تمهيد :

استقلت الصومال من الاستعمارالإيطالي والبريطاني في عام 1960م بجهود الشعب الصومالي الذي قاوم استعمارالدول الأوروبية بكل ما أوتي له من قوة، وبقيادة حزب وحدة الشباب الصومال (SYL)الذي كان يمارس العمل السياسي وقتذاك بصورة حزبية مغايرة عن الانتماءات الدينية والقبلية.

وقد أعلنت قادة هذا الحزب برنامجها السياسي في عام 1947م، وكان من أهداف حزب وحدة الشباب الصومالي ما يلي :

1 : تحرير الوطن من براثن الاستعمار، والحصول على استقلال تام.

2 : توحيد شرائح الشعب الصومالي تحت راية واحدة، تجمع شمله المتشتت

3 : تصفية الاستعمار بفئاته المختلفة من البلاد.

4 :  محاربة التفرق والتعصب القبلي، والذي من شأنه أن يعيق التقدم الحضاري المنشود.

5 : رفع مستوى التعليم في الصومال، ونشر الأفكار الحديثة فيها.

منذ تحقيق الشعب وقيادته المتمثلة بحزب وحدة الشباب الصومالي أمنيته حيال الاستقلال من الاستعمارالإيطالي والبريطاني، بدأ يحتفل لهذا الحدث العظيم الذي طرأ في الساحة والذي يتزامن في كل سنة بيومي السادس والعشرين من شهريونيو، واليوم الأول من شهريوليوفي كل سنة.

وكانت الحكومات المتلاحقة منذ عام 1960م تقيم حفلات لعيد الاستقلال بشكل رسمي وشعبي، كما كان المسؤولون في الحكومات يدلون خطبهم الحماسية أمام الجماهير المحتفلة لمناسبة عيد الاستقلال من الاستعمار الأوروبي الذي  فرق شمل الصومال.

وكان المحتفلون لعيد الوطن يرتدون ملابس زرقاء تشبه العلم السماوي الأزرق الذي يترفرف تحت السماء منذ الاستقلال من الاستعمارالإيطالي، والبريطاني إلى انهيار الحكومة العسكرية عام 1991م بقيادة اللواء محمد سياد برى الذي تولى زمام الأمور بانقلاب عسكري أنهى الحكم المدني بعد الاستقلال.

نصاب الاحتفالات بعد الإطاحة بالحكومة العسكرية:

شهدت الصومال بعد الإطاحة بالحكومة السابقة أحداثا جسيمة غيرت الموازين السياسية، وأدت إلى تضاؤل نصاب الاحتفالات للعيد الوطني ومن أهم هذه الاحداث:

1:  قيام حركة تحريرأرض الصومال بعد تحقيق مكاسبها السياسية وانتصاراتها العسكرية على نظام سياد بري بتنظيم مؤتمر برعو للمصالحة وتقرير المصير، وذلك بمشاركة قيادات الحركة التحريرية، وشيوخ القبائل، والسياسيين، ورجال الفكر، وممثلون من شرائح المجتمع في الأقاليم الشمالية.

ونوقش في هذا المؤتمرجميع وجهات النظر بصدد مستقبل الأقاليم الشمالية، وانتهى الاجتماع في المطاف الآخير باتفاق الجميع على الإعلان عن استعادة الاستقلال وقيام جمهورية أرض الصومال بقيادة عبد الرحمن أحمد على في 18 مايو 1991م على حدودها المعترف بها عام 1960م.

ولهذا الحدث الجسيم الذي طرأ في الساحة تضاءلت رقعة الاحتفالات للعيد الوطني، وذلك بفقدان شريحة كبيرة من المجتمع الصومال الذي كان يحتفل لاستقلاله من براثن الاستعمار الإيطالي والبريطاني واتحاده في عام 1960م.

2: رضوخ الأقاليم الأخرى لزعماء حرب جعلت شغلها الشاغل بتأجيج حرب أهلية ضربت معظم المناطق الجنوبية،وجعلت حياة السكان فيها مرا لايذاق، وجحيما لايطاق.

في ظل هذه الحروب والمواجهات الدامية التي كانت تشتعل من ألف الأقاليم الجنوبية إلى يائها أيام أمراء الحرب كان الشعب لايقدر على إجراء احتفالات للعيد الوطني يتذكرفيها جهود مناضليه، والثمار التي قطفت منها، والحرية التي حصل البلاد عليها جراء هذا النضال المحمود الذي خاضها الشعب بكل فئاته ضد الاستعمار الأوروبي.

واستمرت أوضاع البلاد على هذه الشاكلة إلى أن تم عقد مؤتمرعرته للمصالحة الصومالية في جيبوتي عام 2000م، بجهود صادقة بذلها الرئيس اسماعيل عمر جيلى -وكوادر من حركة الإصلاح الصومالية- لجمع الصوماليين على مائدة المفاوضات لتشكيل أول حكومة صومالية شهدها البلد بعد الإطاحة بالحكومة المركزية في عام 1991م.

ويعتبرمؤتمرعرته للمصالحة اللبنة الأولى للحكومات الصومالية المتلاحقة التي أعادت الأذهان من جديد إلى إمكانية إجراء احتفالات رسمية وشعبية للعيد الوطني في العاصمة الصومالية مقديشو وغيرها بشكل ملحوظ .

