تمهيد:

عقدت الحكومة الصومالية الفيدرالية في اليوم 15 من شهر أبريل عام 2017م مؤتمرا تشاوريا استمر ثلاثة أيام في العاصمة الصومالية مقديشو، وشارك في هذا المؤتمر بشكل كبير جميع رؤساء الإدارات الإقليمية التابعة للحكومة الإتحادية، حيث تباحث المسؤولون في جلساتهم بهذا   المؤتمر خلال الأيام الثلاثة مجريات الأحداث في الصومال السياسية والأمنية.

وسلط المشاركون في هذا المؤتمرالأضواء بشكل خاص على مواضيع رئيسة نظرا للظروف التي تزرح بها الصومال حاليا، منها: الجفاف الذي ضرب حينذاك على معظم المحافظات الصومالية، وإجراء تغيير شامل على مباحثات الأمن القومي الصومالي للقضاء على الجماعات المتشددة التي تعيق جهود الحكومة الصومالية والإدارات الإقليمية التابعة لها حيال توفير الأمن والاستقرار في المناطق الصومالية برمتها.

وقام المسؤولون في نهاية المطاف بتشكيل مجلس للأمن القومي الصومالي كما ينص البيان الختامي الصادر من هذا المؤتمر التشاوري في العاصمة الصومالية بتاريخ 17\ 04\ 2017م.

وبموجب البيان الختامي الصادر من مؤتمر المسؤولين فإن المجلس الأمن القومي يتكون من مسؤولي الحكومة الصومالية الفيدرالية بما فيهم وزير الأمن، وزيرالشؤون الداخلية وقادة القوات الصومالية المسلحة بمختلف أجهزتها، بالإضافة إلى رؤساء الإدارات الإقليمية التابعة للحكومة الإتحادية، وأجهزتها المكلفة للأمن الإقليمي.

ويترأس المجلس الأمن القومي على المستوى الفيدرالي رئيس الجمهورية الصومالية محمد عبد الله فرماجو بصفته القائد الأعلى للقوات الصومالية المسلحة، بينما يرأس كل من رؤساء الأقاليم المجلس المصغر المكلف لأمن ولايته المحلية.

واتفق المسؤون أيضاء بإجراء مؤتمر المجلس الأمن القومي الصومالي مرة كل ثلاثة أشهر في العاصمة الصومالية والمدن الرئيسية للولايات الإقليمية، وذلك لدفع مسيرة الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في الصومال إلى الأمام.

وتم بعد ذلك إجراء مؤتمرات عدة للمجلس الأمن القومي الصومالي في هذه المدينة أوتلك وسط خلافات حادة كانت تطرأ على الساحة السياسية الصومالية بفعل التجاذبات والنزعات السياسية التي تدور بين الدول ذات النفوذ الكبيرة في الصومال.

وفي هذه الصفحات نسلط الأضواء على مؤتمرات مجلس الأمن القومي الصومالي وكيف أصبح العديد من بنوده حبرا على ورق قبل أن تجف الأوراق التي وقع عليها.

لفتة إلى مؤتمرات مجلس الأمن القومي:

وبحسب المواقع الإعلامية الصومالية فإن مجلس الأمن القومي الصومالي عقد منذ إعلانه بمقديشو في 17 من شهر أبريل عام 2017م ،عدة مؤتمرات صدر الكثير منها بيانا ختاميا من بنود عدة يظهر منها مدى الخلاف السياسي بين أطراف مجلس الأمن القومي.

وكانت معظم البنود الصادرة من جلسات مؤتمر المجلس الأمن القومي الصومالي تبدي في طياتها الخلافات الحادة السياسية بين مسؤولي الحكومة الصومالية وبين رؤساء الإدارات الإقليمية التي تنظر القضايا المعروضة على مائدة المفاوضات بمنظار قاتم يبدي لها بأن الحكومة الصومالية تخطط سحب البساط من تحت أقدامهم لإغراض منها تعيين من يكون طوع أمر الحكومة الصومالية في مناصبهم بدلا منهم.

ومن البنود الملفته التي يظهر منها الخلاف العميق الدائر بين أعضاء مجلس الأمن القومي، بنود تقاسم سلطة إدارة البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية واتخاذ القرارات المصيرية في العلاقات الدولية، وبنود تقاسم عائدات الموارد المالية للبلاد ومن له عقد الاتفاقيات مع الشركات الأجنبية التي تقوم باستثمار الموارد المالية للبلاد، مثل ميناء بوصاصو التي تديرها شركة إماراتية تعاقدت مع ولاية بونت لاند المحلية بدلا من تعاقدها مع الحكومة الصومالية التي يخولها دستور البلاد بعقد الاتفاقيات مع الشركات الأجنبية كما يؤكد البعض.

أضف إلى ذلك ما يتعلق باتخاذ القرارات السياسية مثل قرار الحكومة الصومالية الحيادي حيال الأزمة المشتعلة بين دولة قطر وبين التحالف الرباعي الذي قام بفرض الحصار على دولة قطر لمصالح وصفتها الأخيرة بانتهاك سيادتها.

