للأستاذ الدكتور علي الشيخ أحمد أبي بكر حفظه الله.
في هذه السطور القليلة نستكمل فيها مقالنا الذي كنا نعرض من خلاله محتوى هذا الكتاب القيم، فنقول: في الفصل السادس من الكتاب يتحدث المؤلف عن علاقة الأعمال التطوعية بالمصلحة والمفسدة، ويغوص عبر قلمه السيال في عمق هذا الموضوع المهم، ويدرس منه جوانب كثيرة وزوايا مختلفة، لذا يتربّع هذا الفصل القيّم بأكبر مساحة ممكنة من الكتاب، حيث تتراوح عدد الصفحات التي تناول فيها هذا الموضوعَ ما بين خمسين إلى ستين صفحة، أي أكثر من ربع الكتاب ودون ثلثه، ولم يكن المؤلف يكتفي بالنقل المجرد عما سطره الأولون في كتبهم دون تنقيح، بل كان يناقشهم ويستدرك عليهم مرات، ويربط القديم بالحديث، والحاضر بالماضي، ويرسم لنا من خلال قراءته لهما خريطة المستقبل بأبهى صورة وأنصعها.
وفي الفصل السابع من الكتاب، وهو أهمه -في نظري- يتحدث االمؤلف عن العمل التطوعي في الصومال بعد انهيار الدولة، وينقل لنا تجارب الصوماليين والعوامل التي ساعدتهم في تخطي الصعاب والعقبات التي واجهتهم أثناء قيامهم على الأعمال التطوعية التي مبناها الاعتماد على النفس، والمؤلفُ بحكم معايشتِه لذلك الواقع المأزوم وعملِه فيه كشخص مؤثر في مجتمعه ومحطيه يقرأ الأحداث من زوايا متعددة، ويدرسها بعمق، وقد استنتج من تلك التجربة الصومالية المريرة أن العمل التطوعي هو الأمل الوحيد الذي بإمكانه إحداث تحول كبير في حياة المجتمع بأسره، ويعيد المؤلف أسبابَ تعافي الصومال حالياً من ويلات حروبه الأهلية إلى اعتماد أبنائه على أنفسهم في ذروة أزمتهم عبر وساطة العمل التطوعي وإبرازهم دورَ أهميته في بلدهم، بل يعتبره محورا أساسيا حتى في إقامة دولة قوية لهم في أرضهم مستقبلاً إن استمروا على العمل التطوعي.
وفي الفصل الثامن من الكتاب يتحدث المؤلف عن أسباب ضمور المصلحة العامة في حياة الأمة، ويُعيد ذلك إلى أمور عدة منها:
1- نقص الوعي لدى المسلمين بقيمة المصلحة العامة، وانتشارُ الجهل في المجتمع، واتباعُ الرؤى السياسية القاصرة والتي تدور –فقط- في فلك المصالح الذانية لأرباب الحكم.
2- عدم الالتزام بالقيم الدينية والدستورية، وضعف الوازع القيمي لدى الأمة.
3- ضعف التنسيق بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني
4- الفهم المشوّه للواجبات الدينية، وعدم إدراك أبعاد الأمور المتعيّن عملها.
وفي الفصل التاسع من الكتاب يتناول المؤلف واقعَ العمل التطوعي في الدول المعاصرة ومع اعتقاده بأنه ظاهرة إنسانية منذ القِدم تفرضه ضرورات الحياة المتجددة إلا أنه يُفرد له هذا الفصل ليؤكد على أهميته في المجتمع، وعلى هذا الأساس يجري دراسات استقصائية وإحصائيات علمية حول نسبة المشاركين فيه في الدول الغربية والأوربية والعربية والإسلامية، فقال مؤكداً على أهمية المشاركة فيه وأنه سر تقدم الدول بعضها على بعض: “إن الأعمال التطوعية تساعد الدول بشكل مباشر، وبها يرتفع الناتج القومي والميزانيات الوطنية والمشاريع التنموية على حد سواء”
وفي الفصل العاشر من الكتاب وهو الأخير يتحدث المؤلف عن العمل التطوعي ويؤكد لنا بأنه مهنةُ العظماء قديما وحديثا في بناء الأمم، ويسرد لنا الحجج القاطعة والبراهين الساطعة التي تدل على ذلك، ويحلّق بنا في سماء التاريخ ليوقفنا على سير أولئك العظماء، والتغيراتِ الهائلة التي أحدثوها في عالمهم بفضل العمل التطوعي الذي آمنوا بأهميته وسعوا لتحقيقه، والمؤلف –هنا- يورد أخبار العظماء دون النظر إلى معتقداتهم الدينية أو آرائهم السياسية أو أيدولوجياتهم الفكرية، لأن الرسالة التي يريد إيصالها إلى الناس أكبر وأعظم من أن تحتكرها فئة بشرية من الناس أو طائفة معينة منهم، فالتطوع بمفهومه الواسع يكاد يكون قسيم الجهاد لاشتماله معاني التضحية كلها والتنازل عن رغبات النفس التي دائما تحجم عن اقتحام الصعاب، { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
بعض مميزات الكتاب وهي كثيرة وليس بإمكاني إحصاؤها في هذه السطور، لكنني هنا أنبّه أنه أثناء قراءتي للكتاب لفت انتباهي عدة أمور منها:
•سلاسةُ تعبير المؤلِّف وحسن عرضه للمسائل، فقد لا تجد في الكتاب ما يعيقك فهمه أو يصعب عليك إدراكه.
•استقلاليتُه وبعده عن التبعية المطلقة، فالمؤلف أثناء عرضه للمسائل يتبع الدليل ويرجح ما يراه صوابا دون افتئات على القواعد الشرعية، يدرس واقعه ويبحث حلول أزماته في النص المنزل.
•نقدُه البناء في مناقشة الأفكار وأدبه الجم مع المخالف، وقليل من تجتمع له هذه المزية في عالم نقد الأفكار.
•ربطُه الواقعَ بمتغيراته بماضينا المجيد بقيمه ومبادئه، وذلك من خلال توضيح معالم الدين وتبيين مرونته.
تعليقات الفيسبوك