بسم الله الرَّحمن الرَّحيم يقول المولى جلَّ في علاه ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجنُّ:18]، المساجد بيوت الله عزَّ وجلَّ فيها الطُّمأنينة والسَّعادة للبشريَّة في الدَّارين، ولله الأمر والخلق والطُّمأنينة، ولا يُنال ما عنده إلا بطاعته ورضاه، وبيوت الله لاتُرفع شيء غير ذكره ، ولا تُعمَّر فيها إلا بعبادته وطاعته، ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التَّوبة :18]،
المساجد مواطن البركات ومنازل الرَّحمات والبشارات للصَّالحين من عباد الله، فهذا نبيُّ الله زكريَّا عليه السَّلام حين سأل الله الذُّرية الطَّيِّبة جاءه الجواب والقبول من الله وهو في محرابه ومسجده، قال تعالى ( فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ). [آل عمران:39]، لا يمكن بيان أهمِّية المسجد وحاجة المجتمع إليه في مقال كهذا، لكن يمكن أن نشير إلى بعض منها :
١- المسجد يُسمَّى بيت الله تبارك وتعالى، أضافه الرَّب إلى نفسه إضافة تشريف وإجلال.
٢- المسجد أحبُّ البِقاع إلى الله سبحانه وتعالى كما في الصَّحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ( أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) [ رواه مسلم: ٦٧١].
٣- كانت المساجد منارات للعلم تُخرِّج العلماء، وتُربِّي الأبناء، وتُعلِّم الأمَّهاتِ والنِّساء، ولم يكن الناس ينفضُّون عنها بعد الصَّلوات كما ينفضُّون اليوم، بل كانوا ينهلون من المنهل الصَّافي، والمعيّن الشَّافي، وكانت الحلقات العلمية تكثر في زواياه من القرآن وعلومه، والسُّنَّة وعلومها وغير ذلك من فنون العلم والدِّين.
٤- يؤدّي فيه المسلمون الركن الثَّاني من أركان الإسلام وهو الصَّلاة، ويقيمون فيه صلاة الجمعة والعيد والتَّراويح والجنازة.
ه- يعقدون فيه المحاضرات والمؤتمرات والدورات وغير ذلك.
٦- يجتمع فيه النَّاس ويعرف بعضهم أحوال بعض.
٧- يجمع فيه التَّبرعات للمحتاجين في الدَّاخل والخارج، وغير ذلك من المصالح الدُّنيويَّة والأخرويَّة.
ومما يُبيِّن لك أيُّها القارئ مكانة المساجد أنَّه كان العمل الَّذي بدأ به رسولُ الله صلَّى الله علَيه وسلَّمَ عند ما هاجر الصَّحابة من مكة بعد إيذاء قريش لهم، فقام النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم ببناء المسجد النَّبوي حيث يتعبدون فيه ويتعلمون ويتشاورون في أمورهم فيه.
المسجد في المهجر
عندما هاجر المسلمون إلى الغرب واجهتهم مشكلة لم يكونوا يعرفونها في بلادهم، وهي أنَّ عليهم أن يبنوا مساجدهم بأنفسهم، فقد كانت وزارات الأوقاف في بلدانهم تتكفَّل بذلك الأمر، وكذلك الهيئات الخيريَّة أو التُّجَّار المحسنون، وكان عليهم أن يقوموا مقام وزارات الأوقاف والشُّؤون الإسلامية فأنشؤوا في كلِّ محافظة وحي مسجدا أو مركزا يؤدِّي دور المسجد.
الجالية المسلمة والمهجر.
تتعدَّد جنسيات المسلمين في الغرب فمثلا الجاليات التركية والمغربية تقوم حكوماتهم غالبا ببناء المساجد لهم، ويدير شؤونها أئمَّة تعينهم وزارة الأوقاف؛ لذلك يقلّ النِّزاع في إدارته، وتحلّ إذا حدث خلاف عن طريق الحكومة أو المؤسّسة التي تولت بناءه.
