العملية السياسية الصومالية تختلف عن نظيراتها في العالم بكونها تتم في عدد محدود من المواطنين الذين أغلبهم من النخب التي لها أهداف معقدة من الانتخابات، ورغم محدودية العدد إلا أن غياب المؤسساتية السياسية (الحزبية) أو المرجعيات الفكرية سواء كانت دينية أو طائفية أو فكرية، وضعف الانتماء القبائلي الذي لا يستطيع التوفيق بين الناخبين على مصلحة سياسية واحدة تجعل العملية السياسية الصومالية أحد أعقد وأصعب العمليات السياسية على اللاعب السياسي وعلى المحلل السياسي وعلى المتابع والمهتم بها.

في التقافة السياسية السائدة منذ عام 2000م كانت الدخول إلى عالم السياسية من أجل هدف واحد هو الحصول على المال، وهو السبب الرئيسي لاشعال الخلافات السياسية المتكررة والتي أعاقت تقدم الحكومات الانتقالية، حيث أن البرلمانيين كانوا يثيرون المشاكل من أجل الحصول على حصتهم من المال الهائل المسروق من خزانة الدولة من قبل الجهات التنفيذية، هذا التقليد حاليا بات يتغير بعد التحول النوعي للعملية السياسية الصومالية برمتها.

من هنا يأتي السؤال: ما هي المعايير التي يعتمد عليها الناخب الصومالي الحالي (البرلماني)؟ أي ما هي الدوافع التي تجعله ينتخب مرشحا معينا دون غيره؟

التقيت عددا كبيرا من البرلمانيين في البرلمان بمجلسيه، ويمكنني القول بأن الناخب الحالي يعتمد في تقييمه على المرشحين عددا من المعايير هي:

