وُلد شريف محمود عبد الرحمن (صاحب الثوبالأبيض) في مدينة لوق التابعة حاليا لولاية جوبالاند عام 1904 في جنوب غرب الصومال. بعد حفظه القرآن في طفولته المبكرة، سافر إلى مصر في عام 1923 لمتابعة تعليمه في عهد ثورة مصر ضد الاحتلال البريطاني. كان ذلك أيضًا عندما بدأ الفاشية الإيطالية في الهيمنة على جنوب الصومال، وبدأت تفرض سيا ستها الاستعمارية القسرية في حكم البلاد. أثناء دراسته في جامعة الأزهر، تأثربالسياسة المصرية، والقومية العربية، وافكار جماعة الإخوان المسلمين المبكرة، مما شكل آراءه المناهضة للاستعمار الأوروبي في البلاد. عند عودته إلى الصومال في أواخر الثلاثينيات، عارض حكم الفاشية الإيطالية والسياسات القمعية وأدى تحديه ذلك نفيه إلى مدينة بندرقاسم (بوصاصو). خلال الحرب الإيطالية الإثيوبية (1935-1937)، رفض إصدارفتوى تسمح للجنود الصوماليين بنقض صيامهم أثناء القتال لصالح الإيطاليين وجادل بأن النزاع كان بين دولتين مسيحيتين ولا يهم المسلمين، وأثار هذا الموقف غضب الإيطاليين. بعد هزيمة الفاشية في منطقة القرن الإفريقي خلال الحرب العالمية الثانية في عام 1941، واصل شريف محمود نضاله ضد الإدارة العسكرية البريطانية (1941-1950) وقاوم فرض اللغة السواحيلية في الصومال. جمع العلماء والمفكرين للحفاظ على اللغة العربية وتعزيز الهوية الثقافية الصومالية، مما أدى إلى نفيه إلى مدينة براوي مرة أخرى . هناك، استمر في رفع الوعي العام ومقاومة السياسات البريطانية. انضم شريف محمود إلي رابطة الشباب الصومالي منذ التأسيس عام 1947، وأصبح المتحدث الرسمي باسمها خلال زيارة اللجنة الرباعية في البلاد عام 1948، واستقال منها أواخر عام 1949 لأسباب غير معروفة وأسَّس بدلا منها رابطة الصومال الإسلامية عام 1950.

كانت الرابطة الإسلامية تهدف إلى حماية الصوماليين من التأثيرالغربي، وصدى العلمانية، والتبشير المسيحي بعد عودة الإيطاليين تحت إشراف الأمم المتحدة. خلال هذه الفترة، استفاد المبشرون من الكنيسة الكاثوليكية، والبعثة المينونايتية، وبعثة السودان الداخلية من حرية الدين تحت نظام الأمم المتحدة لتبشير العديد من الصوماليين علنًا وسرًا من خلال مدارسهم وأنشطتهم المتعددة . اعتقد شريف محمود أن إنشاء المدارس العربية والإسلامية يبقى ضروريًا لمواجهة المبشرين المسيحيين. أقام علاقات قوية مع مصر، مما أدى إلى إرسال الأزهر بعثة إلى الصومال عام 1953 وبفضل جهده الفردي ، فتحت وزارة التعليم المصرية في البلاد مدارس مختلفة عام 1954. إلى جانب نجاحه في فتح هذه المدارس، حشد شريف محمود الدعم الصومالي للقضية الفلسطينية خلال ثورتها 1936-1938 ودعم مصر خلال العدوان الثلاثي في عام 1956 بجمع التبرعات والتقى بالرئيس جمال عبد الناصر وأنور السادات، بصفته رئيس منظمة التضامن الإسلامي آنذاك. كانت علاقته مع الدول العربية مصدر قلق للسلطات الإيطالية، التي اتهمته بالدفع لعضوية الصومال في الجامعة العربية، وهو هدف تحقق في عام 1974.