والأمر عكس ذلك في المساجد التَّابعة للعرب والصُّوماليِّين فقد أنشئت عن طريق منظّمات ليس لديها رؤية سياسية مستقرة، إنما تدار عبر الخطط الموسميَّة الَّتي يقرِّرها مؤتمر تلك المنظمة.
ولتلك المنظمات قوانين داخلية تقرَّر في مؤتمراتهم تتوافق مع قوانين البلد التي يقيمون فيها.
الصُّوماليُّون وتعاملهم مع القوانين واللّوائح
كان الصُّوماليون قديما بدوّا رحلا، لا يقيمون في مكان غالبا، فتكيَّفوا مع الأمر وتعاملوا معه بما يلائم بيئتهم، وعند الحديث عن المساجد غالبا ما يحدث تصادم بين وظيفة المسجد في شرع الله المبيَّن في قوله تعالى ( وأنَّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) وبين قوانين التنظيمات المؤسَّسة على ما يتِّفقون عليه وما يميل إليه جمهورهم، وبين أنظمة القبيلة المبنيَّة بمراعاة مصالح العائلة، جدير بالذكر أنَّه عند بناء المساجد لا يتمُّ تقاسم المبالغ على أساس قبلي بل يُدعى الناس للمشاركة في بناء مسجد لله، وهذا شيء جيد،
لكن عند بدوّ الثَّمرة تظهر فلسفة تقول :”بمبدء المقاسمة” والَّتي تعني أنَّه يجب مشاركة جميع القبائل الصومالية في الإدارة فيظهر النِّزاع ممَّا أدَّى الي مشكلة هجران الشَّباب الصُّوماليِّين الَّذين درسوا في هذه البلاد إلى مساجد أخرى.
تكرّر النِّزاع في المساجد التَّابعة للصَّوماليِّين، والأسباب الرَّئيسيَّة نلخِّصها بما يلي:
١- صراعات ونزاعات قبلية بحتة.
٢- تعارض طبيعة قوانينهم المؤسّسة على ثقافتهم البدويَّة مع وظيفة المسجد.
٣- عدم توفُّر خطط لمواجهة ما قد يحدث من مشاكل في المستقبل خصوصا مثل هذه النِّزاعات واللُّجوء إلى الحلول غير الدَّائمة وغير النَّاجعة.
٤- سهولة انقياد معظم المجتمع الصُّوماليِّ للهدَّامين والسَّاعين بالنَّميمة وسط المجتمع، مثلا يحدث أن يُتَّهم شخص يعمل لصالح العام منذ ربع قرن ولم يُرَ منه إلا الخير، ويكون المتَّهِمون أناس غير معروفين في العمل الدَّعوي، أو انضم إليهم حديثا، فيُصدَّق معظمهم تلك التُّهمة من غير تثبيت ودون أن يتساءلوا كيف لهذا الشَّخص الَّذي عمل لصالحهم كلَّ هذه الفترة أن يتلبَّس بمثل هذا؟ وما الدَّلائل على هذه الاتِّهامات الموجهة إليه؟.
٥- طول فترات حكم لجان إدارات المساجد فالنَّاس يفضِّلون التَّغيير والتَّجديد كلَّ فترة.
٦- عدم توافر مرجعيَّة أو جهة موثوقة يترافع إليها المتنازعون وغالبا ما تُخالفُ الجهات المتنازعة اللَّوائح الَّتي وضعوها بأنفسهم.
٧- .الفساد والمحسوبية ومحاباة الاقارب والتكتلات القبلية.
٨- الأمور الدُّنيويَّة في المسجد، مثل المحلّات التجارية.
ما الحلّ يا جهابذة القوم وفقهاء الأمَّة وأحبارها ؟
وسوف أتناول ذلك بدوري في المقال التَّالي إن شاء الله.
وصلَّ اللهم وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما، والحمد لله رب العالمين.
عبدالله الحنبلي
أودينسة – الدنمارك
تعليقات الفيسبوك