المعارضة لغة:

فى الحديث كان جبريل عليه السلام يعارض القرأن على رسول الله ص كلّ سنة مرّة ، بمعنى المقابلة .. لا تعرض لفلان ، أي لاتمنعه .. التعرض فى القضاء ، والمعارضة فى المنافسة .

عندما نتحدث عن المعارضة فإننا نتحدث تضارب الأشياء وإختلافها في الإتجاه .. وفى هذه الحلقة فإننا سننظر الى ماهية المعارضة (السياسية) فى الدولة الإسلاميّة، على حسب ماورد فى تاريخ الدولة الإسلامية الراشدة.

1-   طبيعة الحكم فى الدولة الإسلامية

طبيعة الحكم فى الدولة الإسلاميّة يقوم على أساس الشورى ، وهذه الشورى واجبة على قيادة الدولة الإسلاميّة، فألشورى صفة من صفات المسلمين وأحدى خصالهم الإجتماعية حيث قال الله تعالى: وأمرهم شورى بينهم ، وهي واجبة فى شؤونهم السياسية حيث أمرالله نبيه الرسول بالسشورى: وشاورهم فى الأمر .. وإنطلاقا من هذا نجد أن أمر المسلمين وسياستهم تقام وتصون فى رأي الجماعة، وإن الإمام أو الخليفة هو من ينظم سير تلك الجماعة فى تدبير أمر المسلمين، ولهذا نجد ان القرأن يتكلم عن القيادة الإسلامية فى الدولة بصورة الجماعة الحاكمة وليس بصورة الفرد الحاكم، يقول الله تعالى: ياءيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسو وأولي الأمر منكم، فأصحاب الأمر هم جماعة فى قوله (أولي الأمر) وليس فردا كـ(وليّ الأمر).

هذا النمط من الحكم يستدعى أن يكون الأمر تحت سمع وبصر الجماعة، وهذا النوع من الحكم الجماعي الذى يتشاور الناس فيه أمرهم ويصنعون قرارتهم لابد من تضارب الأراء وتزاحم الأفكار للوصول الى الرأي الأقوى السديد. وظهر هذا النموذج من الحكم واضحا جليّا منذ أول يوم أسس فيه الدولة الإسلاميّة، حيث أن الرسول تشاور مع الأوس والخزرج وهوفي مكة (فى العقبة) فعقد معهم عقد الدولة والمناصرة ثم بعد ذلك قام ليؤسس أول دولة إسلاميّه على وجه الأرض ، وكان هذا بعد أن فشل عقد الدلة مع بني صعصعة لأنّهم أرادوا الأمر بعد رسول الله خالصا لهم دون مشورة المسلمين. إن ميلاد الدولة الإسلاميّة ذاتها كان أمرا قام على التشاور بين بضعة وسبيعن نفرا بين رجال ونساء من بينهم رسول الله فتوافقوا عليها، وعندما قدم الى المدينة المنورة أقام فيها (الوحدة السياسيّة) بين جميع فئات الدولة الإسلاميّة الجديدة بإختلاف أديانهم وقبائلهم فى أول دستور إسلاميّ مكون من أثنين وخمسين بندا.

وهكذا كان الأمر فى الدولة الإسلاميّة قائما على الشورى حتى فى أصعب لحظاتها، فهاي قريش تجهز جيشا جرارا لايهدد المدينة فقط بل يهدد الدعوة الإسلاميّة ووجودها، فى هذه الحالة الحرجة لم يصدر رسول الله قرارات فرديّة ولم يعلن حالة طارئة وإنما أستدعى القوم فى مجلس إستشاريّ واسع، فتح فيه مصراع باب الرأي والمشورة: أشيروا عليّ أيها الرجال!

2-   الشورى وتدافع الآراء

فإذا كانت الشورى ركيزة أساسيّة شرعية فى النظام السياسى الإسلامي فإن من طبعائها أن يتدافع الناس حولها فى الأراء. فهذا يقول رأيه وذاك يخالفه وثالث يرجع ورابع يعدّل، فيتساوم القوم فى إقناع بعضهم البعض فيطرحوا الحجج ويشرحوا الفكر الي أن يهتدى القوم الى أمر يقطعونه بالإجماع.

