“مشكلة الصومال الغربي وأثرها على العلاقات العربية الإفريقية 1960-1988م” للمؤلف أ.د. محمد إبراهيم عبدي، هو دراسة مستفيضة عن قضية الصومال الغربي وتأثيرها على العلاقات الإقليمية. الكتاب الذي صدر في 2016 عن دار الفكر العربي بالقاهرة، هو في الأصل رسالة ماجستير نوقشت في التاريخ الحديث بمعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية في 2006.
المؤلف، د. محمد إبراهيم عبدي، الذي يشغل منصب عميد كلية التربية بالجامعة الوطنية الصومالية وأستاذ بجامعة مقديشو، يسلط الضوء على المحطات التاريخية البارزة للقضية وتأثيرها العميق على العلاقات العربية والإفريقية.
يقدم الدكتور السيد عبدالفتاح فليفل، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة والعميد الأسبق لمعهد البحوث والدراسات الأفريقية وعضو مجلس النواب المصري منذ 2018م، هذا الكتاب. في مقدمته، يشير الدكتور فليفل إلى أن الكتاب يعالج مشكلة نحو نصف الصوماليين الذين يعيشون خارج حدود جمهورية الصومال، موزعين بين جيبوتي وإثيوبيا وكينيا، ويقارن بين مظالم الشعب الصومالي الغربي ونظيرتها الفلسطينية.
يتألف الكتاب من خمسة فصول، وفيما يلي نستعرض كل فصل على حدة.
الفصل الأول: التطور التاريخي للقضية
يستعرض هذا الفصل جذور الصراع الصومالي الإثيوبي التي تعود إلى القرون الوسطى، ودور الاستعمار الأوروبي في تغيير خريطة المنطقة لصالح إثيوبيا. يبين الكاتب كيف أن القوى الأوروبية دعمت إثيوبيا بالأسلحة، مما ساهم في تغيير ميزان القوة في المنطقة. من الأمثلة البارزة، الخطاب الذي أرسله منليك ملك شوا إلى جمعية مكافحة الرق في بريطانيا عام 1878، والذي استغل فيه قضايا إنسانية للحصول على أسلحة لتحقيق توسعات إقليمية. هذا يعكس التلاعب السياسي واستخدام الدبلوماسية للحصول على دعم عسكري.
يناقش الكاتب أيضًا معاهدة 1897 بين بريطانيا وإثيوبيا، حيث قدمت بريطانيا أراضي الصومال الغربي كرشوة لإثيوبيا لضمان عدم السماح لفرنسا بالمرور إلى السودان. هذه التحليلات تظهر كيف أن المصالح الاستعمارية الأوروبية كانت تُدير خريطة القرن الإفريقي بما يخدم مصالحها دون اعتبار لحقوق السكان الأصليين.
ومن المعلومات التي أضافها الكاتب في هذا الفصل، أن منليك ملك شوا كتب خطابًا عام 1878 إلى جمعية مكافحة الرق في بريطانيا يطلب عن طريقها من الحكومة البريطانية أن تساعده في محاربة تجارة الرقيق، وكان هدفه الحقيقي الحصول على الأسلحة بغرض التوسع. بينما أشارت صحيفة بريطانية إلى أن الحبشة هي موطن آخر معاقل الرقيق، وهي الدولة الوحيدة في إفريقيا التي مازالت حرة ومستقلة وما تزال تعمل في تجارة الرقيق، حيث يفوق عدد العبيد في عاصمتها عدد الأحرار.
كما انتقد بعض الأوروبيين الذين زاروا المنطقة سياسة محاباة الحبشة وتسليحها، ومنهم السير ألفريد بايس البريطاني الذي زار الصومال عام 1898.
مدينة هرر كانت أهم المراكز الإسلامية في القرن الإفريقي ومثلت حصنًا منيعًا للمسلمين. وقعت في يد إثيوبيا عام 1887 بعد زحف منيليك ملك شوا بجيش مؤلف من 30,000 جندي، وفر أمير هرر عبد الله بن عبد الشكور إلى الصومال الغربي. حول منيليك المسجد الجامع في مدينة هرر إلى كنيسة ونهب الأموال، وهنأ منيليك بريطانيا على فعله.
السيد محمد عبد الله حسن جعل مركز ثورته في بريرة وأجزاء من الصومال الغربي. وحدثت أولى المواجهات بين الدراويش والحبشة عام 1899.
وصلت حركة الدراويش أوج قوتها في سنوات الهدنة بينها وبين بريطانيا. وجد الدراويش فرصة في التغيير الذي حدث بإثيوبيا وتولي الإمبراطور المسلم ليج إياسو عرشها، بينما كانت الدول الاستعمارية مشغولة فيما بينها. أقام السيد محمد علاقات مع العثمانيين وألمانيا، وفي فترة الهدنة حاولت بريطانيا إغراء السيد محمد بالمال وتنصيبه على الصومال ملكًا، لكنه لم يقبل.
