بضعة من السنين تتجوف الأرجاف والرجاء فتوسل الابتهال تضرعا إلى حد يقال “إنها صوملة” ذاك مصطلح معرب، يستخدمه معظم رؤساء العالم يقولون حينما يخاطبون أمام الجماهير: ” لا تكونوا مثل الصوماليين!، ولا تكونوا مثل السياسيين الصوماليين!” فيمثلون الجرائم والغش بالصوملة، التى تعنى على أنها فساد في الأرض ومجاعة في العيش ونزاع في الحكم ثم الحرب وتدمير البلد! كما عربوا فالسياسيون الصوماليون – أينما كانوا – هم وطنيون قبل الحكم، وبعد الحكم خونة!، تلك إشاعة برزت بتجربة ساسة الصومال، ينازعون الحكم بلا مبدأ، يقاتلون من أجل الحكم والمنصب بلا استراتيجية، ولا يعرفون التنازل والتسامح مع بعضهم البعض؛ فظل التوجه السياسي في الصومال -بكل أطرافه- يشابه نوعا من التفكك والانهدام بسبب ضمور الدور الفعلي للقبيلة السياسية، وعلاة على ذلك أصبحت واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء أن التفكك القبلي بلغ إلى أقصى حد من المبالغة! والحق يقال، إن الوطنية والقومية الصومالية اخلطت بأن “القبلية الصومالية تكون مترددة بين الوطنية والمعارضة” فتركها هي قمة لا يبلغها إلا قليل من الناس!

لقد تكاسر النظام والقوانين الدولية، فضاعت كل الأنظمة الدولية والمدنية، وذهبت أرواح المؤسسات العلمية والأدبية، فجفت مصاحف إتقان، فسار المقياس الحقيقي بالخلاف والنزاع حتي أن وجدوا عن فقدان الثقة بينهم، فلا تأمين بينهم ولا عهد لهم، وهكذا يريدون أن يؤسسوا دولة ليس قبلها مصالحة اجتماعية!! دولة ليس لها جذور، دولة ليس لها أركان، دولة ليس لها حديد، دولة ثعلب، ودم وبارود، فصححوا الخطأ بالخطأ، ثم ساروا متحيرين مرتكبين ومفترقين من الأعلى إلى الأسفل، لا نعلم أين نتجه، ولا ندري بأي واد نجمعنا، لو كنا ندري فلم لا نمشي ما هو عليه وما فيه!! هم تحت اللفج غائر!

 المصالحة الاجتماعية نحو تضميد العراك والخصام

يشكل ملف المصالحة الاجتماعية أهم ملفات المصالحة الصومالية، وربما أدركت القوى العقلية والأكاديمية الصومالية، فلابد أن يكون هذا العمل من الصف الأول وإطار لجنة حقيقية للمصالحة الاجتماعية المنبثقة عن حوارات واللقائات بين أطراف الصومال…للأسف الشديد ينظر البعض للمصالحة الاجتماعية على أنها قوة الفيدرالية بكل الأقاليم الصومالية، والبعض ينظر على أنها تأتي من قبل السياسيين فقط، والآخرون يرون على أن “المصالحة” ليست ضرورية!

على الرغم من أهمية تلك الخطوة ولكن تداعيات الانقسام تركت آثارا سلبية في قلوب الشعب الصومالي، وربما يسأل البعض عن علاج القلوب، فأقول: إذا كان نظامنا السياسي الصومالي منذ استقلاله وحتى قبل ذلك يتغذى نسج السياسي بثقافة تقوم على غياب العدل السياسي بين الأنظمة السياسية، وأخذت تلك الظاهرة بالتنامي حتى وصلت إلى منعطف خطير يقوم على غياب الثقة بين أفراد المجتمع، وهذا ربما نتج عن غياب الديمقراطية داخل مجتمعنا الصومالي، ولذلك نحتاج إلى تصحيح المسار، وقد يكون الشباب المثقف الصومالي هم الأجدر لقيادة مرحلة التصحيح.

وهنا تقع أهمية المصالحة الاجتماعية عبر تشخيص الأمراض المزمنة في المجتمع، والعمل على إعادة دراسة الحالة الصومالية بكل أطرافها، وصولاً إلى تحقيق مبدأ الاستقرار السياسي والذي لم يتحقق دون استقرار اجتماعي….ولهذا لو نجحت المصالحة الاجتماعية على أكمل وجه، فإنها قد تؤسس لنظام سياسي ديمقراطي يحتل المواطن الصومالي مكانة مرموقة فيه…

وختاما، أقول إن الشعب يواجه كثيرا من التحديات العصبية، وصراعا مريرا مع دول الحدود والاقليم، ولكن أمامنا فرصة في انتعاش البلاد اقتصاديا واتحاديا، ويختار الشعب من يحسبه أنه في خدمة مصلحتهم ويسعى في تطوير البلاد، فلا لعصبية تجتذبه ولا لمصلحة خاصة تستعذبه، وينطوي أمل الشعب بالتوافق من أجل الوطن والمصلحة العامة ومعالجة القضايا والأزمات القاتمة بشكل رسمي وجهود مخلصة…

بقلم/ حسن عبدالرزاق عبدالله
كاتب وباحث صومالي يحضر الدكتوراة في التربية – جامعة بخت الرضا- السودان

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.