فبعد وفاة رسول الله وقبل أن يوراى جسده الطاهر الشريف مارس الصحابة –رضى الله عنهم- اوّل نشاط سياسيّ بطريقتهم المعروفة المعتادة (الشورى)، فأجتمعوا فى السقيفة ليختاروا خليفة رسول الله فى الأمر من بعده، ناقشوا هناك نقاشا قويّا تنافرت فيه الأراء وعُرضت فيه حلولا عدّة، حتى أنتهى أمرهم برجل واحد رضى وشورى، على أبى بكر الصديق، فكان يوما مشهودا، وإن خلافة أبي بكر لم تاتى بعاطفة ولا غرّة وإنما أتت عقب نقاش قويّ حادّ أدلى كلّ طرف فكرته ليقنع الطرف الآخر.

3-   المعارضة أحدى مقتضاية الشورى

وإنطلاقا من هنا فبإمكاننا أن نقول: أنه لاشورى بلا معارضة، بمعنى إذا لم تتعارض وتتضارب الأقوال ثم تدفع الحجة بالحجة حتى يصل القوم الى الحل الأقوى الأمثل لايمكن أن نصف أن هناك كانت شورى.

هذا هو عمر بن الخطاب (الإمام الأعظم) وأمير المؤمنين يحمد الله على ما منّ على المسلمين من فتح بلاد فارس والشام ومصر، ثم يرى بعد ذلك أن تكون تلك الأراضى المفتوحة ملك للدولة الإسلاميّة، وخراجها للمسلمين، هكذا رأى عمر (كوليّ لأمر المسلمين) لكن كثيرا من الصحابة لم يروا كذلك فعارضوا رأيه معارضة شديدة، لأنهم كانوا يرون أن تقسم الأرض على الجند الفاتحين كما قسم رسول الله أرض خيبر. حاول عمر أن يقنعهم على رأيه لكنه لم ينجح فتشكلت أمامه كتلة معارضة قويّة، وكان من أشدّهم بلال –رضي الله عنه-! حتى أنا لفاروق قال: اللهم أكفنى بلالا .. هذا هو النظام السياسى الإسلامى الذى يجعل المسلمين أصحاب الأمر الحقيقين، ثم ينتهى الأمر الى لجنة رضيت عليها الفريقان، فقضت الأمر على مارآه أمير المؤمنين: أن تمسك الأرض فتكون ملكا للدولة ويكون خراجها لبيت المال فينعم من خيراتها جميع المسلمين ومن سيأتى من بعدهم من أبناءهم وأبناء أبناءهم جيلا بعد جيل.

4-   معالم طريق المعارضة بين الشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

المعارضة فى الدولة الإسلاميّة لاتكون الافى أمور إجتهاديّة يتساوى فيه علم البشر عن ماهية الأمر عند الله، فيكون الإمام فيه كأحد الناس لايعلم الغيب شيأ، وإن موضوع المعارضة فى الدولة الإسلاميّة إنما هي لتحقيق المصلحة الشرعية فى إدارة البلاد والعباد، وعلى هذا فإن المعارضة تأتى على أمر جامع فيه للمسلمين شورى كما وجدنا سابقا فيكون بالشورى، أو إما على تصرف غير مقبول يكون من وليّ الأمر فيعترض عليه الفئة المصلحة فيكون على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الأمّة والإمام على سفينة واحدة وهى سفينة الدولة والإمام أجير الأمّة فى توجيه السفينة الى بر الأمان و الصلاح والرشاد، والأمة ركابها، فمتى أخطأ الإمام فى قيادتها هلك نفسه وأهلك الناس، وعلى هذا فإن الامانة والمسؤولية تقتضى أن يكون الإمام حريصا على ما آؤتمن عليه وكذلك الأمة ان تكون حريصة على نجاة هذه السفينة، فلايجوز لهم أن يروا الإمام ينحرف عن الطريق بسفنتهم ثم يسكتوا عنه فيهلكوا جميعا، فعليهم أن يبادروا الى تصحيح المسار بالآليات المشروعة والمحافظة على إستقرار سفينتهم، كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله واليوم الآخر.