بعد عزل الملك المسلم عن حكم إثيوبيا، اتفقت بريطانيا وإيطاليا على القضاء على الثورة الصومالية بقيادة الدراويش، واستخدمت بريطانيا سلاح الطيران في 1920.
إيطاليا اجتاحت إثيوبيا والصومال الغربي، وأعلن موسوليني في 1936 انتهاء الحرب مع إثيوبيا ودمج إقليم الصومال الغربي في الصومال الإيطالي. ولكن الباحث لم يعط الاهتمام الكافي لشرح أن إثيوبيا هي الدولة الوحيدة في القرن الإفريقي التي لم تُستعمر. وفترة استعمار إيطاليا للحبشة كانت الأفضل للمسلمين هناك.
الفصل الثاني: أثر المشكلة على العلاقات الصومالية الإثيوبية (1960-1988)
يتناول هذا الفصل التغيرات الجذرية في سياسات الدولتين وتأثيرها على الصراع. يقدم الكاتب تحليلًا دقيقًا لحرب 1977 وكيف أن التدخل السوفييتي والكوبي كان له الدور الحاسم في هزيمة الصومال. يوضح الكتاب كيف أدى الصراع إلى انهيار الجمهورية الصومالية، مشيرًا إلى أن الدعم السوفييتي الكبير لإثيوبيا كان سببًا رئيسيًا في هزيمة الجيش الصومالي. هذه الحرب تركت آثارًا اقتصادية واجتماعية مدمرة، منها تدهور الشلن الصومالي وظهور جبهات معارضة مسلحة.
تحدث الكاتب أيضًا عن نداء العسكر الذين أطاحوا بمنليك عام 1974 عن ملك إثيوبيا بالاتحاد الكونفدرالي مع كل من كينيا والصومال والسودان، ويتساءل عن مدى جدية هذه الدعوة، مؤكدًا أن هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش أوسع.
كما أشار الكاتب إلى فشل مؤتمر عدن الذي أقيم في مارس 1977 بمشاركة فيدال كاسترو، الرئيس الكوبي، حيث فشلت الوساطة بين محمد سياد الرئيس الصومالي ومنجيستو الرئيس الإثيوبي. تفاصيل ما حدث في اللقاءات موضحة في هذا الفصل.
تناول الكاتب حرب 1977 بتفاصيل دقيقة، موضحًا كيف استأنفت جبهة تحرير الصومال الغربي عملياتها العسكرية عام 1972 وكثفتها في 1977، حيث كانت الحكومة الصومالية الثورية تساند الجبهة. وأشار إلى أن الدعم من الدول العربية والإسلامية والدول الغربية كان موعودًا للصومال إذا ما قاطعت المعسكر الشرقي. لذا، تحرك الجيش الصومالي للصومال الغربي لمساعدة الجبهة على التحرير، وفقدت إثيوبيا 75% من أراضي الإقليم كما أقرت بذلك. ولكن انسحب الجيش الصومالي من الإقليم في مارس 1978 بسبب تدفق الأسلحة والجيش من المعسكر الشرقي إلى إثيوبيا وتناقص الأسلحة والذخيرة لدى الجيش الصومالي، وإلغاء الصومال لمعاهدة الصداقة الصومالية السوفييتية، وتدخل الاتحاد السوفييتي والكوبي واليمن الجنوبي بقيادة الهجوم الإثيوبي المضاد من قبل الفريق فاسيلي إيفانوفيتش بتروف نائب القوات المسلحة السوفييتية والفريق أرنالدو أتشو نائب وزير الدفاع الكوبي.
وأشار الكاتب إلى أن من أسباب انهيار الجمهورية الصومالية فيما بعد كان دخول الصومال لهذه المعركة، مما خلف نتائج خطيرة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كلا البلدين، منها ظهور جبهات صومالية معارضة مسلحة، وكانت الجبهة الديمقراطية لإنقاذ الصومال SSDF بقيادة عبد الله يوسف أولى تلك الجبهات التي ظهرت في 1978. كما أشار إلى تدهور الشلن الصومالي، ولجوء مليون ونصف المليون من اللاجئين للصومال من الصومال الغربي، مما شكل عبئًا على الاقتصاد الصومالي الهش. أما على الجانب الإثيوبي، فقد كبدت الحرب خسائر بشرية واقتصادية كبيرة إلا أنها حظيت بمساعدات ضخمة من الاتحاد السوفييتي، مما خفف عنها العبء.