كان شريف محمود شخصية رئيسية في المرحلة الثانية من إحياءالدعوة إلى الإسلام في الصومال (1950-1967)، حيث ركز على التعليم الإسلامي العام والوعي الديني. يمتد نشر الإسلام النشط في الصومال تاريخيًا عبر أربع مراحل. تشمل المرحلة الأولى انتعاش الطرق الصوفية، التي أعادت تنمية الروحانية الإسلامية من خلال الممارسة الدينية المتوافقة مع الشريعة والاتباع على تعاليمها من القرن التاسع عشر حتى عام 1950. خلال هذه الفترة، انتشرت تعاليم الإسلام بشكل واسع وصمدت في مواجهة القوى الاستعمارية باستخدام الوسائل المتاحة السلمية وغير السلمية. قادة المقاومة المسلحة البارزون شملوا الشيخ أحمد غبيو، السيد محمد عبد الله حسن، الشيخ بشير إسماعيل، الشيخ حسن برسني، الشيخ عبد غفلي، ومعلم مرسل عبدى يوسف. قاد الأساتذة الصوفيون من طرق القادرية والأحمدية وعلماء الإسلام الآخرون المقاومة السلمية في المجتمعات الزراعية والمستقرة في جنوب الصومال.

قاد شريف محمود المرحلة الثانية من إحياء الدعوة إلى الإسلام، مواصلا نهج حاج اومار المؤسسي الذي بدأ بتأسيس المنظمة الإسلامية الصومالية في عام 1925 ولكنه توقف بعد نفيه ووفاته في عام 1949. ركزت الرابطة الإسلامية على دمج التعليم الديني  غير النظامي مع التعليم النظامي الرسمي المعتمد باللغة العربية لمواجهة التأثيرات الاستعمارية. تميزت هذه الفترة بتأسيس المؤسسات التعليمية التي تعزز القيم الإسلامية وترسخ فهمًا أعمق للإسلام. شهدت المرحلة الثالثة (1967-1978) نمو نشر الإسلام من خلال منظمات أهلية معروفة مثل (النهضة)، والأهل، والوحدة، مما أرسى الأساس لحركات إسلامية أكثر تنظيمًا في عهد السبعينيات. المرحلة الرابعة شملت صعود وتوطيد الحركات الإسلامية التي تدافع عن تطبيق الشريعة الإسلامية في الدولة والمجتمع. تتبع الحركات الإسلاموية الحالية جذورها إلى الجهود التي بدأت في الخمسينيات واحتُضنت من خلال المدارس العربية والمنح الدراسية في الجامعات العربية.

كان أحمد شيخ موسى، وهو خريج جامعة الأزهر في الخمسينيات والذي أسس معهدًا إسلاميًا في برعو، أيضًا قائدًا في تقديم رؤية إسلامية في الصومال بجانب الرابطة الإسلامية  القوية في الجنوب . أسس حزب الله ، الذي تبنى فكر الإخوان المسلمين، داعيًا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع جوانب الحياة ، بما في ذلك السياسة. ألف أحمد كتابًا بعنوان “حزب الله وحزب الشيطان” لنشر أفكاره. تعلم قادة الرابطة الإسلامية دروسًا من تجربة العلماء الأوائل في المقاومة ضد الاستعمار، واستخدموا طرقا جديدة لتعزيز الهوية الإسلامية من خلال التعليم والثقافة والحفاظ على اللغة العربية كلغة رسمية للصومال. في السنوات الأولى من رابطة الشباب الصومالية، كانت العربية تعتبراللغة الرسمية، وكانت مدارس رابطة الشباب الصومالية تعلم الطلبة اللغة العربية إلى جانب الإنجليزية، معارضة عودة الحكم الإيطالي. سعت رابطة الشباب الصومالية إلى مساعدة من رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس في عام 1949 لتعزيز الهوية العربية والإسلامية في البلاد من خلال التعليم النظامي. استجابت مصر من خلال تقديم مساهمات مباشرة في قطاع التعليم في الخمسينيات، متخوفة من أن عودة إيطاليا قد تغلق مدارس رابطة الشباب الصومالية التي توفر التعليم الأساسي.