فعندما تكون المعارضة على الشورى أو على إبطال المنكر فمعنى هذا ممارسة طبيعية لمهمّة الإستخلاف الذى إستخلفنا الله على أرضه، وبها تبقى الأرض آمنة صالحة يتساوى فيها الناس فلايكون بعضهم لبعض عبيدا، (ياعمرو متى إستعبدتم الناس وقد ولدت أمهاتهم أحرارا) . لا يمكن أن يُحقق المسلمون معنى الإستخلاف حتى يأخذوا بيد الظالم حاكما كان أو محكوما ، شريفا كان أو غيره ، غنيا أو فقيرا.

وهنا نجد ان المعارضة فى منظورها الإسلامي لها آليتين وهما: آلية الشورى وآلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمختلف مراتبه ودرجاته.

5-   مراتب المعارضة ونماذجها في الدولة الإسلاميّة

للمعارضة فى الدولة الإسلامية مراتب وهذا يتوقف على حسب تفاعل الحاكم مع الدعوات الإصلاحية أو الحركة المعارضة، فالأصل فى المعارضة هو إبداء الرأي من خلال الحوار وهو الأصل، فإذا تمت الإستجابة لنداء المعارضة من خلال الحوار أو تم التفاهم حول الموضع بشكل وسطي فقد إستقام الأمر وتحققت الغاية. وتقتضي المصلحة دائما أن لايتعجل الناس من الحوار الى المنابدة.

أتفهم كيف أن بعض الخطابات السياسيّة الشرعيّة تؤسس فى الوعي وتكرّس معنى الخنوع والإستسلام لظلم الولاة وجورهم تحت مفهوم (السمع والطاعة) او الصبر والإحتساب أو الحفاظ على الأمن ولإستقرار، وماهذه الا أصل الآفة التى ذقنا مرارتها. فقد روى ابن سبّه بسند صحيح على شرط البخاري أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب سأل بعضَ رعيته: إذا كان الإمام عليكم فجار ومنعكم حقكم وأساء صحبتكم فماذا تصنعون به؟

قالوا: إن رأينا جورا صبرنا.

فقال: لا والذي لا اله الا هو، لاتكونون شهداء فى الأرض حتى تأخذوهم كأخذهم إياكم، وتضربوهم فى الحق كضربهم إياكم، والا فلا .. لله ذر الفاروق !

5.1 المعارضة السلميّة

هذا النمط من المعارضة يكون حول المطالبة بالإصلاح من خلال الحوار والشورى، فردا أو جماعة. وظهرت هذه الصورة من المعارضة فى كثير من المواقف فى عهد الخليفة أبى بكر وعمر، فقد روى البخارى أن عمر بن الخطاب ومن معه من كبار الصحابة عارضوا أبابكرا حين أراد أن يقاتل مانعي الزكاة لكن أبابكر ردّ الحجة بالحجة فردا حتى شرح الله صدورهم لكلامه فأقنعهم به فرضوا وقبلوا برأي الخليفة. وعندما رفض أهلُ الكوفة أميرهم وعامل أمير المؤمنين عمر على بلادهم سعد بن أبى وقاص طلبوا عزله فقبل منهم عمر ذلك فعزله عن إمارة الكوفة نزولا برغبة أهل الكوفة وقال عمر: إنى لم أعزله من عجز ولاخيانة.

أما فى زمن عثمان فحدّث ولاحرج، فقد تطورت المعارضة وأخذت شكلا جديدا، فصارت جماعيّة لها قيادة ومطالب وثارت من عدة بلدان إسلامية مطالبة بالإصلاحات السياسيّة والإقتصادية، حيث كانوا يطلبون بتغيير بعض الولاة وإرجاع المنفى السياسيين الى بلدانهم، وقسمة الفىء والمال بالتساوى، وأن يستعمل أمير المؤمنين عليهم ذوو الأمانة والقوة، فأستجاب لهم الخليفة ووافق على تنفيذ مطالبهم فرضوا بذلك وقالوا: والله لقد أحسنت ياأمير المؤمنين، ثم قام فيهم الخليفة خطيبا فقال: والله مارأيت ركبا خيرا من هاؤلاء، إن قالوا الا حقا وإن طلبوا الا حقا. كهذا روى أبن شبة بإسناذ صحيح.