ومن المعلوم بأن الولايات المحلية التابعة للحكومة الاتحادية قامت بمعارضة هذا القرار الحيادي بشكل يبدو منها تنازع في السلطات بين الحكومة الصومالية ورؤساء الإدارات الإقليمية التي تؤكد في تصريحاتها السياسية بأن القرارات المصيرية حول العلاقات الخارجية بحاجة إلى تفاهم بين القوى السياسية في الصومال، ما يعني بأن الحكومة صورية وليست مثل الحكومات الفيدرالية الأخرى التي تمثل الولايات التابعة لها في المحافل الدولية والعلاقات الخارجية وجميع القرارات المصيرية.

وعلى صعيد الأوضاع الأمنية فلا محالة من أن المجلس يكرس جل أوقاته أثناء المؤتمرات بين المسؤولين، مع أن الأوضاع الأمنية في البلاد لا تتحسن منذ تشكيل هذا المجلس قبل عام، وهذا يؤكد بأن بنود الأمن الصادرة من المؤتمرات لا تكون سارية المفعول لأسباب عدة منها:

عدم إيجاد ثقة متبادلة بينهم:

يؤكد المحللون في الشؤون السياسية الصومالية بأنه لا يوجد رؤية جامعة وأهداف واضحة بين الأعضاء في المجلس الأمن القومي الصومالي سوى إجراء اجتماعات في هذه المدينة أوتلك لإصدار بيانات معسولة وبراقة تخدر عامة الشعب مع أنها تحمل في طياتها الخلاف المحتدم وعدم الثقة بينهم حسب قراءة المثقفين ووجهاء الأمة.

وكما هو معلوم لدى الكافة فقد اتفق المجلس في جلسته الأولي عام 2017م بتشكيل جيش وطني قوامه 18 ألف جندي، لتحظى كل ولاية بثلاثة آلاف من هؤلاء الجنود.

ويبدو من هذا البند بأن كل ولاية تشعر قلقا بالغا من الأخرى بحيث تخاف من أن تطغى عليها إذا حصلت على عدد فائق من حصتها في الجنود.

الحرص على المصالح الخاصة بدلا من المصالح العامة:

ووفقا لمصادر قريبة من جلسات مجلس الأمن القومي فإن الجميع منهمكون بمصالحهم الخاصة بدلا من المصالح العامة، حيث ينظرون من البنود التي تطرح على بساط البحث مصالح حول بقائهم في عرش السلطة التي يتربعون عليها حاليا.

وذا شعر واحد منهم بأن واحدا من هذه البنود يتنافى مع مصالحه ضمنيا أوعلنيا يعارض هذا البند متعلا بأعذار واهية حتى وإن هو ملائم بالمصالح العامة للبلاد والشعب الصومالي، لأن مصلحته الشخصية مقدمة من جميع المصالح.

وتؤكد هذه المصادر القريبة من مجلس الأمن القومي الصومالي بأنه من الممكن في بعض الأحيان تعديل جميع البنود الأخرى المتفقة عليها لبند واحد تنافى مع مصلحة شخصية لواحد من هؤلاء المسؤولين البارزين من الحكومة الصومالية الفيدرالية، أورؤساء الإدارات الإقليمية التابعة لها.

ختاما :

بذلت أوقات كثيرة في عقد مؤتمرات مجلس الأمن القومي الصومالي وذلك لتعزيز التعاون السياسي والأمني والاقتصادي بين المؤسات الفيدرالية وتفعيل بل وتنشيط العمليات العسكرية الرامية إلى إحلال الأمن والاستقرار في الصومال ولكن يبدو بأن المجلس لم يحقق أهدافه رغم الجهود الكثيرة المبذولة والأوقات الطويلة المهدرة وذلك لتباين وجهات نظر الأعضاء وعدم إيجاد رؤية واضحة وأهداف مشتركة بين الأعضاء لتحقيق الأهداف التي من أجلها تم تشكيل هذا المجلس الذي بيدو من اسمه بأنه مكلف لدراسة الأمن القومي والقضاء على الجماعات المتطرقة المناهضة للحكومة الصومالية الفيدرالية وجهودها حيال احتواء الأزمة المتكررة في المحافظات الصومالية.

ويدعو الوجهاء والعباقرة أعضاء مجلس الأمن القومي إلى بذل أوقات طويلة في بناء الثقة المتبادلة بنهم بدلا من تفويت الوقت في إجراء مباحثات ومناقشات حادة وإصدار بيانات تحمل في طياتها خلافات سياسة محتدمة بين المسؤولين البارزين لتكون الجهود المبذولة في سبيل المهمة الموكلة لهم مثمرة وتكون البنود الصادرة من جلساتهم سارية المفعول.

بقلم/ محمد محمود (رمضان)

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.