تطمح الصومال إلى أن تصبح عضوًا دائمًا في منظمة شرق إفريقيا (EAC)، وهي منظمة حكومية -إقليمية تضم كينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبوروندي وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وتعتبر الدول الثلاثة الأولى الدول المؤسسة للمجموعة، بينما الدول الأربعة الأخرى الأخيرة هي الدول المنضمة لاحقا. والمجموعة ليست مجرد مظلة للدول ولكنها أيضًا مظلة من الجهات الفاعلة غير الحكومية (المجتمع المدني ومجتمع الأعمال). والصومال، تقدمت بطلب للحصول على عضوية المنظمة في عام 2012، ومن المرجح أن تتم الموافقة عليها في القمة المقبلة. وتتمثل مهمة المجموعة توسيع وتعميق التكامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي بين دولها لتحسين مستوى حياة شعوب تلك المنطقة وذلك من خلال زيادة القدرة التنافسية والإنتاج ذي القيمة المضافة والتجارة والاستثمارات. وتعتبر المجموعة منتدى سياسي واقتصادي يقوم على فكرة التعاون المتعدد الأوجه، تحت شعار”أمة واحدة ومصير واحد.” وتهدف إلى إنشاء دولة واحدة ذات سيادة تكتسب خبرة في تأسيس الاتحاد الأوروبي.
وتعد المجموعة واحدة من أسرع التكتلات الاقتصادية الإقليمية نموًا في العالم، حيث يقدر إجمالي الناتج المحلي بما يتجاوز 300 مليار دولار سنويًا، مع نمو كان يعادل 6.2٪ سنويًا في فترة ماقبل كوفيد 19، ويمرّ الآن في حالة التعافي السريع من تلك الأزمة الدولية. وتضمّ المجموعة حوالي 300 مليون نسمة، وهو من بين التجمعات الأسرع نموًا في العالم، المتميز بالوفرة في الفئة العمرية المنتجة ، ويقع على مساحة أرضية تقدر بنحو 5 ملايين كم2. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط المجموعة بالعديد من إطارات الشراكة الإستراتيجية مع المنتديات والهيئات الإقليمية والدولية الرئيسية. ويوجد عند المنظمة العديد من الهياكل والمجالس والمؤسسات التي تعمل على تحقيق خطتها المعتمدة من قبل الرؤساء سنويا. وقد حققت الدول الأعضاء في المجموعة حتى الآن تقدمًا ملحوظًا في مجالات حيوية من ضمنها توحيد التعريفات الجمركية، وطرق عمل الطيران المدني، والصحة العامة، وتتجه نحو توحيد القوانين والنظام القضائي ، وتشجيع مبادرات التطوير والبحوث العملية و تطمح كذلك إلى جعل اللغة السواحيلية اللغة الموحدة المشتركة لشعوب تلك البلدان.
وسعيًا للحصول على العضوية في منظمة شرق إفريقيا ، اتخذت الصومال خطوات سريعة، حيث حثّ فخامة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مجموعة شرق إفريقيا على الإسراع في قبول عضوية بلاده إلى المجموعة، وذلك في القمة التي عقدت في مدينة أروشا في أكتوبر 2022. وللمضي قدمًا في هذا الاتجاه ، عيّن الرئيس الدكتور عبد السلام عمر، الذي سبق له أن شغل منصب وزير خارجية الصومال ، مبعوثًا خاصًا له إلى المنطقة، ودعا الأمين العام للمجموعة السيد بيتر ماتوكيتو لزيارة مقديشو والتقى بالمسئولين الصوماليين بما فيهم الرئيس في أغسطس الماضي . وأيضا، التقى الرئيس مجموعة مع رؤساء بعض الدول في المجموعة في القمة الـ36 الأخيرة للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا بهدف الدفع في موضوع انضمام الصومال إلى المجموعة . علاوة على ذلك ، فإن فريق التحقق والتقييم برئاسة السيدة تيري ماري روز من جمهورية بوروندي وخبراء من الدول الشريكة في مجموعة دول شرق إفريقيا زاروا مقديشو في الفترة من 25/1 / إلى 3/2/2023 لتقييم مستوى الأهلية للبلاد مع المعايير المحددة لقبول الانضمام . ومن المنتظر أن ترفع تقريرها إلى القمة المقرر عقدها في هذا الشهر.
