُ هذه الأرض وخليفةُ الله في الكون؛ “ولهذا يقع عليه عبء ثقيل ناتج عن مركزه” فتكريم الله له بمركز الصدارة في الكون وتذليل المخلوقات لمصلحته يقابلها بطبيعة الحال تحمّلُ التعبات. والمطلوب منه إذاً الاستشعار بثقل الواجبات الملقاة على عاتقه، وحسن إدارتها وأدائها على الوجه المطلوب من خلال تسخير قدراته وطاقاته المادية والمعنوية في سبيل ذلك تطوعا.
وفي الفصل الرابع من الكتاب ينقل لنا المؤلف مشاهدَ حيةً تجسد العمل التطوعي في حياة الرسل والأنبياء عليهم والسلام، فيقول: “وانطلاقا من القيم العليا للعمل التطوعي لدى الأنبياء والرسل المبني على الاستغناء عما في أيدي الناس من الإمكانيات المادية فإن القرآن الكريم يتحدث عن هذا الموضوع باستفاضة وعمق كبيرين، وهو يستعمل ويورد هذه الجملة أو ما في معناها:{لا أسئلتكم عليه أجرا} بلسان الأنبياء في تأكيد هذا المعنى باختلاف مواقعها من حيث الإعراب والصيغ الواردة معها في القرآن الكريم…”
وفي الفصل الخامس من الكتاب يسلّط االمؤلف الضوءَ على دور العلماء في تفعيل عملية التطوع وكيف أحدثوا التغيّرات الإيجابية في الحياة البشرية بفضل العمل التطوعي الذي قاموا به، فيقول: ” لقد ورث العلماء كذلك أساليب العمل التطوعي وطرائقه وعلى رأسه العمل تطوعاً، لا ينتظرون الأجر والعوض من الآخرين… وهو أمر جوهري في حفظ الدين لأنهم أصحاب التأثير الحاسم في مسيرة الحياة وما يقومون به يمثل العملية المركزية التي تحدث التغيرات الإيجابية في الحياة البشرية” ويقول في موضع آخر: “العلماء الربانيون (هم) الذين يستطيعون أن يقوموا بترجمة عملية للدين وأحكامه، وآدابه وأخلاقه وفضائله، ويسوسون بها البشر في الساحات التي تمكّنهم من السباق الجاد، وتوجيههم نحو ما تقضيه أوامر الله ليأتوا بها، ونواهيه ليجتنبوها، وتلك مهمة الرسل وسخر ورثتهم من العلماء للذوذ عن الحق إلى يوم الدين، ينتظرون الأجر والمثوبة من رب العالمين على غرار ما كان شأن جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام”.
يتبع…..
تعليقات الفيسبوك