بعد أن كانت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مهددة بالتطويق والسقوط أمام زحف قوي لمتمردي التيغراي وحلفائهم في جيش تحرير أورومو، تمكن رئيس الوزراء آبي أحمد، من قلب معادلة الصراع، وتحول جيشه من الدفاع إلى الهجوم بعد أن كسر جميع الهجمات المتتالية على مدينة ميللي في جبهة العفر (شرق).
وتمكن الجيش الإثيوبي بدعم من مليشيات العفر والأمهرة من تحقيق انتصارات استراتيجية، بعد أن استعاد السيطرة على عدة مدن محورية، في ثلاث جبهات؛ شرقية وغربية وجنوبية، ودفع متمردي التيغراي إلى التراجع نحو الشمال.
1/ الجبهة الغربية: سقوط لاليبيلا أربك التيغراي
في ذروة تقدم متمردي التيغراي والأورومو نحو أديس أبابا، فاجأ الجيش الاتحادي ومليشيات الأمهرة و”فانو” الجميع بدخول مدينة لاليبيلا، التاريخية والمقدسة، والتي يلقبها البعض بـ”فاتيكان أرثوذكس إثيوبيا”، حيث توجد بها كنائس محفورة في الصخر، ويقدسها المسيحيون في إقليم أمهرة وحتى في إقليم تيغراي.
ونظرا لأهميتها التاريخية والدينية استماتت المليشيات الأمهرية من أجل استعادة لاليبيلا (880 كلم)، وكادت في عدة مرات تتمكن من اقتحامها، إلا أن التيغراي كانوا ينجحون في استعادتها بسرعة.
لكن مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تمكن الجيش الإثيوبي ومليشيا فانو الأمهرية من استعادة السيطرة على لاليبيلا، ما أربك هجوم التيغراي على أديس أبابا، وكان هذا التاريخ نقطة الانعطاف في سير المعارك.
فبعدما توغل متمردو التيغراي من معاقلهم في الشمال مئات الكيلومترات نحو أديس أبابا عبر الطريق السريع “أ2″، باغتهم جيش آبي أحمد، بدخول مدينة غاشنا شمالي أمهرة (شمال).
ومهّد تحرير الجيش الإثيوبي لمدينة فيلاكيت ثم غاشنا، من استعادة لاليبيلا، المدينة الجبلية المجاورة، الواقعة شمالي إقليم أمهرة، وغير بعيدة عن إقليم تيغراي، والأهم من ذلك قربها من طريق “أ2″، الذي يمثل خط الإمداد الرئيسي للمتمردين في الجبهات الأمامية جنوبا، ما جعله تحت التهديد.
وفي حال تمكن جيش آبي أحمد، من السيطرة على مدينة “وولديا” المحورية، الواقعة على طريق الإمداد الرئيسي “أ2” فإن بقية مدن الأمهرة الخاضعة لسيطرة المتمردين ستتساقط الواحدة تلو الأخرى، وبالأخص مدينتي ديسي وكومبولتشا الاستراتيجيتين (400 كلم شمال أديس أبابا)، وسيضطر التيغراي إلى التراجع والانكفاء في إقليمهم لإعادة تنظيم صفوفهم وبدء هجوم جديد.
وهذا السيناريو تحقق فعلا، حيث سقطت كومبولتشا وديسي، الاثنين، في أكبر انتصار مدوٍ للجيش الإثيوبي، منذ الصائفة الماضية، بحسب الخريطة التفاعلية “إثيوبيا ماب”.
2/ الجبهة الشرقية: انكسار هجمات التيغراي بالعفر
على عكس التقدم السريع في الجهة الشرقية لإقليم الأمهرة، واجه متمردو التيغراي مقاومة شرسة من القوات الخاصة لإقليم العفر، الذي تقطنه أغلبية من المسلمين ذوي الأصول العربية.
إذ سعت قوات التيغراي للسيطرة على مدينة ميللي، في العفر، والتي تعد ملتقى تقاطع طرق استراتيجي يمر عبر الطريق الدولي “أ1” الرابط بين أديس أبابا وجيبوتي.
كما يوجد طريق آخر يربط بين ميللي وكومبولتشا، سلكه متمردو تيغراي لقطع طريق “أ1” الذي تمر عبره نحو 95 من المبادلات التجارية الإثيوبية نحو الخارج.
إلا أن التضاريس الصحراوية المفتوحة لإقليم العفر، والمقاومة الشرسة للقوات الخاصة العفرية الموالية لآبي أحمد، واستعمال سلاح الطيران المسير بكثافة، استنزف كثيرا قوات متمردي التيغراي، وأجبرهم على التراجع.
