منذ تأسيس اﻹقليم قبل 27 عاما كانت أزماته متعاقبة ولاتكاد تهدأ يوماً رغم المبادرات الدولية والجهود المحلية ، خاصة من قبل الحكومة الفدرالية في أديس أبابا ، الرامية لفك اللغز وكسر قيود الأزمة ولجعل اﻹقليم ينهض عاليا كغيره مستعينا بثرواته الطبيعية وأراضيه الخصبة وكنوزه البترولية الهائلة التي من الممكن تسديد جميع إحتياجات المعيشية اللآزمة ورفع مستوى الدخل الفردي، ليس فقط لشعب اﻹقليم بل لشعوب المنطقة بأكملها. في الحقيقة أزمة اقليم الصومال في اثيوبيا لم تكن يوما حديثة الولادة بل كانت ولا تزال تسيطر صفحات الاخبار المحلية والعالمية وتعكر صفوة الكثيرين من مواطنيها بينما تصارع مخيلات المحللين السياسيين المخضرمين لمعرفة ماهية المشكلة وملابسات الأحداث، القديمة والمتجددة في آن واحد.

الدافع الرئيسي لكتابة هذا المقال هو أن أحاول تسليط الضوء علي ما ينتظره الرئيس الجديد مصطفى محمد عمر، الذي اختير رئيسا للبلاد ، وما سيواجهه من أزمات مزمنة ، وكذلك أن أسعى حثيثا لتوضيح مجريات الأحداث وإشارت الطرق المناسبة وكيفية الخروج من الأزمة الاقتصادة والأمنية والاجتماعية التي خلفتها الحكومة السابقة ، مما قد سيساعد الحكومة الجديدة علي إنقاذ الشعب وتجنيب نفسها من غفلة التورط في أزمات خانقة لم تختلقها هي ولكن قد تؤدي بحياتها هي قبل وقوفها على قدميها النحيلتين.

سوء إستخدام سلطات الحكم وتهجيرالعقول الي الخارج،،

من مشكلات اﻹقليم عدم إحترام حقوق الإنسان. وذلك قبل وقت قريب لم تكن باستطاعة أحد ، سواء كان في البلد او خارجه، كتابة مقالة عن الحكومة السابقة بقيادة عبد محمود عمر، أو حتي أن يتحدث عن الحالة المزرية التي كانت تعيشها المنطقة ، وذلك لأسباب يعرفها القاصي والداني ، ولاداعي لصردها هنا لأنني لا أجد صفحات كافية وكلمات مناسبة قد تعطي الموضوع حقه في توضيح بشاعة ما كان يمارس ضد الشعب الفقير علي يد حكومته، والتي كانت من المفترض ان تعمل جاهدة في سلامة مواطنيها وتوفيريهم الحياة الكريمة لهم كمواطنين لهم الحق في البقاء والعيش بكرامة وحرية في بلدهم. تلك الحالة المؤلمة ، وبسنواتها العشرالعجاف ، هي التي ساعدت هجرة الكثير، ومن بينهم الخبراء والمثقفون ، خارج البلد لإنقاذ نفوسهم ونفوس ذويهم بينما الآخرون لزموا السكوت “كأضعف اﻹيمان” باقين في ديارهم حيث لم يجدوا حيلة ولم يهتدوا سبيلا، لعلهم ينجون من بطش حكومتهم التي رمت على الحائط كل القيم والمبادئ الإنسانية في تعاملها مع مواطنيها العزل.

تلك المشاكل وغيرها سببّت أمراض اجتماعية خطيرة وبعثرت ثقة الشعب بالحكومات المتعاقبة منذ تأسيس اﻹقليم إلي اﻵن ، وهذا ما أدى الي تشكيل كتيلات وأحزاب مختلفة تتصارع فيما بينها علي استيلاء زمام الحكم مستخدمة كل الوسائل المتاحة لها، ومنها النعرات القبلية الجاهلية لكسب تأييدها ومضاعفة عدد مناصريها من أجل نيل أهدافها السياسية، والقضاء علي الأحزاب الأخري وابعادها عن الساحة السياسية مهما كان الثمن، والذي غالبا ما يكون على حساب الشعب الفقير. ومن المشكلة التي قد تكون حجر عثرة في طريق الحكومة الجديدة هي وجود فلول وبقايا الحكومة السابقة والتي لديها خبرة طويلة في لعب سياساتها القذرة وإمكانياتها المالية الكبيرة والتي قد تستخدمها ضد الحكومة الجديدة اذا لم ترعى مصالحها في المناصب الحكومية أو شعرت أستفزازا من قبل الحكومة.

