تمهيد:
ازدادت العلاقات الثنائية بين الصومال و الإمارات تأزما منذ الأشهر الأخيرة بسبب الاتهامات التي توجه إلى حكومة الإمارات حول التدخلات السافرة في الشأن الداخلي و القرارات الخارجية للصومال.
و كان آخر التطورات التي وصلت إليها الأزمة حادثة احتجاز مؤقت لطائرة مسجلة لدى الخطوط الجوية الإماراتية و ضبط مبلغ 10 مليون و ستمائة ألف دولار أمريكي مما أثار حفيظة أبوظبي و اتهمت مقديشو بخرق مذكرة تفاهم موقعة بين البلدين.
و لفهم العوامل التي أدت إلى تأزم العلاقات الثنائية و التطورات الأخيرة يجب معرفة مواقف الحكومتين عما يحدث و ما هي الأدوات التي تستخدمها لتبرير مواقفها.
الحكومة الصومالية
ترى الحكومة الصومالية أن حكومة الإمارات العربية المتحدة تحاول تقويض السيادة الوطنية عبر عدة محاور مع استمرار علاقاتها مع الصومال حيث اتهمتها الأخيرة بإيواء معارضتها و دعم الولايات الفيدرالية على حساب الحكومة الاتحادية.
و فيما يتعلق باحتجاز الطائرة أفادت مصادر حكومية بأن التحقيقات جارية حول التوقيت التي تمت مصادرة المبلغ حيث كانت الأوضاع السياسية متوترة نوعا ما مما يعني وجود اتهامات و لو بشكل غير مباشر بأن أبوظبي كانت تسعى لترجيح كفة دون أخرى.
و تضيف المصادر أيضا أن مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين قد انتهت قبل عامين مما يجعل إدخال مبالغ نقدية – دون علم مسبق بالحكومة – انتهاكا خطيرا حسب هذه المصادر.
لكن رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الصومالية الجنرال عبد الولي حسين جامع ( غورود) أشار – بعد يوم من مصادرة المبلغ – إلى أن تلك المبالغ عبارة عن مرتبات و نفقات عسكرية للقوات التي تدربها الإمارات في الصومال.
و يؤكد هذه الرواية رئيس ولاية بونتلاند الصومالية السيد عبد الولي محمد علي ( غاس) حيث أكد في حديث له مع وسائل الإعلام أن 3.6 مليون دولار من المبالغ التي تمت مصادرتها كانت مخصصة لقوات الولاية التي تدربها الإمارات.
أما باقي الولايات الصومالية الأخرى فقد التزمت الصمت و لم توضح آراءها تجاه التصريحات المختلفة بينما يكاد الموقف الشعبي منها ينحصر في ظل الرؤية الحكومية.
حكومة الإمارات
تعتبر حكومة الإمارات العربية المتحدة المواقف الصومالية تجاهها نكاية بها و بدورها في المنطقة عبر التحايز لأطراف تراها أبوظبي عدوة و شريرة كقطر و تركيا واضعة التواجد التركي في المنطقة نصب أعينها.
و تتهم حكومة مقديشو بإهانتها دوليا و إقليميا حيث وصفت وسائل إعلام إقليمية و دولية احتجاز السلطات الأمنية الصومالية للطائرة و مصادرة الأموال مع وجود ما يقارب من خمسين عنصرا من قوات الواجب الإماراتي فيها صفعة في وجه أحلام أبوظبي.
لذلك قررت الإمارات التنكيل بالصومال عبر عدد من القرارات التي اتخذتها بعد احتجاز الطائرة بالرغم من وجود مفاوضات بين البلدين، و من بين تلك القرارات:
1. إيقاف مهمة تدريب الجيش الصومالي و إخلاء جميع معسكرات التدريب التابعة لها
2. نقل المعدات العسكرية الخفيفة و الثقيلة و الطبية من المستشفيات التابعة لمراكز التدريب إلى سفارتها في العاصمة أو إلى بلدها.
3. تعليق كافة الخدمات الإنسانية بما فيها الصحية عبر إغلاق مستشفى يمركز غوردون للتدريب و مستشفى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مقديشو.
من جهة أخرى خرجت الإمارات عن صمتها تجاه أزمة تشغيل ميناء بربره في تصريح لوزير الدولة في الشئون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش حيث أشار إلى أنها لا تربط علاقة بينها و بين صومال لاند و اختصر وجودها في تلك المناطق بالعمل الإنساني.