هكذا كانت المعارضة فى زمن عثمان عند أول أمرها، لكنها بعدذلك إنحرفت عن المسار المشروع فطالبت بأمور ليس من حقّها! بل من حق المسلمين فأفسدوا وعاثوا فى الأرض فسادا. فأنحصرت مطلبهم بن أمرين: إما أن يعزلوا الخليفة أو يقتلوه. وبهذا صارت مطالبهم غير شرعيّة فالخليفة وكيل الأمة فى منصبة فلايحق لهم أن يعزلوه وحدهم دون مشورة الأمّة، هنا عرض عليهم الخليفة عرضا منصفا وقال:” .. أفلا نبعث الى الأفاق فنأخذ من بلد نفرا من خيارهم فنحكمهم فيما بينى وبينكم، وإن كنت منعتكم حقا أعطيتكموه ..”

5.2  المعارضة المسلّحة:

هذا النوع من المعارضة هو عندما تجتمع المعارضة تحت لواء فتحارب الإمام أو السلطان مطالبين بالإصلاح، هذا النوع من المعارضة هو أخطر أنواع المعاضة وغالبا لايكون الا بعد إنغلاق جميع الوسائل السلمية فى الإصلاح. ولهذا النوع من المعارضة نماذج كثيرة فى تاريخ الدولة الإسلاميّة

5.2.1  مشروعية المعارضة المسلحة

قد يسأل ساءل: هل يجوزحمل السلاح على وجه مسلم من أجل قضية سياسيّة ويراق فيها دم مسلم؟
الأصل فى الحياة هو أن يعيش الناس في الكون حافظين عهد الإستخلاف مع الله وهو:عمارة الأرض بطاعة الله وإصلاحه ونشر مكارم الأخلاق والفضيلة والحكمة ، وليس الغاية من الوجود الحفاظ على الحياة لمجرد الحياة تحت أي ظرف وحالة ، فالموت من أجل الحياة الكريمة هومن مقتضتيات عهد الإستخلاف ، ولهذا عندما سُئل أحد الصحابة الفاتحين في أراضى فارس والروم : لم يموتون ويهلكون أنفسهم فى هذه الحروب ، أجاب إجابة عظيمة من خلالها نفهم حقيقة فلسفة الصحابة لمعنى الحياة والموت وحقيقة عهد الإستخلاف الذى كانوا روّادها ، فأجاب: جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا الى سعتها ومن جور الأديان الى عدل الإسلام ! وبعد الفتوحات لم يجبر المسلمون أحدا فى إتباع دينهم ولكنهم إكتفوا بمجرد رفع الظلم وتحقيق العدالة فى أراضى الدولة الإسلامية ، فحافظوا على كنائسها ومساجدها حفظ رجل واحداً.

ولهذا فإنه من متضيات الإستخلاف إزالة كل نظام سياسيّ يخالف قوانين العدالة الكونية ويغصب الناس من حقوقهم فى الحياة ويظلمهم فى الأرض ؛ فإذا لم يفعل المسلمون كذلك خالفوا عهد الله فى الخلافة وذاقوا مرارة وبال أمرهم ، وسيصبحون في مؤخرة الأمم .

يقول الخليفة العادل عمر الفاروق فى صحيح البخاري فى خطبة هي من أشهر خطبه وأوضحها مبينا لهذه الفلسفة التي ذكرناها : من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرةَ أن تقتلا ، ويقول أيضا : من تأمر منكم من غير مشورة المسلمين فأضربوا عنقه .