“الشعب متفائل ولكن بحذر…”

لا شك ان البعض يعوًل كثيرا علي قدرة الرئيس الجديد لكونه شابا مثقفاً لم تتلطخ يداه بدماء الأبرياء ونهب ممتلكات الشعب العامة كغيره من المسئولين في الحكومات السابقة إلا أن البعض يراه تنقصه الخبرة الكافية والحنكة اللازمة في التعامل مع الآخرين واحتوائهم ‘ خاصة الجبهات والكتل السياسية الرئيسية وعلي رأسها الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين والتي تعتبر قوة سياسية لها جذور متغلغلة في المجتمع بحيث لها شعبية كبيرة تستطيع تغيير موازين القوة السياسية في الإقليم إذا لم تنتبه حكومة السيد مصطفى في التعامل معها بحذر مستخدمة كل الآليات المتاحة لجعلها مندمجة ومتفاعلة مع سياسات حكومته الجديدة ولكي تتجنب خوض مجاذبات سياسية معها قد تكون الحكومة فيها هي الضحية الأولى قبل الآخرين. رغم التفائل الكبير لدي البعض، إلا أن السياسة المتبعة من قبل الحكومة حاليا قد تؤثر سلبا علي رأي العام الشعبي مما قد ينعكس سلبا أيضا علي تفعيل مشاريعها الاقتصادية والتنموية ﻹخراج الإقليم من المأزق القبلي ، وعدم احترام النظام والدستور، والفساد الأخلاقي المنتشرالذي نخر عظام المجتمع وهدم سمعته خاصة في السنوات الأخيرة.

“ما هو الحل إذاً….؟”

للأسف الشديد لا يوجد طريقة واحدة للحل ، أو عسى سحرية ، يمكن استخدامها للخروج من الأزمات المزمنة في الإقليم ، إلا أن هنالك آليات وطرق عديدة قد تساعد الحكومة إذا استخدامتها علي الطريقة الصحيحة في الوقت المناسب وبالمكان الملائم عند سعيها لبحث حلول جذرية لتلك الأزمات.

أﻵلية الأولى: التركيز علي المستقبل وعدم النظر إلى الماضي المؤلم،،

يجب النظر إلى الماضي فقط لتستوعب الحكومة الدروس الملازمة والتي سوف تساعدها علي تشييد صرخ بارز ومستقبل باهر تفتخر بإنجازه وتفيد المجتمع منه لسنوات طويلة. وكذلك يجب على الحكومة أن تنظر إلى الماضي فقط لكي تتجنب أفعال الحكومات السابقة المهلكة، ولكي لا تقع مرة أخري في أخطاء غيرها التي في نهاية الأمر أتت على الأخضر واليابس في الإقليم. ولكن يجب في نفس الوقت أن لا تركز الحكومة كثيرا علي الماضي لاستفزاز الآخرين ، وتعميق الجرح النزيف في المجتمع ، أو خرق النسيج والتكافل الاجتماعي الذي اشتهر به شعب الإقليم منذ القدم.

أﻵلية الثاثية: تشييد نظام ديمقراطي حر….‘‘‘

لا يختلف عليه إثنان ان الشعب قد إنتقل إلى مرحلة جديدة ، لم يسبق لها مثيل ، يرى الشعب فيها أنه هو المنتصرالوحيد والذي أدى بإطاحة النظام السابق ، رغم قبضته العسكرية المتينة وقوة بطشه للمعارضين له ، وأن الشعب لن يقبل أي حكومة جديدة مهما كانت قوتها إذا لم توف بوعدها وتبني مؤسساتها الحكومية على أسس نظام ديمقراطي حر ترعى من خلاله جميع حقوق المجتمع ومساوات أفراده بغض النظر عن خلفياتهم أوالقبائل التي ينحدرون منها. ولذلك من المفترض أن تستفيد الحكومة من هذه المرحلة لكسب شعبيتها واستعادة ثقة مواطنيها بأخذ خطوات إصلاحية جذرية تجذب إنتباه الشعب وتسرع الخطوات نحو التعافي من اﻷمراض اﻹجتماعية القديمة في اﻹقليم.

اﻵلية الثالثة: لملمة الصفوف وإحتواء اﻵخرين…،،،

توحيد الصفوف ، وتقريب وجهات النظر، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الفردية الخاصة ، هي الطرق المثلى والأساليب الوحيدة التي سوف تؤدي إلى برً ألأمان والتي ستجعل كل فرد من المجتمع يشعر إنتماءه للوطن ولحكومته وتعزز شعوره بالمسئولية تجاه مشاركته في حفظ النظام وتحقيق مستقل باهر ورقيً ينتفع منه الجميع ولأجيال كثيرة قادمة. اذا المسئولية اﻷولي لتحقيق هذا الهدف تقع علي عاتق الحكومة الجديدة ولذلك يجب عليها أن تجعل في أولوياتها لكسب ثقة الجميع ، مهما كان الأمر، خاصة في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة.

وأخيرا وليس آخرا ، لا يمكن للحكومة أن تحقق نتائج مرضية في سبيل حل أزمات اﻹقليم المستعصية إلا إذا إستخدمت فرق عديدة مكونة من خبراء اجتماعيين، وسياسيين، ومثقفين موثوقين بهم من داخل البلد وخارجه لمساعدة الحكومة على تجاوز هذه المرحلة الصعبة. ولذلك من المنصف أن نقول أنه لا شك ان تحقيق المستقبل المشرق في إقليم الصومال في يد الحكومة الجديدة ، وعلى رأسها السيد مصطفى محمود عمر، وأن اﻹقليم في مفترق طرق اﻵن ، وان الشعب منتظر ومراقب بحذر، لما ستفعله الحكومة في تلبية وعودها في الإصلاح الاقتصادي والديمقراطي والاجتماعي.

م/ عبد الرشيد الشيخ حسين

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.