شجعت الإدارة العسكرية البريطانية (1941-1950) هذه المدارس على كسر احتكار التعليم للبعثة الكاثوليكية. كانت استجابة مصر لطلب رابطة الشباب الصومالية (SYL) سريعة وإيجابية في نفس الوقت، حيث منحت خمس وعشرون منحة سنوية لخريجي مدارس رابطة الشباب الصومالية. بالإضافة إلى ذلك، أرسلت مصر اثنين من علماء الأزهر الكبار لتعزيز الإسلام واستكشاف المزيد من الفرص للتأثير المصري في الصومال. وقعت مصر اتفاقًا مع السلطة الإيطالية المشرفة لإنشاء مدارس تابعة لبعثة الأزهر في الصومال بناءً على مبادرة من كمال الدين صالح، الذي كان العضو المصري في المجلس الاستشاري للأمم المتحدة،. ونتيجة لذلك، تم إرسال ستة من علماء الأزهر، بما في ذلك المعلمين والدعاة، إلى الصومال في عام 1953. رحبت رابطة الشباب الصومالية بهذه العلماء، وأصدرت بيانًا تعلن العربية كلغة رسمية للرابطة وجميع الصوماليين، مؤكدين أنها هبة إلهية إلى الإسلام . رأى العديد من أعضاء رابطة الشباب الصومالية والعلماء الصوماليين وصول علماء الأزهر كخطوة حاسمة نحو تفعيل التعليم الإسلامي النظامي في الصومال .

في هذا السياق، زادت الرابطة الإسلامية الوعي الاجتماعي بين الصوماليين من خلال الندوات والمحاضرات واقامة الفعاليات العامة حول القضايا الوطنية وأهمية الوحدة والاستقلال والكرامة. كان هدف قادة الرابطة تعزيز العلاقات مع الدول العربية، معترفين بأهمية الدعم العربي في مواجهة التحديات الاستعمارية. في الخمسينيات، ركزوا على تعزيز التعليم باللغة العربية لمواجهة انتشار المدارس التي تستخدم اللغة الإيطالية بعد عودة الصومال إلى الإدارة الإيطالية تحت إشراف الأمم المتحدة. كان الصوماليون يخشون ارتباط التعليم الاستعماري بالتحول إلى المسيحيةوالخروج عن الإسلام. عارض العلماء أيضًا الأنشطة التبشيرية التي تنشر المسيحية من خلال التعليم ورفضوا كتابة اللغة الصومالية بالحروف اللاتينية أو الحروف العثمانية المحلية، معتبرين تلك المساعي خطوات متقدمة نحو العلمانية. خلال تلك الفترة، كانت جميع الجهود تهدف إلى حماية الأطفال الصوماليين من التحول إلى المسيحية واستمر الجدل حول نص لغة الصومالية بين مؤيدي النص العربي وأنصار النص اللاتيني حتى اعتمد النظام العسكري الأبجدية اللاتينية في عام 1972.

تحت قيادة شريف محمود، اتخذت الرابطة الإسلامية خطوتين رئيسيتين لتحقيق أهدافها. أولاً، دعت إلى تثبيت اللغة العربية كلغة رسمية للصومال وذلك من خلال تقديم عريضة موقعة من شريف محمود عبد الرحمن وقادة صوماليين آخرين إلى السلطات الإيطالية، ومجلس الأمم المتحدة الاستشاري في نوفمبر 1950، تطالب فيها تأكيد اللغة العربية كلغة رسمية للحفاظ على الهوية الثقافية والدينية للصومال. ثانيًا، سعت الرابطة الإسلامية للحصول على دعم من مصر والجامعة العربية لتأسيس مدارس باللغة العربية وتوفير منح دراسية للطلاب الصوماليين في الجامعات المصرية. تعاونت مصر الثورية، بقيادة جمال عبد الناصر وكمال الدين صالح، مع الرابطة الإسلامية لتأسيس وتعزيز هذه المدارس. بحلول عام 1958، تم افتتاح أكثر من 15 مدرسة في جميع أنحاء الصومال، مع مدارس ثانوية بارزة في مقديشو، “مدرسة الله”، التي أخرجت العديد    من القادة والضباط الصوماليين. بالإضافة إلى ذلك، تم منح حوالي 200 منحة دراسية لخريجي الصومال بين عامي 1952 و1959.  في الخمسينيات، أثارت الأنشطة التبشيرية المسيحية المتزايدة بعد عودة إيطاليا وعيًا متزايدًا بالإسلام وأهمية دوره في الحفاظ على الهوية الثقافية للأمة. أدى ذلك إلى وجود منافسة شديدة بين البعثات المصرية والمبشرين المسيحيين. تزامن تأسيس بعثة الأزهر في عام 1953 مع وصول البعثة المينونايتية، وتزامن إدخال نظام المدارس المصرية الحديثة مع وصول بعثة السودان الداخلية في عام 1954. كما وسعت الكنيسة الكاثوليكية برامجها التعليمية خلال هذه الفترة.

