كنت أسمع في وقت سابق حظر حركة الشباب المجاهدين في الصومال باستيراد المنتجات التركية إلى الصومال، ولكنني لم أكن أصدّق هذا الكلام، وكنت أعتبره ضربا من الدعاية ، والحرب الإعلامية المتبادلة بينها وبين خصومها، ولكنني فوجئت بحقيقة هذا الخبر حين قابلت بعض التجار الصوماليين الذين تمّت مصادرة متنجاتهم التي جلبوها من الخارج، وأخبروني على أن الشباب تتعامل مع المنتجات التركية بصرامة قوية وتشنّ حربا لا هوادة فيه على كل المنتجات التركية في مناطق نفوذ الشباب ومعاقلهم ويشمل هذا الحظر بكل أنواع المنتجات دون استثناء : الأجهزة الإلكترونية والكهربائية ، والأقمشة ، والأحذئة، والأدوية، وأدوات البناء، وكل ما يمتّ بصلة وكأن لديهم جهاز فريق مدرّب على محاربة المصنوعات التركية وقد تواطأت كلمة المتحدّثين معي أن استهداف البضائع التركية أمر مشهور لدى كل التجار وأن جلبها إلى هذه المناطق يعتبر نوعا من المجازفة والمغامرة ، سألتهم : وهل يحاربون ويصادرون المنتجات الأمريكية والأروبية والهندية والإيثوبية والكينية والإماراتية والسعودية في قائمة طويلة من الدّول سردتها؟ قالوا وبحرف واحد: “لا” وكلّا لا يحاربون ولايصادرون منتجات هذه الدول التي ذكرتها بل بالعكس، يشترون منك وبدون تفتيش، وإنما يتأكدون من أنه ليس مصنوعا في تركيا وألا تكون عليه ماركة شركة تركية، فحينئذ تتمّ المصادرة.

سألتهم : هل أوضحوا لكم السبب وراء ذلك ؟ قالوا : نعم، إنهم يقولون : إن تركيا تدعم حكومة الردّة ، وتدرّب جيشها، ومن هنا يجب حربها والحرمان من الاستفادة من السوق الصومالي .

دهشت من هذا الخبر وتابعت التحقيق حيث سألت الكثير من التجار نفس السؤال فتواطأت أجوبتهم وبهذا رأيت الخبر متواترا لا من أخبار الأحاد.

تساءلت لماذا تركيا بالذات ؟ رغم أنها دولة مسلمة ؟ ورئيسها محبوب مليار ونصف مليار مسلم، ويعتبر خليفة المسلمين في هذا الأيام، لما له من مواقف بطولية للقضايا الإسلامية من فلسطين والصومال والروهنجيين والإيجوريين وغيرهم، ؟؟؟ فلم يسعفني الجواب ، حتى برزت أزمة الاقتصاد التركي و انخفاض الليرة التركية أمام الدولار في الآونة الأخيرة واتهام أنقرة دولا خارجية بالوقوف وراء هذا التلاعب بالأسواق التركية بهدف إضرار الاقتصاد التركي و شاهدت بعض المقاطع التي تنشرها مواقع خليجية تقود حملة إعلامية لمحاصرة تركيا اقتصاديا وضرب السياحة التركية في الصيف المقبل ، وتشويش الانتخابات التركية الوشيكة من أجل إجبار الناخبين الأتراك للتصويب ضد حزب العدالة والتنمية الذي يتوقّع فوزه الكاسح في الانتخابات التركية .

ثم ربطت الخبر بالحدث المستجّد في تركيا وأعطاني خيط اللغز المحيّر حتى أستطعت أن أقوم بحله، وأدركت أن المعركة ضد تركيا تشعّبت وعبرت الحدود حتى وصلت إلى القارة السمراء حيث الصومال كانت سوقا حصريا لبعض دول الخليج العربي التي أحاطت عليهاسياجا من الحصار حتى تكون هي المنفذ االوحيد ومن هنا فإن دخول تركيا في الصومال يعتبر مساسا لثروات هذه الدول والمنافسة التجارية في الأسواق الأفريقية لن يكون بدون تضحيات وتصفيات ومن هنا بات واضحا أن نفس الجهات والدول التي تحارب تركيا سياسيا واقتصاديا على أراضيها تدير أيضا معركة خارج حدود تركيا وهذه القوى تتوجّس من نفوذ تركيا الإقليمي و الدولي المتصاعد وتنامي اقتصادها بشكل سريع حيث سجّل ثاني أسرع معدّل نمو اقتصاديّ في العالم نهاية العام الماضي 2017 م كما أنها تستثمر البنية التحية وبمشاريع حيوية وعملاقة مثل المطارات والموائي كما الحال في الصومال والسودان وتعتبر هذه الدول أن صعود الدور التركي في الشرق الأوسط والعالم يشكّل تهديدا على كيانها ويقلل من أهمية هذه الدول إقليميا ودوليا كما يثير مخاوف هذه الدول والكيانات ما تتمتع به تركيا من موقع جغرافي متميز حيث تمثل الجسر الذي يربط بين الشرق والغرب كبرى القارات في العالم أسيا، والقارة العجوز وأروبا فهي مدخل أروبا، وبوابة الشرق و العالم الإسلامي كما أن لها تاريخ عريق في قيادة العالم الإسلامي في ظل الإمبراطورية العثمانية الإسلامية و لا شك أنه لدى أحفاد الأباطرة العتثمانيين طموح وتطلع إلى إحياء مجد أجدادهم وتولي زمام المبادرة من جديد في ريادة العالم الإسلامي .

والسؤال هنا إذا كان حركة الشباب تزعم أنها تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية على الصومال فإعادة الخلافة الإسلامية للمسلمين من أجل سيادة أحكام الله سبحانه وتعالى وقوانينه وتنفيذ أحكامه وحدوده على المسلمين فلماذا إذا تحارب الحكومة التركية ومشروعها الرامي إلى تحرر المسلمين اقتصاديا وسياسيا من الهيمنة الغربية؟ ولماذا إذا تتوافق رؤيتها مع الرؤى الغربية المعادية لتركيا والإسلام، والتي تسعى إلى إطاحة نظام أردوغان الذي تنعته بالخليفة العثماني والزعيم المارد الذي يريد أن يحيي في فكرة وحدة المسلمين ، وهي تبذل قصارى جهدها من الإزاحة به ليحلّ محله نظام عميل للصهاينة والغرب منزوع من الوازع الديني والنخوة والشهامة كما هو حال أغلب الأنظمة الكرتونية التي تتربع عروش العالم الإسلامي؟ لا أجد جوابا أكثر وضوحا وصراحة من أن الحركة مدفوعة الثمن ومأجورة للقيام بهذا العمل الخسيس والتمييز العنصري البغيض والكيل بمكاييل متعددة ومنخرطة في صراع وحرب مع تركيا نيابة عن قوى معادية لها و أنظمة تحركها من وراء الكواليس تنفذ أجنداتها ومخططاتها وهي في المقابل تقدم لها دعما ماديا و معنويا لضرب استقرار الصومال وكل الدول التي تريد أن تساعد الصومال من الخروج من نفق الفوضى والفراغ السياسي ، وإضرار الاقتصاد التركي في الصومال ليس سوى جزء من المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى تقزيم تركيا إقليميا ودوليا، وإفشال خططها التنموية، ووضع حد لنفوذها في القرن الإفريقي.

بقلم/ نور الدين خليف

كاتب ومحلل في قضايا القرن الأفريقي

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.