إن حمل السلاح بحقه أصل مشروع من أصول الإسلام ، ولافرق بين الظلمين ، لافرق بينهم فى الدين ولا في النسب ، فالظالم يؤخذ بيده سواء كان مسلما أو كافراَ ، والا ضاعت غاية الخلافة والإستخلاف وفسدت الأرض وهجر الأمن ويطغى على خلق الله جبابرة طغاة لا حياء فيهم ولا رحمة . كنم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، بمختلف مراتب النهي عن المنكر ، فالأمة أمناء الله على أرضه ، يستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون .

5.2.2 نماذج المعارضة المسلحة

أ- نموذج الصحابة الفقهاء

المعارضة المسلحة ظهرت جليّة واضحة عندما إنحرف المسار السياسي فى الدولة الإسلامية من الشورى الى التوريث بيد الأمويين الذين أغتصبوا حق الأمة وحاربوا الخليفة الإمام عليّ كرّم الله وجهه ظلماً ، حتى صار الأمر المسلمين دولة بين أبناءهم كلما مات أمويا توّجوا للأمر ملكا أمويّا . فى هذه الفترة ظهرت ثورات إصلاحلية يقودها نجوم من الصحابة الكرام لينقذوا الأمة من محرقة ومهلكة سياسيّة قادمة ، ومن أبرزها المعارضة التي عارضها فقهاء الصحابة ونجومهم فى تلك الفترة: عبدالله بن عمر وحسين بن علي وعبدالله بن العباس وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن أببي بكر قرار معاوية بشأن توريث ولده يزيد الحكم ومبايعة المسلمين له إماما بعده ، فعارضووه وكلموه ، وكان من أبرز كلماتهم ما قاله عبدالرحمن بن أبي بكر عندما قرأ مروان نص التوريث وسمّاها سنة أبي بكر وعمر : كذبت والله يامروان وكذب معك معاوية ! لايكون ذلك ، لاتحدثوا علينا سنة الروم ، كلما مات هرقل قام مكانه هرقل . وتوعد عبدالرحمن أن يحملوا السلاح عليهم حتى يرجعوا الأمر شورى بين المسلمين فقال: والله لترجعنها شورى بين المسلمين أو لنرجعنها عليك جذعة (أى الحرب).

هنا نفهم أن الصحابة كانت لهم رؤية سياسيّة واضحة وأنهم مستعدون لحمل السلاح من أجل تحقيق الإصلاح السياسي فى المدولة الإسلامية وحماية آليات الدولة الإسلامية فى سياسة اراعي والرعية .

ب- نموذج الخليفة الثائر

عندما أصر الأمويين فى موقفهم لإغتصاب حق المسلمين فى الإمامة وورثوا يزيد قامت ثورة إصلاحية بقيادة الصحابيّ عبدالله بن الزبير فحارب الأمويين وصمدوا أمامهم صمودا تاريخيا شهدتها التاريخ ، فمات يزيد ولم يصل الى شىء من حق المسلمين ، ثم بعد ذلك التحق المسلمون هذه القافلة الإصلاحية وجاءت بيعة الإمامة من الأمصار لإبن الزبير خليفة لهم .

من هنا تحول إبن الزبير من القائد المصلح الثائر الى الخليفة المصلح الثائر فتولى إمامة المسلمين ، وكان أشبه الناس بالخلفاء الراشدين فحكم 10 سنوات حتى أستشهد فى ثورته التاريخية بداخل الحرم على يد الأمويين ، فرحمة الله على الخليفة الثائر ونوّر الله ضريحة فقد كان شمعة للمصلحين ومن قبله الخليفة المصلح عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه .

6-   المعارضة والنظرية السفيانيّة فى الحكم 

يقول معاوية -رضي الله عنه- يتحدّث عن فنّ الحكم وسياسة الرعيّة : إنى لا أضع سوطي حيث يكفينى لساني ولا سيفي حيث يكفيني سوطي . إن هذه العبارة من أشهر العبارات التراثيّة السياسيّة التى تركها معاوية رضي الله عنه ، وهي تبرز لنا الحنكة والدهاء السياسي الذي يتمتع به هذا الصحابي الجليل .

