تصدير الغاز الطبيعي في الصومال الغربي ( أوغادين) عرس إيثوبي وسط تغييب لأصحاب الحق الأصليين.
تقترب إيثوبيا من الانتهاء بعمليات تنقيب الغاز الطبيعي في الإقليم الصومالي (أغادين) ذو السلطة المحلية في إيثوبيا ، وكما صرّحت السلطات الإيثوبية فإنها تعتزم بدء تصدير الغاز الطبيعي وسط العام المقبل 2019م عبر ميناء جيوتي إلى قارة أسيا والعالم ، وقدتولى بنك الصين للتنمية بتمويل مشروع استخراج الغاز الطبيعي في المنطقة الصومالية التابعة لإيثوبيا وقد حصلت شركة صينية تدعى POLY GCL بترخيص من الحكومة الإيثوبية للقيام بعمليات النتقيب والحفر وإعداد الغاز للتصدير مع مدّ خطوط الأنابيب التي تربط الحقل بميناء جيبوتي بمسافة تمتدّ بحوالي 700 كيلومتر وتقول المصادر إن جيبوتي بحد ذاتها قامت بتأمين أربع مليارات دولار لبناء المرفأ الذي يتمّ تصدير الغاز منه وتجهيز المصافي للغاز في منطقة (dameer joog) والتي تقع في الضاحية الجنوبية للعاصمة الجيبوتية.
جدير بالذكر أن حقول الغاز الطبيعي في الإقليم تم اكتشافها عام 1972م من قبل شركة أمريكية تسمى tenneco وكانت تقوم بعمليات استطلاع النفظ والغار في إيثوبيا ولكنه تمّ طردها من البلاد من قبل نظام الدرقي الشيوعي وفد انحازت الحكومة الإيثوبية بقيادة ملس زيناوي إلى التعاقد مع الصين لاستكمال إجراءات تنقيب الغاز في الحقل المكتشف على حساب الشركات الغربية و والشركة الأمريكية وهذا ما يعزى إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على إيثوبيا أثناء حكم ملس و انحياز الغرب إلى المطالب الشعبية والثورة التي قامت ضد سياسات الحزب الحاكم والتي أجبرت باستقالة رئيس الوزراء وإزاحة صقور الحزب الحاكم عن المشهد السياسي الإيثوبي ..

وبهذا الحدث تدخل إيثوبيا في مصاف الدول الغنية بالغاز الطبيعي حيث تقول التقديرات بأن احتياط الغاز لهذه الحقول التي يتمّ تشغيلها لاحقا من العام المقبل يزداد عن أربعة مليارات متر معكب مما يجعل إيثوبيا قوة صاعدة لا ينافسها أحد في القرن الإفريقي بالإضافة إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي الذي تشهدها حاليا وقريبا قررت الحكومة في خصخصة المؤسسات الحكومية وشركاتها من أجل تنشيط حركة السوق الإيثوبي و تشجيع القطاع الخاص ومحاولة لجلب الإستثمارالأجنبي . ولا شكّ أن إيثوبيا التي تتصدر قائمة الدول التي ينمو اقتصادها في القارة السمراء ستشهد نموا اقتصاديا كبيرا ويتضاعف ناتجها القومي كما تتنوّع مصادر الدخل لديها .
ولا شك أن هذا العرس الإيثوبي يتزامن في وقت أبناء الإقليم الصومالي في وضع لا يحسد عليهم من الضعف و الوهن والانقسام والتمزّق حيث هناك صراع محموم على سلطة الإقليم وسجال محتدم بين أعضاء الحزب الحاكم في الإقليم أصدقاء أمس وأعداء اليوم، بالإضافة إلى تجاذب واضح بين نفوذ التقراي القديم المتمثل بجنرالات الجيش وبين النفوذ الأرومي الجديد ذو الطابع الديمقراطي الذي لم تتضح ملامحه بعد ونواياه تجاه الإقليم الصومالي الذي يشترك مع الإقليم الأرومي حدودا طويلة معظمها متنازع عليه مما يؤدي إلى اشتباكات بين القوميتين في كثير من الأوقات..
وعلى صعيد الجبهة الوطنية لتحرير أغادين و التي قادت نضالا مسلّحا استغرق بعضة عقود لتحرير الإقليم واستقلاله من إيثوبيا فقد تلقت ضربات موجعة من قبل المليشات المحلية التابعة لسلطة الإقليم مما أفقد الكثير من قياداتها الميدانيين كما الخلافات دبّت فيها وأدت إلى ضعفها وانقسامها والانشقاقات في صفوفها كما أن فقدت الكثير من نصيرها الشعبي بسبب طول الأمد وقلة الإنجازات التي يمكن استثمارها أمام رأي الشارع المؤيد لها كما أن الكفاح المسلّح ملكف يزهق الأرواح ولهذا فإن الكثير من أعضائها تخلّوا عن السلاح كما انخرط بعض أجنحتها مفاوضات مباشرة مع الحكومة الإيثوبية وهذا يخالف نهجها المسلح الرافض أي تنازل للحكومة الإيثوبية، 
ومع ذلك فقد حالت دون استخراج الغاز والنفط من الإقليم قبل هذا التوقيت فلم تتجرأ أي جهة من الإقدام والمغامرة في استثمار هذه الثروة أيام قوة الجبهة وخير دليل على ما قلت الهجوم الكاسح الذي شنّت على مقرّ الشركة الصينية التي كانت تعمل باستطلاع حقول نفطية في منقطة (cobolle) قرب مدينة طجحبور عام 2007م حيث قتلت المنهدسين الصينيين والحراس والعمال الإيثوبيين مما أجبر على الشركة الانسحاب من المنطقة ومراجعة حساباتها تجاه الاتفاقيات التي أبرمتها مع الحكومة الإيثوبية .
والمؤسف في هذا الوقت أنه ليست هناك سياسة واضحة حول تقاسم هذه الثروة الطبيعية ولا قانون يحدد النسبة التي تحصلها أديس أبابا ولا الحصة التي يأخذها الإقليم رغم ما سيتلقاه الإقليم وسكانها من أضرار بيئية بالغة الخطورة ويضع علامة استفهام عريضة على حياة الملايين من الصوماليين الذين يعيشون في هذه المنطقة ، وكان من حقهم أن يحصلوا على تعويضات لهذه الأضرار التي تصيبها بسبب انتاج هذا الغاز التي يؤثر سلبا على المزارع والمراعي في مجتمع يعتبر الرعي عصب حياته وتأمين حياتهم ومستقبلهم قبل بدأ التصدير.
والسؤال المطروح هنا هل سيبقى الصوماليون في الإقليم على هذا التشرذم مما يعطي فرصة للساسة الإيثوبيين بابتزازهم والاستغلال من ثروات الإقليم بدون قيود أو ضوابط أو قوانين ؟.
أم سيتفيقون من هذا السبات قبل فوات الآن ويدخلوا متحدين مفاوضات جادة مع دوائر صنع القرار في إيثوبيا لإعادة الاعتبار للصومالي والحيلولة دون الاستغلا ل من ثرواته دون بروتكولات تحكم هذا الاستغلال؟
قْضى َ الأمْرُ حينَ تَغيبُ تَيْمٌ : وَلا يُسْتَأمَرُونَ وَهُمْ شُهُودُ.

 

بقلم : نور الدين خليف

كاتب ومحلل في قضايا الشرق الأفريقي

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.