تشهد الساحة الصومالية بتحولات سياسية وإجتماعية وديموغرافية جديدة بعد صراع ومخاض سياسى تجاوز على مراحل صعبة وفى ظل ظروف حرجة.
منذ إعلان النظام الفدرالى الذى لم يختر ولم يستفت به الشعب يوما بل يسمع من وسائل الإعلام وحتى الآن لم يفهم ماهية الفدرالية ونمطها والدوافع التى أدت الى تحويل جمهورية الصومال الى جمهورية فيدرالية فى وقت يعتبر البلاد نموذجا للدول الفاشلة ويعانى الشعب عن مرارة النزاعات التى إندلعت منذ إنهيار الحكومة المركزية فى عام 1991م و لم يتنعم إستقرارا سياسى وإجتماعى يتمثل المتطلبات الأساسية لحياة المواطنين.
وفى عام2004 تم إعلان النظام الفيدرالى ولم يقدر صانعى القرار فى ذلك اليوم بإدراك مفهوم الفدرالية وأثاره السياسية والإجتماعية على هذا الشعب وفى ذالك اليوم وحتى الآن لم تكن الإرادة السياسية والقرار الأنصب فى أيديهم ومازال السياسى الصومالى فى دور المشاهد والضيف فى المطبخ السياسى الراهن.
شهدنا بمولود ولايات فيدرالية قبل سنوات وربما نسمع فى غضون الساعات القادمة بمولود ولاية جديدة ويتزايد عدد الرؤساء والمجالس الشعبية ولا يحصى عدد النواب حيث عينت كل ولاية ما يقارب مائة نائب إضافة الى الوزراء ونواب الوزراء ووكلاء الوزراء وألاف من موظفى الأجهزة الإدراية ورغم كل ذلك لا تقدر ولاية واحدة على أن تتكفل بموازنة إدارتها وصرف رواتب موظفيها…..ومما زاد الطين بلة أشعلت الولايات الفدرالية النزعة القبلية التى دمرت الصومال وأحرقت الأخضر واليابس طيلة العقود الماضية ولم يعتبر السياسيون بدروس الماضى..
تتطلب المقومات الأساسية لديناميات الإجتماعية القبلية الصومالية على أن تحصل كل فرع من فروع القبيلة حصتها فى العمل السياسى ولا يمكن بإقناع كل بطن من بطون القبيلة التى تسعى لحصول نوابها ووزرائها وسفراءها..وترى أن الأمور تسعى أن تمتلك كل أسرة عزبة سياسية فى الساحة الصومالية ومن المؤسف والإشمئزاز أن تتمثل حدود الولايات على حدود العشيرة ومراعى أنعامها.. وعلى هذا الأساس تندلع الحروب والمشاجرات بين أبناء بلدة واحدة عاش سنين وقرون كإخوة وأخوال جمعتهم الأعراف والمصاهرة ..وآخر دليل نستنبط من هذه الفتنة ما يجرى فى جالكعيو عاصمة إقليم مدج المقسمة الى شطرين وفى تحت نظام ولايتين متصارعين والضحية لهذا العمل المعتوه هو هذا الشعب المغلوب على أمره.
فى ظل هذه الفوضى السياسية الجنونية والضحك الدولى على التطفل السياسى الناتج عن الأزمة الصومالية. غابت السيادة والهيبة عن الحكومة المركزية وضاعت قدسية رئيس الجمهورية الشخصية والقانونية.. ودستور الجمهورية ليس له أية فعالية وإعتبارية وأصبح منسوخا، نسخته الدساتير الإقليمية القبلية…
حولت حمى الفدرالية جميع العلاقات الإجتماعية القبلية الى علاقات ذات النمط السياسى المتصارع… وهمشت التنشئة القومية والوطنية الى إنتماءات هشة قائمة على بقعة إقليمية ذات إنتماءات عشائرية…ووضعت حدودا جغرافية وهمية قسمت الأمة الى كونتونات صغيرة، غيرت المجرى الإجتماعى القائم على العرف القبلى المعمول منذ عقود مارسه الصوماليون لحل مشاكلهم.. وكل قضية كانت لها قواعد وضوابط محكمة تتعامل بها القبائل فيما دار بينها فى الحرب والسلم…وقيدت التدافع الإجتماعى المستقل الذى إتسم به هذا الشعب منذ سنين حيث كانت حياته قائمة على التنقل والترحال وبحث الكلأ والماء للنوق والماشية… وكان للعرف التقليدى حصانة تحمى أفراد الأسرة فى حالته المعتدى والمعتدى عليه…
تمر الحالة السياسية فى البلد فى لحظات المخاض العسيرة حيث تجرى عملية إنتخابات نواب الشعب وأعضاء المجلس الأعلى أو مجلس الشيوخ وكلا المجلسين فى إختبار صعب لإنتخاب رئيس الجمهورية….والولايات الإقليمية لها باع وأيدى خفية فى تعيين النواب…لا نعرف مدى مصداقية تلك الإجراءات ومدى مساهمة الجهود فى تكوين الشخصية الصومالية الجريحة وأسدية الدور الصومالى فى القارة السمراء…والى متى يتفرج المواطن الصومالى على هذه المسرحيات الهزيلة التى زادت التخلف وجعلت الصومال مستعمرة مستباحة للمنظمات والمافيا الدولية والإقليمية.
نأمل بميلاد شخصية صومالية ذات بعد قومى ووطنى يتمثل بإنتمائه الصومالى العريق المتنعم بإسلاميته الحضارية ومدرك بركائزه العربية والأفريقية والدولية…
وتحية للصومال الجريح والشعب المقهور الذى لا تتحيره مصائب الأمم …المتحدى عن الإنكسارت والكابوس والتيه … وغدا فجر جديد مع صباح ميمون.
بقلم/ عبد الرحمن شيخ محمود الزيلعى
تعليقات الفيسبوك