بقلم / د. محمد حسن نور، أستاذ بجامعة مقديشو
مر حكم المسلمين –بعد النبوة والخلافة الراشدة- بمراحل مختلفة من الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية، ودول وإمارات في أزمنة وأمكنة ومراحل مختلفة. والعثمانيون (الذين هم سلاطين الدولة العثمانية) قبيلة من القبائل التركية تدعى قابي والتي نزحت من الاستبس في أواسط آسيا إلى الأناضول غربا تحت قيادة أرطغرل، وامتد حكمهم أكثر من ستة قرون. ينطبق على حكم العثمانيين ما ينطبق على حكم الأمويين والعباسيين.
والأكراد عنصر أصيل وفعال في الأمة الإسلامية، ولهم إسهاماتهم القوية في خدمة المسلمين عند خذلان الآخرين، والأمة الإسلامية تعترف لهم ذلك الفضل على أساس الدين والأخوة الإسلامية لا على أساس العرق. وبعد انهيار الدولة العثمانية أصبح الأكراد من أكثر شعوب العالم تعرضا للظلم، حيث قسمتهم اتفاقية سايكس – بيكو إلى أربعة أقسام في (تركيا، العراق، إيران وسورية)، وحرمتهم من إقامة دولة قومية لهم عند ما سمحت للآخرين.
إن ما يغيب عن بال الكثيرين قصدا أو عن غير قصد أن العنصر التركي أكثر من تعرض للظلم في العصر الحديث، هذا فضلا عن إسقاط الخلافة العثمانية التي كانوا يقودونها، والتكالب عليهم عسكريا من جميع أنحاء العالم، والاتفافيات المجحفة في حقهم، وتحميلهم ما لا يستطيعون تحمله، وتصويرهم عند العرب مستعمرين وتضمين ذلك في المناهج الدراسية، فإنهم وزعوا وشتتوا إلى ما يفوق توزيع الجميع، فهم موجودون في ( تركيا، أذربيجان، كازاخستان، قرغيزيا، أوزبكستان، تركمانستان، جمهورية شمال قبرص التركية، العراق، سوريا، أيران، روسيا، أوكرانيا، الصين، بلغاريا، اليونان، مقدونيا، البوسنك والهرسك، كوسوفو، رومانيا …) إضافة إلى الجاليات في المهجر.
الأتراك وجدوا أنفسهم في هذه الوضعية المفروض عليهم ولم يستشاروا فيها، إلا أن لديهم حاليا دولة تحمل اسمهم والتي تضم قوميات وأجناس مختلفة، في نظري أن هذا الاسم لا يتناسب مع دولة حكمت العالم مرتين، لكنني أعرف من التاريخ القريب وليس البعيد من أين جاء هذا الاسم ومن جاء به، ومن أراد الاستزادة فما عليه إلا أن يقرأ عن “تركيا الفتاة” و “الدعوة الطورانية” و “القومية العربية” … وعند ما كانت هذه الدعوات في أوجها قال الشاعر أحمد شوقي:
يا فِتْيَةَ التُّرْكِ حَيَّـا اللهُ طَلْعَتَكُمْ وَ صَانَكُمْ وَهَدَاكُمْ صَادِقَ الخِدَمِ.
أَنْتُمْ غَدُ المُلْكِ وَالإِسْلاَمِ لاَ بَرِحَا مِنْكُـمْ بِخَيْرِ غَدٍ فِي المَجْدِ مُبْتَسِمِ.
تُحِلُّكُمْ مِصْرُ مِنْهَا فِي ضَمَائِرِهَـا وَ تُعْلِـنُ الحُـبَّ جَمّاً غَيْرَ مُتَّهَمِ.
فَـلاَ تَكُونُنَّ تُرْكِيَّا الفَتـَاةُ وَ لاَ تِلْكَ العَجُوزَ وَ كُونُوا تُرْكِيَا القِدَمِ.
فَسَيْفُهَا سَيْفُهَـا فِي كُـلِّ مُعْتَرَكٍ وَعَدْلُهَا طَـوَّقَ الإِسْـلاَمَ بِالنِّعَمِ
من الصعب جدا تغيير هذا الواقع الذي تشكل باتفاقية سايكس – بيكو، وهو ما لا يستطيعه الأتراك أو الأكراد أو الاثنين، فتغيير هذه الحركة التاريخية يحياج إلى قوانين كقوانين الحركة، وهو ما لا يتأتى حاليا لأية جهة.
كيف يعقل؟
إن العقلية المعكوسة هي التي تلوم الضحية الحقيقية (الأتراك) بهذا الواقع الذي وجد فيه الكثيرون، ومن هذا الكثير الأتراك والأكراد، والأعجب أن الذي تولى كبره (ولا يزال) كفرنسا مثلا، والذين قننوا هذا الوضع كالغرب عموما يريد أن يدين تركيا الضحية وضع إخواننا الأكراد الضحايا، ويريدون منا أن ننساق معهم، إنه من عجائب التاريخ.
نصيحتي لأحبائي الأكراد أن يغيروا البوصلة التي تتمثل في إيجاد دولة قومية لهم، وهو ما لا يمكن أبدا في الظروف الحالية، وأن يتعايشوا مع إخوانهم في الدين والجيرة كما تعايشوا معهم آلاف السنين، ينبغي عليهم أن يقتصدوا فقد أنهكتهم الحروب والاستغلال والاقتتال الداخلي وخلق العداوات.
تعليقات الفيسبوك