وتتهم مواقع إخبارية وحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي مقربة من التيغراي، آبي أحمد، باستخدام طائرات مسيرة، ما أوقع خسائر في صفوف المتمردين أجبرتهم على الانسحاب من عدة بلدات عفرية دون قتال.
ويهمين الجيش الإثيوبي على سماء المعركة بشكل كامل، ما يجعل دبابات وآليات المتمردين أهدافا سهلة للطائرات المسيرة، خاصة في المناطق الصحراوية المفتوحة في إقليم العفر، على عكس المناطق الجبلية في أمهرة.
وتمكن الجيش الاتحادي من السيطرة على مدينة باتي، الواقعة بين إقليمي العفر والأمهرة، في نفس اليوم الذي دخل فيه كومبولتشا وديسي (الاثنين)، فضلا عن سيطرته منذ أيام على مدينة شيفرا، إلى الشمال من باتي.
وبالسيطرة على شيفرا، أصبحت “وولديا”، بين فكي كماشة، حيث يضغط الجيش الاتحادي عليها من الغرب انطلاقا من لاليبيلا، ومن الشرق عبر شيفرا، ومن الجنوب عبر ديسي.
3/ الجبهة الجنوبية: الخطر يبتعد عن أديس أبابا
بعد أن وصل متمردو التيغراي والأورومو إلى بلدة دبري سينا (190 كلم شمال شرق أديس أبابا)، واقتربوا من محيط دبري برهان (130 كلم شمال شرق أديس أبابا)، آخر مدينة كبيرة قرب العاصمة، تراجعوا فجأة، وتركوا الأمر إلى القوات الحكومية للتقدم واستعادة البلدات التي خسرتها في الأسابيع الأخيرة، وعلى رأسها مدينة شيوا روبيت.
وتقدمت القوات الحكومية نحو كميسي، الواقعة تحت سيطرة جيش تحرير أورومو، واستولت عليها، ومنها أكملت طريقها نحو كمبولتشا وديسي، في ظل انسحاب المتمردين السريع من المدن التي سيطروا عليها قبل أسابيع.
وتعني هذه التطورات أن الخطر ابتعد عن أديس أبابا، التي كانت قبل أيام مهددة بالسقوط في يد المتمردين التيغراي وحلفائهم.
ولعب صمود القوات الخاصة للعفر، وسقوط لاليبيلا في الشمال، الدور الأبرز في إنقاذ حكومة آبي أحمد من أن تلقى نفس مصير حكومة منغستو هيلا مريام في 1991، على يد التيغراي وحلفائهم.
كما أن قيادة آبي أحمد للمعارك من جبهات القتال سواء في العفر أو أمهرة لعبت دورا في رفع معنويات قواته.
لكن قد يكون السبب الرئيسي لهذا التحول في مسار المعركة، الاستعمال الكثيف للطيران المسير، ما قد يؤشر لتلقي آبي أحمد دعما عسكريا خارجيا، وهو ما تحدثت عنه قيادة جبهة تحرير تيغراي.
** سقوط وولديا سينهي المعارك في أمهرة
من المتوقع في ظل التطورات الأخيرة للمعارك أن يسعى الجيش الاتحادي والمليشيات العفرية والأمهرية إلى مواصلة ضغطهم على الخط الرئيسي لتقدم متمردي التيغراي خاصة “وولديا” في شمال شرق أمهرة.
فالمعركة الرئيسية ستكون في “وولديا”، إذ من المستبعد أن يتخلى عنها التيغراي بسهولة لأنها قريبة من خطوط إمدادهم في الشمال، وسقوطها سيؤدي إلى انتقال المعارك إلى داخل إقليمهم.
ويعتبر التيغراي أن انسحاباتهم الأخيرة تكتيكية ولم تكن نتيجة هزيمة في أرض المعركة.
ويوضح القائد العام لمتمردي التيغراي الجنرال تاديس ويريد، في خطاب مصور، أنه “تم تغيير مواقعنا طواعية منا، مع مواصلة الهجمات على العدو”.
في إشارة إلى أن جبهة تيغراي ستغير تكتيكها القتالي، وقد تعود إلى أسلوبها القديم في حرب العصابات، والكر والفر، واستعمال الكمائن، مع إمكانية الدخول في معارك كلاسيكية عندما تسمح الظروف الميدانية.
ويقول الجنرال ويريد، في هذا الصدد: “عندما نعود خطوة إلى الوراء فإننا على يقين بأننا سنتقدم خطوتين إلى الأمام”.
ويؤشر هذا الكلام أن الحرب الأهلية الإثيوبية قد تطول أكثر، وأن متمردي التيغراي سيحاولون شن حملة جديدة على أديس أبابا عندما يعيدون تنظيم صفوفهم.
المصدر: الأناضول
تعليقات الفيسبوك