احتفالات مناسبة عيد الاستقلال في هذا العام :

أقيمت في العاصمة الصومالية الصومالية والمدن الرئيسية الأخرى مناسبات متنوعة لتكريم عيد الاستقلال  التي تصادف كل سنة في السادس والعشرين من شهر يونيو الذي حصلت فيه الأقاليم الشمالية على استقلالها من الاستعمارالبريطاني، واليوم الأول من شهر يوليو الذي حظي باستقلال الشطرالجنوبي من الاستعمارالإيطالي واتحاد الجزئين.

وكانت تلك المناسبات تعقد بحضرة مسؤولين من الحكومة الصومالية الفيدرالية، وآخرين من الإدارات الإقليمية التابعة للحكومة الاتحادية، وقادة القوات الصومالية المسلحة بأجهزتها المتنوعة، وحشود كثيرة من المواطنين بما فيهم أدباء وفنانين كانوا يرددون بأغاني وطنية تذكر الحضور بجهود المناضلين الذين ضحوا أنفسهم وأموالهم لإزاحة ثقل الاستعمار عن كاهل الشعب الصومالي الأبي.

وكانت المناسبة التي أقيمت في العاصمة الصومالية مقديشو هي أكبر مناسبة أقيمت لتكريم عيد الاستقلال، حيث شارك فيها كل من رئيس الجمهورية الصومالية ورئيس البرلمان الصومالي ومسؤولين آخرين من الحكومة الصومالية، بألإضافة إلى عمدة العاصمة الصومالية مقديشو وشرائح من سكانها، ونشطاء من التجمعات المدنية والنسوية.

وأطلقت قوات الحكومة الصومالية عشية الاحتفال للعيد الوطني مدافع عدة ومفرقعات وأنوار كاشفة إلى الهواء لإحياء هذا العيد، كما أخذت الفرقة الموسيقية للقوات المسلحة تبدع بتقديم عروض من الأغنية الوطنية والتقليدية الممتعة لتثيرشعورالمشاركين في حفلة تكريم عيد الاستقلال.

وكان الأدباء والفنانون الذين شاركوا في مناسبة ذكرى الثامن والخمسين لعيد الاستقلال يرددون بأنشائد وطنية وقصائد ترفع نخوة المشاركين في الحفلة وتذكرهم بنضال الأجداد الذين خاضوا الحروب ضد الاستعمار الإيطالي والبريطاني الذي قسّم البلاد.

وأعرب رئيس الجمهورية الصومالية محمد عبد الله فرماجو في خطبته خلال حفلة تكريم العيد الوطني بأنه يهنئ الشعب الصومالي بحلول عيد الاستقلال من الاستعمار، متمنيا لهم بأن يعيشوا في أمن ورفاهية.

وأكد فرماجو في كلمته بهذه المناسبة أنه مستاء من انفصال الأقاليم الشمالية عن الأقاليم الجنوبية بشكل أحادي، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه مستعد بإحياء المباحثات بين الحكومة الصومالية الفيدراية وبين سلطات صومالي لاند، ما رحبه رئيس صومالي لاند موسى بيحي.

ختاما :  

يرى كثير من الوجهاء بأن الاحتفالات التي تجريها الحكومة الصومالية الفيدرالية والإدارات الإقليمية التابعة لها في ظل هذه الظروف الحالكة التي يزرح بها الوطن لاتجدي شيئا.

ويعتقد هذا الفريق بأنه من المهم بذل جهود كبيرة في إعادة الأمن والاستقرار، بدلا من إهدار الفرص والمبالغ في احتفالات تافهة على حد زعمهم وذكريات عفى عليها الزمن.

ويرون بأن الحرية التي حصل عليها الشعب الصومالي من الاستعمار الأوروبي في عام 1960م ضاعت وذهبت أدراج الرياح، وذلك لاعتقادهم بأن البلاد مازال في إدارة المجتمع الدولي، وآياديه المتمثلة من الدول المجاورة التي لاتقبل بأن يقوم للصومال قائم مهما يكن من أمر.

بينما يعتقد آخرون بأنه من الضروري إجراء الاحتفالات للأعياد الوطنية لتعليم حدثاء الأسنان تاريخ بلادهم العريق، وكرامة مناضليهم الذين ضحوا في سبيل الحرية كل مرتخص وغال.

ويهدف هؤلاء من إجراء الاحتفالات للأعياد الوطنية ترسيخ روح الوطنية في قلوب كثير من الشعب، وتخليد هذا الحدث الجليل في النفوس ليعتبر الحدثاء في هذه الدروس من التاريخ.

أما عن المجتمع الدولي، والدول المجاورة للصومال فيرى الفريق الثاني بأن هؤلاء يقفون إلى جانب الحكومة الصومالية للتخطي عن المصاعب الجمة والتحديات الكبيرة أمام بسط نفوذها وإدارتها في بعض المناطق المتبقية على أيدي الجماعات المتشددة المناهضة لجهود الحكومة الصومالية الفيدرالية المعترفة بها دوليا

 

بقلم/ محمد محمود

كاتب صومالي

 

تواصل معنا عبر هذا الإيميل:

Somaliatoday2006@hotmail.com

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.