  1. ما هو موقع الناخب في القصر الرئاسي التي سيقوده المرشح المنتخب؟ هل سيصبح ضيفا في المكتب أم يكون شريكا في المكتب (يكون له دور في القرارات السياسية وغيرها التي يأخذها المرشخ المنتخب)؟ هذه النقطة تلعب دورا محوريا في ذهنية الناخب السياسي البرلماني.
  2. ما هي الفرصة السياسية التي سيحصل عليها في الحكومة القادمة؟ هل سيقلد حقيبة؟ كم هي نسبة الحصول على هذه الفرصة؟ هل هناك من سيحجزه عن هذه الفرصة من فريق المرشح؟ (يراجع بشكل دائم على الفريق الذي يشارك في الحملة الانتخابية) فهذه القضية تفرض على المرشح للرئاسة التفكير بشكل عميق على الفريق الذي يقود حملته، لأنه قد تؤدي إلى مضاعفات سلبية.
  3. ما هو دور فريقه وأصدقائه في الفترة القادمة؟ أي النظر إلى الفترة وفرصها بشكل عام ما يبرز ماهية الدور الذي يمكن أن يلعبه أصدقائه من أي قبيلة كانوا في الحكومة القادمة وهذه النقطة تكون هي الأهم لدى كل الناخبين الذين باتوا محجوزين بسبب الانتخابات البرلمانية، حيث أن المحاصصة القبلية ستمنعهم من الحصول على حقيقة وزارية، لكونهم من قبائل ينتمي إليها رئيس أو نائب رئيس أحد مجلسي البرلمان.
  4. هل المرشح قابل للتسويق له؟ أي هل المرشح من القبائل التي لها الفرصة في تولي الرئاسيات؟ هناك قبائل من المتوقع أن يأتي الرئيس منهم لأسباب موضوعية متعارفة عليها سياسيا، فهل المرشح من هذه القبائل؟ وإذا كان ما هي فرصة حصول هذه القبيلة على ثقة القبائل الأخرى؟ أي هل هناك قبائل تشعر بالقلق من تولي هذا المرشح الرئاسة لكونه من القبيلة الفلانية؟ (هناك قبائل متنافرة لا يمكن أن يقبل بعضها بعضا ما يفرض على الناخب من أجل الحفاظ على تأثير صوته النظر إلى المرشح من زاوية القبيلة، فإذا ظهرت أن هناك قبائل ذات صوت قوي (خاصة تلك القبائل الناخبة فقط للمحاصصة السياسية المعمولة بها، حيث لا يكون لها منتخب حاليا مثل قبائل رحنوين، در، والآخرون) ترفض تولي المنصب الرئاسي من شخص من قبيلة يعتبرونها مهددة لمصالحهم أو بينهم مشاكل جيوسياسية، فإن الناخب سوف لا يجرأ وضع أوراقه على المرشح حتى ولو كان الأفضل شخصيا، لأن السياسة لا تعرف العاطفة فهي تعتمد على الواقع كما هو.
  5. الناخب الحالي تحمل تكاليف مالية هائلة في حملته للمقعد البرلماني فهل يمكن المرشح أن يساعده في تخفيف الديون التي وقعت عليه شخصيا لغياب النظام الحزبي؟ هذه النقطة مهمة جدا، حيث أنها إلى جانب كونها مساعدة مالية مهمة هي أيضا مؤشر مدى جدية المرشح لدخول المعمعة السياسية.
  6. هل الحكومة التي سيترأسها المرشح قابلة للاستمرار؟ الحقيقة أن البرلماني يملك فرصة لأربعة سنوات وهي قليلة ومهمة جدا، فأي لحظة منها تعني الكثير له، فهل هذا المرشح قادر لإدارة الدولة بما يجعلها فاعلة في كل هذه المساحة الزمنية أم سيكون هناك قلاقل سياسية؟ فأي مرشح لا يعطي الطمأنينة للناخب السياسي في قدرته على إدارة الدولة في الفترة الرئاسية بشكل هادئ لا يمكن له الحصول على الصوت، لأن الناخب السياسي يريد أن يستغل عن فترته بشكل يحقق أهدافه السياسية.
  7. ما هي نظر المجتمع بشكل عام على المرشح؟ الناخب الصومالي ليس من جزيرة غزلان فهو إنسان يعيش مع مجتمعه يأثر ويتأثر، ولا يمكن له التجاهل على تقييم المجتمع للمرشحين، لأن ضميره يفرض عليه ذلك، حيث ينوب عن ما يقرب بـ40 ألف شخص في الانتخابات، فلهذا ينظر ما ذا سيقول الشعب عن انتخاب هذا المرشح؟ فإذا كان هناك توقع سلبي من المجتمع فإن الناخب سوف لا يذهب إلى هذا المرشح، لأن انتخابه سيجعل الناخب بلا قيمة أمام المجتمع، فأي مرشح له خلفية سياسية سيئة أو متهم بالتعبية للأجنبي سوف يتأثر بهذه النقطة ولا شك.

بعد نقاش جاد مع عدد كبير من الناخبين توقفت على أن هذه البنود المذكورة أعلاه تمثل أهم العوامل المؤثرة على قرار الناخب السياسي الذي حسب ما شاهدناه في الانتخابات التي جرت إلى الآن مستقل بكل ما تعنيه الكلمة في أخذ قراره، وكل الخاسرين في الانتخابات الماضية لم يخسروا إلا بعدم توفر أغلب العناصر المذكورة أعلاه.

النقطة الأهم التي ينبغي أن تكون واضحة هي أن القرار السياسي مبينى على التكهنات والتوقعات والتحليلات فقد يكون المرشح متأثرا سلبا على هذه النقاط لا لأنه سيء بل لأن التوقع والتكهن يصور ذلك في عقلية الناخب فيأخذ قرارا سلبيا ضده.

وعليه فإن المرشح الذي سيفوز هو الذي يستطيع تصوير نفسه بحقيقتها، بحيث يعطي الناخب فرصة فهم مشروعه السياسي فكريا وفلسفيا، ويستطيع تقديم الضمانات في كونه شريكا في المشروع لا بائعا أو مشتريا كما أنه يقدم صورة رائعة للمجتمع المحلي الذي ينتمي إليه الناخب.

#سطور ما وراء النقاش…

يقلم/ أبوبكر بسير محمد

كاتب ومحلل سياسي.

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.