الرسالة التي أريد أن أوصل فى هذا المقطع هو :

1-   كيف تحدد المعارضة آلياتها الإصلاحية فى مشوارها الإصلاحي مع الدولة؟

2-   هل المعارضة دائما على صواب من أمرها؟ بمعنى آخر :من ينصف للدولة إذا جارت المعارضة؟

الإجابة عن هذا السؤال نجدها فى الآية الكريمة: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شىء فردوه الى الله والرسول .

من الآية الكريمة نفهم أن طاعة الله واجبة بلاشرط وطاعة الرسول واجبة بلاشرط وطاعة أولي الأمر واجبة إذا أطاعوا الله ورسوله . فإذا إختلف الناس وولاة أمرهم إحتكموا الى كتاب الله وسنة رسوله ، وهذا ما فعله أمير المؤمنين عليّ مع أهل الشام فى قضية التحكيم. وذكرنا سابقا كيف أحتكم الخليفة العادل عمر ومعارضة الجند الفاتحين الى لجنة من المسلمين فى قضية مصير الآراضي المفتوحة فى العراق وفارس ومصر والشام .

إذن يجب علينا أن ندرك تماما أن الهذف هو الإصلاح فلاينبغي رفع السلاح أمام الدولة بحيث يكفي الإحتجاج السلمي ، ولا الإحتجاج حيث يكفي الحوار والتحاكم الى الآليات القانونيّة المشروعة .

ما أريد أن أختمه فى هذه الفقرة هو: بقدر سعة فهم المعارضة ونضجها السياسي يحصد الشعب ثمار الإصلاح ، وبقدر إنغلاق فهم المعارضة وسذاجة سياستها تذوق الأمة الويلات والمهالك .

7-   الخلاصة

من يمعن النظر الى حقيقة الوجود البشري في الكون يرى أن غاية الإنسان في الحياة هي مراقبة معنى (الخلافة) وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. فالناظر فى الأمر يجد أن الله خلق الإنسان ونفخ فيهم الروح ليصونوا عهده فى الخلافة ويحققوا غاياتها فى الوجود ، وأولها تحقيق العدالة ونشر الفضيلة ومكارم الأخلاق ، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. هذه الأشياء هي التي تحافظ على فطرة الوجود وبها يبقى الإنسان على فطرته التى فطرها الله عليه! وبالتالي فلايصعب على الإنسان إتيان ما من أجله خلق الا وهي العبودية لله وحده لاشريك له .

ولهذا فإن النفوس ما بين نفسين : نفس تعيش فى الفطرة تستمتع بكامل حريتها وحقوقها وتؤذي ماعليها من الواجبات لاتظلِمون وتُظلمون ؛ فتلك أحرى أن تسعى الى الله حتى تصل الى بابه فتخر على أعتابه تحت مشيئته وقدرته . أما النوع الثاني من النفوس فنفس تعيش من أجل الحياة على الفطرة فتسعى إلي رفع الظلم وكف الأذى عن المظلوم وتحقيق العدالة والمساواة التي نادى بها الإسلام فلا تقبل ظلم الظالمين ولاتخشى بطشهم ولاترجوا فضلهم.

فإذا كان كذلك حال الناس فحريّ بنا أن نقيس موازين العقل والمصلحة في حياتنا فنجمع مابين الشجاعة والعقل ومابين الجرأة والحلم ومابين السرعة والإقتناص . فندرك أنه لا توضع السيف حيث يكفى الحوار ولا الحوار حيث تكفي الإشارة .. ولاينبغي أن يصون الإنسان حياته ونفسه بذهاب قيمته فى الوجود وضياع جوهر الخلافة البشرية . فالمسلم ليس من يرضى عن الإستبداد والظلم والهوان من أجل أن يعيش فقط ، والمسلم ليس من يسمي الخنوع والذل إحتسابا! حيث كان الأحرى أن يكون رقيبا على الحريات وفى المساوات بين فئات المجتمع .

المسلمون شمعة الأرض بهم يهتدى الخلائق الى الله فلا ينبغي لهم أن ينحطوا من تلك المكانة السامية . والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم .

مصطفى أحمد (أبومحمد)

16 يناير 2016

جيبوتي

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.