السؤال هو، ما السبب أو ما هي حاجة الصومال للانضمام إلى مجموعة دول شرق إفريقيا ، وهو سؤال يتردد صداها ويطالب بإجابات شافية. لم تعد مجموعة شرق إفريقيا ناديًا للناطقين باللغة الإنجليزية من ثلاث دول: كينيا وتنزانيا وأوغندا، وهي كتلة اقتصادية أفريقية سريعة النمو ومجاورة للصومال في الجنوب ، وتغيرت علاقات الشعب الصومالي مع جواره الأفريقي في الجنوب بشكل كبير وأفضل خلال العقود الثلاثة الماضية. حدث هذا التحول بسبب الاستقبال الأخوي الذي تلقاه الصوماليون في هذه البلدان بعد انهيار الدولة الصومالية في عام 1991، ولا يزال العديد من الصوماليين يعيشون في هذه البلدان كلاجئين يتلقون معاملة حسنة. وقد ولد بعضهم وتعلموا واكتسبوا الجنسية وأسسوا أعمالًا تجارية حيوية بالغة الأهمية . بالإضافة إلى ذلك، فإن المجتمع العرقي الصومالي يعيش جزءا من كينيا في منطقة الحدود الشمالية (NFD)، ويوجد جاليات مؤثرة في معظم الدول الأعضاء في المجموعة ، ولذلك تحتاج الصومال إلى موازنة العلاقة بين هويتها العربية المتمثلة في انتمائها إلى جامعة الدول العربية وبين هويتها الأفريقية. وفي الماضي، كان الصومال يميل نحو الجامعة العربية ولم تكن علاقاته مع دوله الأفريقية قوية. وقلصت هذه السياسة الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه الصومال كجسر رابط بين الكتلتين. وبمجرد الانضمام إلى تلك المنظمة ، سوف تستفيد الصومال بشكل كبير من خلال التعاون الاقتصادي وحرية حركة السلع والخدمات والأشخاص عبر الدول الأعضاء في المنظمة. وعلاوة على ذلك ، فإن عضويتها إلى هذه المنظمة ، ستعزز جهود الصومال لتحسين وضعها السياسي والمالي في برنامج إعفاء الديون.
السؤال الآخر الذي يطلب الإجابة أيضا هو، لماذا أعضاء المجموعة على استعداد لقبول الصومال. أولاً ، ثلاث دول من المنظمة ، وهي أوغندا وبوروندي وكينيا هي جزء من قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال المتحول مؤخرًا إلى بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال، وخلق وجود هذه القوات بيئة من التفاهم المشترك والتعاون مع الشعب الصومالي. بالإضافة إلى ذلك ، نما التعاون العسكري والتجارة مع الصومال بشكل كبير مع تلك الدول خلال السنوات العشر الماضية ، ومن ثمّ ، تضيف الصومال إلى المنظمة حوالي أكثر من 3000كم من الخط الساحلي، وبعدد سكان يناهز 20 مليون نسمة ، وبمساحة أرضية تصل إلى 637,657 كم2. ويوجد عندها رأس مال كبير متمثل فيما عندها من الموارد البحرية، والثروة الحيوانية ، وكذلك الطاقة، والموارد الطبيعية المتنوعة، بالإضافة إلى الخدمات المالية وقطاعات الاتصالات المزدهرة ، والخبرة في العديد من المجالات الأخرى. وأكد الأمين العام للمجموعة السيد، بيترماتوكي صحة هذه الرؤية ، حيث قال : ” أن الصومال تربط إفريقيا بشبه الجزيرة العربية ، والتي يمكن للمنطقة الاستفادة منها لزيادة التجارة البينية وتحسين حياة سكان شرق إفريقيا”. كما أن الشتات الصومالي النابض بالحياة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وما يوجد عندها من شبكات أعمال مع العديد من الاقتصادات الناشئة في آسيا ستجلب قيمة مضافة واستثمارات إلى مجموعة دول شرق إفريقيا.
وفي الختام ، يعتبر انضمام الصومال إلى مجموعة دول شرق إفريقيا قرارًا استراتيجيًا طال انتظاره، وسوف يكسر عزلة الصومال التاريخية عن فنائها الخلفي الجنوبي لأفريقيا، ويمكّن الصومال من الطيران بجناحين في آن واحد نتيجة هويته الهجينة: الانتماء إلى الأفارقة والعرب. وبسبب موقعها الاستراتيجي ، فإن الصومال مطالبة بأداء دورها في بناء الجسور بين المنطقتين من أجل دفع عجلة السلام والتنمية. ويجب أن تتجنب الذوبان من قبل القوى الإقليمية والعالمية المتنافسة. أخيرًا ، فإن العضوية الصومالية التي تتعافى من الحرب الأهلية الطويلة في الكتلة السياسية والاقتصادية لمجموعة دول شرق إفريقيا ترسل إشارة إيجابية إلى الشعب الصومالي في جميع أنحاء العالم، وتغرس الأمل ، والشعور بالانتماء إلى منطقته ومحيطه الإقليمي .
د. عبد الرحمن باديو
تعليقات الفيسبوك