مهما عظمت الأسباب التي أدت إلى المجابهات والمواجهات العسكرية بين الحكومة الصومالية وحركة الشباب؛ فإني لا أرى لهذين الفريقين بديلا عن الجلوس سوية إلى مائدة واحدة، وبدئهم لحوار جاد وصادق فيما بينهم؛ لإرضاء الله سبحانه، ثم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح هذا الشعب ومقدراته ، وإنهاء آلآمه ومآسيه التي طالت وامتدت، ولإستئصال الفتنة القائمة بين المجتمع واقتلاعها من جذورها، ولكتابة نهاية أبدية لهذا الليل الطويل المظلم الدامس الذي لا تعرف الأمة له مخرجا.

ويوجد اليوم رغبة واسعة لدى شعبنا بمختلف فئاته وجماعاته بلا استثناء؛ في عقد حوار وتنظيم مؤتمر سلام بين هذه الأطراف. فإذا تحققت هذه الرغبة فعليا ، وعُقد هذا الحوار، ورأى الشعب هذين الفريقين بالذات وهما يجلسان سوية على مائدة واحدة، ويتحاوران، ويتنازلان لبعضهما البعض؛ من أجل مصلحة الأمة الصومالية العليا،  فسوف يحدو الشعب أمل كبير، وتعود إليه روح الحياة من جديد، وسيفرح كثيرا. والذي يهم الأمة اليوم  هو التقاء هذه الأطراف وتفاوضهم وتحاورهم، ولو فشل  حوارهم فيما بعد، ولو لم يسفر عن أي نتيجة.

وفي الحقيقة؛ فإن الصراعات القائمة في بلادنا -كما أشرت إليه مرارا-لا ولن تحل عن طريق السلاح بل عن طريق الحوار والمفاوضات، وفي الأخذ والرد، وبصيغة: لا غالب ولا مغلوب. فالحوار هو الطريق القصير الآمن المؤدي إلى السلام والأمان العاجل، والاستقرار المجتمعي الدائم، وهو الأمر الوحيد المضمون الذي يمكن أن يُحدث تحولاً جذريا وحقيقيا في الواقع السيء الذي تعيشه الأمة اليوم.

فهذا السلاح الذي آمن به الجميع كإيمانهم بالله واليوم الآخر، واعتمدوا عليه كليا، وتوكلوا عليه، واعتقدوا أنه مخلصهم الوحيد ، وجعلوه بديلا عن العدالة والحق والدولة والنظام والقانون؛ لن يحقق شيئا لأحد في الأمد القصير أوالبعيد، مهما وصلت كمية سلاحه وأعداد أفراده المسلحين.

فلمن يعرف ولمن لا يعرف؛ فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتودد اليوم لفتح حوار مع حركة طالبان الأفغانية؛ لإنهاء الصراع الدائر بينهما في أفغانستان لسنوات عديدة، بعد فشل الحل العسكري والاستخباراتي، وإخفاق الأسلحة والصواريخ والطائرات والأساطيل في مهمتها وفي إحلال السلام في ذلك البلد المسلم الغارق في الدماء مايقارب نصف قرن من الزمان.

فمن كان منا يتصور أن أمريكا بكبريائها وغرورها، والتي تصف نفسها بأنها أكبر دولة تحارب الإرهاب في العالم؛ تتفاوض مع حركة طالبان؟!

فالحكومة الصومالية وحركة الشباب؛ ليس بينهما فروق كبيرة كتلك التي بين أمريكا وطالبان، من حيث الدين والعقيدة واللسان والثقافة والفكر والأصل والعرق وغير ذلك من الأمور. فكلاهما ينتميان إلى دين واحد ووطن واحد وأصل واحد وعرق واحد ولغة واحدة، وإن كانت بينهما اختلافات أيديولوجية فكرية وسياسية؛ يمكن إذابتها وصياغتها وترتيبها بشكل حسن يرضي الطرفين، ثم يرضي بعدهما كل الأمة الصومالية. لذلك كان لزاما عليهما؛ أن يدخلا في حوار جاد مع بعضهما البعض في أسرع وقت ممكن، وأن يتنازلا لبعضهما البعض؛ لله ثم للمؤمنين من الأمة الصومالية، وأن يعليا المصلحة الدينية والوطنية، وأن يبحثا عن حلول وسطية يجتمعان عليها ويلتزمان بها، ويقدما مصلحة هذا الشعب المسكين الذي يكتوي بنار الحروب الأهلية ما يزيد على ربع قرن من الزمن.

والأمر الجدير بالذكر والمهم في نظري، والذي شجعني على كتابة هذه السطور هو أني رأيت أن الظرف الحالي هو الأكثر مناسبة وملائمة لبدء المفاوضات الصادقة بين هذه الأطراف المتصارعة على أرض الوطن. لأنه بعد انهيار الحكومة المركزية الصومالية في تسعينيات القرن الماضي؛ تعدّدت مراكز القوة في البلاد، وتفرقت كلمة الأمة، وتشتت شملها، فما كان يستطيع أحد في السابق أن يخطو خطوة واحدة دون إرضاء كل الأطراف المسلحة المتناحرة. أما اليوم؛ فاختلف الأمر اختلافا كبيرا، وتخلصت مراكز القوة وتجمعت في يد هذين الفريقين بنسبة كبيرة جدا. لذا كان عليهم أن يستغلا هذه الفرصة الغالية ويحققوا السلام الدائم لأمتهم البائسة.

ومما يحزن له قلب كل وطني مسلم؛ أن المواجهات بين هذه الأطراف وصلت لكافة البيوت والأسر الصومالية. فترى أفرادا من أسرة واحدة، يعادون بعضهم البعض، لإنتماء بعض أفرادها للحكومة الصومالية وبعضها الآخر لحركة الشباب. فكانت الحروب الأهلية السابقة تُقام من أجل القبيلة، وكان يموت في سبيلها المئات والآلاف. والحروب اليوم تُقام بسبب الأيدلوجيات والأفكار الشخصية ، ويموت في سبيلها أيضا المئات والآلاف.

وأعتقد إذا تقارب هذان الفريقان اليوم وتفاوضوا وتفاهموا فسوف تنتهي أغلب المواجهات في الوطن، وسوف تحل أغلب المشاكل فيه، وسوف ننعم في أمن وسلام؛ بإذنه سبحانه.

بقلم / عبد الرحمن سالم

 

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.