مقدمة 
لا يخفى على المتابع للشأن الإفريقي – و لو بصورة سطحية – عن العلاقات المتوترة بين الصومال وإيثوبيا قبل استقلال الجمهورية الصومالية وبعدها إلى حد نشبت بينهما حروب قومية أشهرها الحرب التي اشتهرت بحرب سبعة وسبعين والتي حدثت عام 1977م.
وبالرغم مما خلفته تلك الحروب من تبعات اقتصادية ونفسية وغيرها على الشعبين الجارين لم يكن احتمال تحسن تلك العلاقات في يوم من الأيام خارج توقعات المحللين السياسيين في كلا البلدين.
و كان هذا التفكير السائد هو النواة الأساسية لكل المحاولات في تكوين علاقة رسمية بين الأنظمة التي حكمت البلدين ولو بنسب متفاوتة في الجدية والرغبة من الجانبين في استمرار تلك أوهذه العلاقة، بدءا من اتفاقيات هدنة وقعها نظام منغستو وسياد برى في جيبوتي بعد نهاية الحرب والتي كان من بين بنودها تبادل الأسرى والتعهد بوقف دعم جبهات المعارضة المسلحة ضد بعضهما البعض.
لم تدم تلك الاتفاقية طويلا، حيث سقط كل من الحكومة على يد الجبهات المسلحة المدعومة من قبل النظامين الحاكمين، ونجح الثوار الإثيوبيون في السيطرة على الحكم في بلادهم بأمر من الامبريالية الغربية، بينما أخفق الثوار الهمجيون الصوماليون في ذلك بتخطيط من أسيادهم ، وانهارت الدولة الصومالية على يدهم.
خمدت البراكين السياسية الثائرة بين البلدين بسقوط الدولة الصومالية، ووجهت إلى إيثوبيا اتهامات من بينها عرقلة الجهود الدولية والاقليمية في بناء دولة صومالية جديدة على أنقاض الحكومة العسكرية البائدة عبر تأليب زعماء الحرب الصومالية الأهلية ضد بعضهم البعض لضمان صرف أنظار العالم عن القضايا المتنازعة بينها وبين الصومال. 
و إلى أمد غير بعيد كانت القوات الإيثوبية تدخل العاصمة الصومالية مقديشو لأول مرة لدعم حكومة حليفها الراحل عبد الله يوسف ضد المحاكم الإسلامية كآخر أوراقها في رهان خاسر لضمان مصالحها الاقتصادية والسياسة في الصومال بالقوة العسكرية. 
فما الذي تغير فعلا في إثيوبيا حتى تسعى إلى محاولة تغيير صورتها النمطية من دولة توسعية متغطرسة إلى دولة تدعو إلى احترام سيادة دول الجوار وتفعيل شراكة اقتصادية معها، هل هي مجرد رقصة ثعبانية أخيرة للانقضاض على الفريسة على حين غفلة منها، أم أنها وسيلة استعمارية ناعمة لا أكثر لتحقيق نفس الأهداف. 
و في هذه السطور أسلط الضوء على زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد علي إلى مقديشو وما تضمنته من اتفاقيات وقعت بين البلدين. 
مذكرة تفاهم أم اتفاقية تعاون مشترك.
بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية في الصومال من بنود ما وصفت بالاتفاقية التي وقّع عليها  كل من الرئيس الصومالي السيد محمد عبد الله محمد فرماجو ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في القصر الرئاسي بالعاصمة الصومالية مقديشو يبدوا أن ثمة تضخيم مغرض للأمر أكثر من اللازم، حيث لا تعتبر صياغة تلك البنود إتفاقية تعاون مشترك بقدر شبهها لمذكرة تفاهم بين بلدين.
فلقد تضمنت البنود كلمات فضفاضة وغير دقيقة، فضلا عن غياب آليات واضحة لتنفيذها مما يجعلها في المقام الأول تعهدات من الجانبين لتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين وتمهيد الطريق إلى شراكة اقتصادية قائمة على الحوار وإقرار كل طرف منهما سيادة الطرف الآخر على قراراته القومية.

هل يعني ذلك أن الصومال تنازلت ضمنيا عن كافة القضايا العالقة بين البلدين من نزاعات حدودية وغيرها، بل وتتعهد بفتح صفحة علاقات جيدة مع إيثوبيا دون مقابل، أم أن تلك الاتفاقية – ان اعتبرناها كذلك – وثيقة لإزالة الشكوك الإيثوبية من قيام دولة صومالية قوية قد تطالب بتلك الحقوق مستقبلاً. 
فرص و مخاوف
ماذا عن دور مؤسسات الدولة الأخرى في كلا البلدين كالبرلمان لتفعيل هذه المذكرة دون توضيح أعمق لبنودها وتفسير عوائدها على كل من البلدين بصرف النظر عن مصطلحات حسن النوايا التي تعج بها. 
و قبل كل هذا ما هي الفرص الاستثمارية المتاحة من تفعيل هذه الاتفاقية أوالعقبات التي تحول دون تحقيق هذه الشراكة المرجوة وما مدى جدية الجانبين في تنفيذها.
إيثوبيا دولة حبيسة بحاجة إلى منافذ بحرية.
تعتبر إيثوبيا واحدة من أكبر الدول الحبيسة في العالم والتي لا تستطيع التواصل البحري مع العالم ( تصديرا و استيرادا ) إلا بواسطة دولة العبور، ولقد استشعرت تلك العزلة منذ فقدها لآخر لسان ساحلي بعد استقلال إريتريا عام 1993م.
ولقد وضعت أديس أبابا العديد من الخطط الاستراتيجية لتفادي صدمة فقدان ذلك اللسان البحري عبر توقيع عدة اتفاقيات مع كل من جارتها إريتريا وجيبوتي في استثمار ميناء عصب ثم ميناء جيبوتي لتصدير منتجاتها المتواضعة واستيراد احتياجاتها من الخارج.
لكن و بعد الحرب الإيثوبية الإريترية وفقد أديس أبابا ميناء عصب نتيجة للحرب، ازدادت الحاجة إلى الحصول على عدة منافذ بحرية وكانت أعينها صوب جارتها الصومال صاحبة أطول ساحل في إفريقيا والتي تعاني آنذاك من حرب أهلية مستمرة منذ 1991م.
لم يزل حلم استثمار موانئ صومالية يراود إيثوبيا بين فترة وأخرى مع مخاوف من أن عودة دولة صومالية قوية إلى الساحة من جديد يشكل خطرا على الهيمنة الإيثوبية الوحيدة للقرن الإفريقي بل و شرق إفريقيا.