لكن السيد قرقاش لم يشر من قريب أو من بعيد موقفها من تصريح رئيس شركة موانئ دبي العالمية الذي رفض الخضوع بموجب قرار البرلمان الفيدرالي, و اكتفى قرقاش بتأييد الإمارات للوحدة الصومالية مما جعل الموقف الرسمي للإمارات أقل وضوحا عن المطلوب.
4. الذباب الإلكتروني
و مما زاد الطين بلة هو استخدام الإمارات المتواصل لوسائل الإعلام بأنواعها المختلفة لنشر دعايات إلى حد وصل فيه انتحال صفحات صومالية في وسائل التواصل الاجتماعي لتضليل الرأي العام و إلصاق التهم بالحكومة الصومالية.
انتشرت تلك الصفحات المنتحلة شعارات صومالية في مواقع التواصل الاجتماعي لتضليل الرأي العام و تكوين رأي عام جديد يخون الحكومة الصومالية و كبار مسئوليها و يلصقها بتهم متعددة بعضها أغرب من الخيال مثل دعم الحوثيين و الإرهاب, و تخون العلاقات التركية القطرية من جهة و الصومالية من جهة كما تمجد الدور الذي تلعبه الإمارات في الصومال .
الأوراق التي يراهن عليها الطرفان في الأزمة
تراهن كل من الحكومتين على عدة أوراق لتحقيق أهدافها أثناء هذه الأزمة , و تراهن الحكومة الصومالية على الإعتراف الدولي لسيادتها الكاملة في اتخاذ قراراتها و تحمل تبعياته و الشرعية التي تستند إليها و الشكاوى المرفوعة ضد الإمارات في جامعة الدول العربية و الأمم المتحدة.
و تراهن الإمارات على آخر أوراقها السياسية وهي تأليب الولايات الصومالية على الحكومة الاتحادية في مقديشو كما حدث مع رئيس ولاية بونتلاند الذي زار أبوظبي و أشاد بالعلاقات الصومالية الإماراتية مشيرا إلى أن موقف الحكومة الاتحادية لا يمثل الولاية على الإطلاق.
آثار و أضرار الأزمة على العلاقات بين البلدين
لا يزال البلدان يتمتعان بعلاقات دبلوماسية قد تتأثر لاحقا على المنظور القريب, لكن القواسم المشتركة بين البلدين تجعل حدوث قطيعة دبلوماسية نهائية بينهما أمر لا يمكن حدوثه و خاصة في ظل استمرار المفاوضات الجارية بينهما.
أما إذا استمرت الأزمة في تفاقمها فسوف تنتج عنها أضرار على كل من الدولتين حيث تفقد الإمارات شريكا اقتصاديا و استراتيجيا يطل على المحيط الهندي و خليج عدن محل أنظار الإمارات بينما يقع على عاتق الصومال سد الفجوة التي تركتها الإمارات منذ اليوم الأول من الأزمة و إيجاد حلول للجالية الصومالية المتواجدة في الإمارات حال طرد الأخيرة لهم.
خاتمة
يعتبر الصومال من أكثر البلدان العربية التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كافة الدول العربية بالرغم مما بينهما من مواقف متباينة تجاه الأزمات الإقليمية و هذا يجعلها في طليعة دول الحياد في الملفات الساخنة في المنطقة, و اتخاذ القرار الحيادي تجاه تلك الأزمات يصب في مصلحة الصومال إذ الأخيرة تحتاج إلى خبرة و استثمارات كافة الدول المتناحرة مما يضمن لها علاقات متفاوتة المستوى مع الجميع.
و الأزمة الخليجة ليست بمعزل عن تلك الأزمات التي قدمت الصومال مصالحها قبل اتخاذ القرار الحيادي تجاهها مما يعني أنها كانت سياسة ناجحة و مثمرة لولا محاولة دول الضغط عليها للعدول عنه, و تعتبر الإمارات واحدة من تلك الدول التي حاولت مرارا تعديل هذا القرار لصالح طرفها مما أشعل فتيل هذه الأزمة المستمرة حتى الآن.
بقلم/ عبد الله عبد الرحمن (Caruus)
على الحكومة الاماراتية الشقيقة لو إرادة علاقات التعاون مع الحكومة الوطنية المركزية في مقديشو ان تكف عن التدخلات في شؤون الصومال ومنع المعارضين للحكومة المركزية التواجد في أراضيها وقطع علاقاتها مع الولايات الفدرالية في الصومال او الصومال تقطع علاقاتها مع ابوظبي نهائيا