قبل الولوج إلى الموضوع ارتأيت أنني بحاجة إلى توضيح بعض النقاط:
- أن إسلام إيران ليس إسلام السواد الأعظم للأمة الإسلامية.
- أنني لا أكنّ لها حبا ولا احتراما.
- أن خطورة إيران على العالم الإسلامي خطورة حقيقية.
منذ زمن انفرط عقد الأمة الإسلامية وانقسمت إلى دويلات تعادي فيما بينها وتوالي الخارج، والقيادة المحتملة للعالم الإسلامي كانت متوقعة من جهتين: من العرب أو الترك بما يمثلانهما من إرث تاريخي إسلامي، لكن هذا الاحتمال لم يسعفه الواقع، فالعرب شغلوا في تأزيم وتكدير صفاء الأمة، أما الأتراك فأبعدوا عن الإسلام قرابة قرن من الزمان وعودتهم –إن أمكنت- تستغرق وقتا آخر.
فكيف يمكن لإيران بإمكاناتها البشرية والمادية المحدودة أن تطمح وتقترب من قيادة العالم الإسلامي، هذا العالم الذي يعاديها ويخالفها في كل شيء تقريبا؟
إن إيران الثورة عاداها العالم كله تقريبا، فتعرضت لكثير من أنواع الأذى من حرب وحصار وتشويه، فالحصار الذي فرض عليها قبل أكثر من ثلاثين عاما رفع عنها جزئيا في هذا العام، ونتيجة لتلك الإجراءات القاسية خسرت إيران الكثير والكثير من الأرواح والممتلكات والسمعة، فأين إيران اليوم بعد كل هذه التحديات؟ هل سقطت؟ هل استسلمت؟ هل انحسرت؟
قرر الإيرانيون منذ البداية بناء إيران التي يريدونها من القمة إلى القاعدة، وسنوا التشريعات التي يريدونها دون أدنى اعتبار للعالم الذي يعاديها، وسلكوا طرقا مختلفة لكسب الأصدقاء وتقليل الأعداء، فكان المد والجزر في ذلك، فإلى وقت قريب كانت إيران إحدى دول محور الشر الثلاث، لكنها تحدت كل تلك التحديات بترتيب بيتها الداخلي بأسلوبها الخاص، بعدها واجهت الخارج القريب والبعيد جغرافيا بكل صلابة وقوة، فأذعن لها الجميع أن يقبلها كما هي لا كما يريدها، فما من قضية تخص العالم الإسلامي إلا ولإيران رأي واضح لا لبس فيه منطلقة من رؤيتها فقط.
إيران دولة لكل شيعة العالم في أي وطن كانوا، فهي تتبنى قضاياهم دون النظر إلى الدول القطرية التي يعيش فيها هؤلاء الشيعة بينما لا تسمح لأية دولة أن تتدخل في شأنها الداخلي وتتكلم عن قضايا غير الشيعة في إيران، ولهذا لم تحتج إيران إلى بذل جهد كبير لشرعنة وجودها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وعدم شرعية الآخرين في تلك الدول، وفي حال نجحت بتحكم تلك الدول الأربعة وهو أمر قطعت نحوه شوطا كبيرا في تحقيقه تنتقل إلى زعزعة دول أخرى أكثر هشاشة بمنطق الدفاع عن رعاياها الشيعة.
والفرق الجوهري بين إيران والدول الأخرى عربية أو التركية هو أن قرار إيران بيدها أما الآخرون فليس قرارهم بيدهم، ولذا إيران تتصرف حرة بقرارها أما الآخرون فيتصرفون إما بتوجيهات من الآخرين أو بمراعاة مصالح التحالفات، ولهذا اكتسبت إيران الحروب والمفاوضات بينما خسر الآخرون الحروب والمفاوضات. وفيما يلي آخر نموذج لاستقلالية إيران، وذلك بعد تجديد أمريكا العقوبات عليها:
أعلنت إيران يوم الثلاثاء 13/12/2016 عزمها بناء سفن تعمل بالدفع النووي في رد فعل على تجديد العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة عليها مدة عشر سنوات، ما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين البلدين.
وبعد أن اعتبرت إيران تمديد العقوبات “انتهاكا” للاتفاق النووي المبرم العام 2015، أمر الرئيس الإيراني حسن روحاني الخبراء ببدء “تصميم” سفن تعمل بالدفع النووي، وأوعز إلى رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي “بوضع تصميم وإنتاج محركات تعمل بالدفع النووي للنقل البحري”.
حسب رأيي وبناء على المعطيات الحالية ستصبح إيران قائدة العالم الإسلامي إن لم تحدث مفاجآت أخرى تأتي من خارج المنطقة، وليس معنى ذلك أننا اخترنا لها هذا الموقع لكنها اليوم موجودة بالقوة والفعل، ولا تستطيع أن تعيق مسيرتها نحو قيادة العالم الإسلامي الدول العربية الوظيفية في المنطقة والتي تشاهد وأقدامها غارت من تحت قدميها.
إن شر البلية ما يضحك، إن الدول العربية التي ترى أن إيران تنقص أرضهم من أطرافها، لا يزال بعضهم يبحث عن نفوذ وهمي له في الصومال.
لقد أخطأت في الرأي سابقا عندما قلت: إن إيران تقع في خطر إذا تمددت في المنطقة، إذ كنت أجهل في ذلك الحين أن أعداءها العرب يعولون على الخارج في إيقاف إيران، هذا الخارج الذي لا يقيم وزنا لأوهامهم,
لقد رأينا سابقا معاداة السامية وليس من المستبعد أن نرى معاداة الفارسية على المستوى الإقليمي.
بقلم الدكتور محمد حسن نور
تعليقات الفيسبوك