أصدرت إيطاليا تراخيص للبعثات المسيحية تحت ستار ضمان ميثاق الأمم المتحدة لحرية الاعتقاد، مما أعاد إحياء ذكريات الصراعات السابقة مع الاستعمار ومعارضة التعليم الحديث. كان لشريف محمود والرابطة الإسلامية تأثير كبير على تاريخ الصومالولعب دورًا رئيسيًا في صعود الحركة الإسلاموية من خلال تأسيس مدارس للغة العربية وتوفير المنح الدراسية للطلبة الخريجين من تلك المدارس. اكتسبت هذه الحركة زخمًا في الستينيات، وساهمت في اندماج الصومال في العالم العربي. أدى انتشار مدارس اللغة العربية وظهور النخب الناطقة بالعربية، خصوصًا في الجيش، إلى انضمام الصومال إلى الجامعة العربية في عام 1974. عزز هذا التوافق الروابط السياسية والثقافية للصومال مع الدول العربية، مما دعم الهوية الإسلامية والعربية في المرحلة اللاحقة. لعبت جهود شريف محمود وأنشطة الرابطة الإسلامية دورًا حاسمًا في تشكيل الهوية الصومالية الحديثة، وجسّرت الفجوة بين التبادلات التعليمية والثقافية مع العالم العربي، واستمرت تلك الجهود الحيوية في التأثير على المشهد الاجتماعي والسياسي المعاصر للصومال.

خلال فترة الحكم العسكري، تم حظر منظمات الدعوة إلى الإسلام ،لكن جهود شريف محمود أفرزت نخبًا إسلاموية قادت الصحوة في الصومال، معارضة التغريب والعلمانية. خلال الحرب الأهلية، انتقل شريف محمود إلى مدينة براوة، ثم إلى مومباسا، وأخيرًا إلى القاهرة، حيث توفي في عام 1994 رحمه الله. يجب على علماء الصومال، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى الحركة الإسلاموية، أن يكرموا الرواد الأوائل الذين لعبوا دورًا حاسمًا في إحياء التعليم الإسلامي وحماية شعبنا. هؤلاء الرواد وضعوا الأساس لحفظ ونمو المعرفة الإسلامية، مما يضمن بقاء الأجيال القادمة مرتبطة بدينها وتراثها. لم تسهم مساهماتهم في تعزيز النسيج الروحي والتعليمي للمجتمع فحسب، بل حمتهم أيضًا من التأثيرات الخارجية التي كانت تهدف إلى تآكل هويتهم.

في الختام، يُعتبر الفهم العميق لهذا السياق التاريخي والدور المحوري الذي لعبته الشخصيات الرئيسية أمرًا حاسمًا للأجيال الجديدة من الصوماليين الذين يعملون لإعادة بناء وإعادة تأسيس الدولة الصومالية. إن التعرف على إرث شخصيات مثل شريف محمود والدور الذي قامت به الرابطة الإسلامية يساعد في إلقاء الضوء على الجهود التأسيسية التي شكلت الهوية الصومالية الحديثة والتطلعات الوطنية. لا تفيد هذا العجالة التاريخية القصيرةإنجازات وصراعات القادة السابقين فحسب، بل يقدم أيضًا دروسًا قيمة لمواجهة التحديات المعاصرة وتعزيز الإحساس المتجدد بالوحدة المجتمعية والثقافية للصوماليين .

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.