ورغم تلك المخاوف والرصيد العدائي التاريخي بين البلدين استمر هذا الساحل الشرقي الطويل يغري أديس أبابا، نظراً لأهميته الاستراتيجي وقربه الجغرافي إلى العمق الإيثوبي فقررت المغامرة في وقت ترى فيه تهافت بلدان بعيدة للاستثمار في موانئه.
و ساعد تعيين آبي أحمد و سلسلة الاصلاحات السياسية التي تبناها الحزب الحاكم في تهدئة ملفات داخلية كثورة القومية الأورومية وخارجية وتقارب بين إيثوبيا و إريتريا إلى إعلان أديس أبابا عن رغبتها في دخول شراكة اقتصادية طويلة الأمد مع الصومال.
مع ذلك لم يسلم التودد الإيثوبي للصومال من الغموض أبدا في الموقف الشعبي و الرسمي الصومالي، خاصة بعد توارد الأنباء عن وقوف الإمارات – التي طردت شركة موانئها عن الصومال – خلف المبادرة الإيثوبية الأخيرة عبر ضخ ثلاث مليارات دولار في البنك المركزي الإيثوبي، قبيل زيارة آبي أحمد لمقديشوبيوم، مما يشكك في حجم وجدية أديس أبابا ودورها الاستثماري في الاتفاقية. 
الصومال دولة ساحلية بحاجة إلى مستثمرين.
كما يقول المثل الصومالي ( هناك حاجة بين من يملك الطعام وبين من يملك الماء) فإن هذا المثل ينطبق على الصومال التي تملك أطول ساحل إفريقي وبين إيثوبيا من أكبر الدول الحبيسة في العالم، والمخاوف – التي يثيرها البعض – من أن إيثوبيا ذات المائة مليون نسمة قد تبتلع الصومال ذات العشرة مليون نسمة في حال لا تعتمد على المنطق والواقع بكثير إذ يكفي – على سبيل المثال – عقد اتفاقيات عسكرية مع إحدى كبريات دول العالم لردع أي دولة من الهجوم العسكري على البلد الموقع للاتفاقية معها.
وتعتبر جيبوتي ذات المليون نسمة خير دليل على نجاح تلك التجربة والشراكة الاستراتيجية مع إيثوبيا في ظل تمتعها بسيادة قراراتها عبر توقيع الاتفاقيات العسكرية مع الدول الكبرى كفرنسا والصين والولايات المتحدة الأمريكية.
لكن توقيع اتفاقية تعاون مشترك مع إيثوبيا يجب أن يكون وفق خطة عملية و استراتيجية مدروسة بعيدة كل البعد عن الحماس أوالتعاطف مع التغييرات الدراماتيكية التي تحدث في أديس أبابا مع إتاحة البدائل وتوفير التوازن في تحقيق المصالح الإقتصادية والمكاسب السياسية في القضايا الرئيسية.
وهذا يعني عدم إهمال الملفات العالقة بين البلدين و التي أدت إلى نشوب صراعات مسلحة بينهما في الماضي كقضية الصومال الغربي والنزاعات الحدودية الأخرى، كما يجب أن تكون آلية تنفيذ تلك الاتفاقية واضحة، من حيث نسبة حصة العائدات بصورة تظهرمنها السيادة الوطنية
ختاما
تتطلع إيثوبيا إلى أن تكون واحدة من كبرى اقتصاديات الدول الإفريقي في المدى القريب، ولذلك توقع العديد من الصفقات والاتفاقيات الاقتصادية والمشاريع الاستثمارية مع جيرانها الساحلية للوصول إلى المحيط الهندي والبحر الأحمر، وقد وقعت عاى شراكات استراتيجية مع كل من السودان وكينيا من أجل تحقيق مساعيها.
ويجب على الصومال الاستفادة من تلك الفرص التي تتواجد أمامها دون عناء استقطاب مسؤوليها الشركات والدول في المحافل الدولية من أجل الاستثمار في الصومال، لكي تضمن على الأقل تنافسا مع إيثوبيا في مجال الاقتصاد تماما، كما تفعله اليابان اليوم مع الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا مع وصف الصوماليين بشعب تجاري في مستوى الأفراد إذ تظهر الجاليات الصومالية تفوقا في العمل التجاري المتواضع في البلدان التي يعيشون فيها ها هي الفرصة أمامهم وفي منطقتهم هذه المرة.

الكاتب: عبدالله أحمد عبدالرحمن(روبلى)

إعلامي صومالي مقيم في مقديشو

تابعونا عبر هذا الإيميل:

Somaliatoday2006@hotmail.com

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.