من الاتفاقات والمفاوضات التي جرت بين الدولتين، أشار الكاتب إلى اتفاقية السلام في 1988 التي استمرت مفاوضاتها عامين بين 1986 و1988، حيث التقى منجستو هيلامريم ومحمد سياد بري في جيبوتي على هامش مؤتمر الإيغاد، ووقع الاتفاق من الجانب الصومالي نائب رئيس الوزراء أحمد محمد فارح، وعن الجانب الإثيوبي وزير الخارجية برهانو بايو. لكن الاتفاق تجاهل المسائل الجوهرية في الصراع، وهي حق تقرير المصير للشعب الصومالي في الإقليم. وتم الاتفاق على بنود عامة من قبيل إعادة العلاقات وإمكانية بحث قضية الحدود المتنازع عليها لاحقًا من خلال طلب أحد الجانبين. وهدف الحكومة الصومالية من الاتفاق كان يتركز على وقف الدعم الإثيوبي للجبهات الصومالية المعارضة، وهكذا انتهجت الصومال سياسة المصالحة مع إثيوبيا بقيادة رئيس الوزراء محمد إبراهيم عقال.
الفصل الثالث: دور جيبوتي وكينيا في الصراع
يحلل هذا الفصل دور جيبوتي وكينيا في الصراع، مع التركيز على حياد جيبوتي ودعم كينيا لإثيوبيا. يشير الكاتب إلى أن جيبوتي اتبعت سياسة الحياد الإيجابي، مدركة أهمية موقعها الاستراتيجي وعلاقاتها الاقتصادية مع إثيوبيا. في المقابل، كانت كينيا دائمًا داعمة لإثيوبيا بسبب قضية مقاطعة الحدود الشمالية الصومالية (NFD)، التي تعاونا فيها لمنع انضمامها إلى الصومال. هذا التحليل يعكس تعقيد العلاقات الإقليمية والتأثيرات التاريخية العميقة على مواقف الدول.
الفصل الرابع: دور منظمة الوحدة الإفريقية في الصراع
يستعرض هذا الفصل مواقف منظمة الوحدة الإفريقية من الصراع، مشيرًا إلى تأييد معظم أعضائها للموقف الإثيوبي. يوضح الكاتب كيف كانت المنظمة تميل دائمًا إلى الحفاظ على الوضع القائم، مما أضعف موقف الصومال. مثال على ذلك هو مؤتمر القمة الإفريقية الذي عُقد في سيراليون في يوليو 1980، اجتمع رؤساء لجنة المساعي الحميدة وكلفوا وزراء خارجيتهم بتقديم توصيات إلى الرؤساء. اجتمع الوزراء في لاجوس في أغسطس من نفس العام وأصدروا توصيات تدعم بشكل مطلق الموقف الإثيوبي، مؤكدة أن أوجادين جزء لا يتجزأ من إثيوبيا.
الفصل الخامس: دور الدول العربية وجامعة الدول العربية في الصراع
يتناول الفصل الأخير دور الدول العربية المجاورة وجامعة الدول العربية في الصراع، مشيرًا إلى مواقف مصر والسعودية والسودان وليبيا واليمن الجنوبي. التحليل يظهر تباين مواقف الدول العربية بناءً على مصالحها الخاصة وعلاقاتها الدولية. على سبيل المثال، دعمت مصر بشكل مستمر الحقوق الصومالية ضد الأطماع الاستعمارية، بينما وقفت ليبيا إلى جانب إثيوبيا ودعمت الجبهات الصومالية المعارضة. هذا يعكس التحديات التي تواجهها الدول الصغرى في الساحة الدولية عندما تتعارض مصالحها مع مصالح الدول الأكبر أو الأكثر نفوذًا. لم يقتصر دعم اليمن الجنوبي لإثيوبيا على الجانب السياسي فحسب، بل شاركت قوات يمنية عسكرية في القتال إلى جانب الإثيوبيين.
النقد والملاحظات:
تنبع أهمية الكتاب من كونه يناقش مشكلة فريدة في القرن الإفريقي لم تحظ بالاهتمام الكافي رغم تأثيرها الكبير على أمن واستقرار المنطقة. ومع ذلك، هناك بعض النقاط التي كان يمكن تناولها بتفصيل أكبر، مثل:
1. دور أوغندا وتنزانيا في القضية: كان يمكن توسيع البحث ليشمل دور هذه الدول في الصراع، خصوصًا أن لهما تأثيرًا في المنطقة.
2. تفاصيل أكثر عن حركة الدراويش ودورها في النضال: تحليل أعمق لهذه الحركة قد يضيف فهمًا أفضل للمقاومة الصومالية.
3. شرح مفصل لكون إثيوبيا الدولة الوحيدة في القرن الإفريقي التي لم تُستعمر: يحتاج هذا الموضوع إلى استكشاف أوسع لفهم كيف تمكنت إثيوبيا من الحفاظ على استقلالها.
4. معلومات إضافية عن حزب نصرالله وقائده إبراهيم حاسي محمود: قد تضيف هذه التفاصيل فهمًا أعمق للحركات التحررية في المنطقة.
5. أسباب عدم انضمام جيبوتي للصومال: تحليل العوامل السياسية والاقتصادية التي حالت دون هذا الانضمام قد يوضح المزيد من جوانب القضية.
انتهى ولله الحمد
د. محمد آدم إسحاق، الأستاذ المساعد بالجامعة الوطنية الصومالية
تعليقات الفيسبوك