نكتب عنه حباً ووفاءاً وتقديراً لروادنا في محافل العلم المعرفة.

رحم الله الدكتور علي حسن محمد الصومالي الذي توفي البارحة في عاصمة مقديشو عن عمر يناهز 73سنة بعد أن قضى جلّ حياته في رحاب العلم والمعرفة ، وكل من تعرف المرحوم عرفوه بتواضعه الجمّ وسماحته الواسعة وحرصه على السكينة والوقارة، وإلتزامه بالتروي والتأنّي، تعرفتُ عليه في المملكة العربية وخاصة في بيت الأستاذ الشيخ مصطفى حاج حسن في جدة، عند زيارته لتطوير جامعة مقديشو، ثم نزلتُ عليه ضيفاً في مقديشو، أراقفه في مقر عمله ومسكنه، رحم الله فقيد فقيدنا الغالي وأسكنه فسيح جنته.

ترجمتُ له في معجم المؤلفين الصوماليين بالعربية ولعله يأتي في كتاب” شامل الأخبار في تراجم الصومال الأخيار ” بترجمة أطول مع كوكبة من أهلنا هنا وهناك، إذا قدر الرحمن … فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ.

وقبل ذلك نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلبسنا لباس الصحة والعافية ويبارك العمر والوقت.. آمين.

فمن هو فقيدنا يا ترى؟

الدكتور علي حسن محمد الصومالي الوعيسلي الأبغالي من مواليد قرية عيل طير في إقليم غلغدود في عام 1944م، وأمه فاطمة محمود ورطيري الأبغالية ،ونشأ وترعرع في بادية عيل طير لاسيما في منطقة مسغ واي   Masaga waay .

مراحل تعليمه

كانت بدايتها في مسقط رأسه حيث تعلم القرآن حتى حفظه على ظهر الغيب ، ثم انتقل من البادية إلى قرية مسغ واي التي أسسها الشيخ إبراهيم شيخ محمود الأبغالي المتوفي عام 1969م، وبعد وفاة معلم إبراهيم وتولى بعد ابنه الشيخ سعيد بن الشيخ إبراهيم،  ولما توفي ورثه أخوه  الشيخ عامر شيخ إبراهيم القيادة ومشيخة القرية والطريقة الأحمدية، وكان الأخير من تلاميذ شيخ علي ميو البكري.

ومراحل التعليم للمرحوم الدكتور علي حسن محمد الأخرى فيما بعد  انطلقت في البداية في مساجد وموالع وأروقة العلم في القرية بدءا بدراسة علم الفقه على يد الشيخ إبراهيم بن شيخ محمود المؤسس وأخوه الشيخ أدم شيخ محمود ، ثم انتقل الفتى إلى العاصمة مقديشو والتحق بالمدارس العربية التي كانت يسمى مدرسة معلم جامع وحصل عام 1985م على شهادة الابتدائية الإسلامية التابع بوزارة التعليم الصومالية. وفي أعوام 1962 -1963م وجد المنحة الدراسية إلى جمهورية مصر العربية وحصل على شهادة الثانوية الأزهرية عام 1966م في القاهرة. ثم التحق عام 1966 – 1967م جامعة القاهرة كلية دار العلوم ، وتخرج عام 1970م بحيث حصل على شهادة ليسانس باللغة العربية والعلوم الإسلامية ، ثم رجع إلى بلاده حيث انتظم إلى سلك التدريس وأصبح مدرسا بمدارس الثانوية في مدينة جوهر 1970 – 1972م، وبعد ذلك سار مدير مدرسة عمود  الثانوية في مدينة بورما في 1973 – 1975م، ثم أصبح مديرا للمنظمة التعليمية لمحافظة مدق في جالكعيو من 1975م إلى 1977م والتي كان يسمى BRO. وقي عام 1977م تحول إلى مقديشو وأصبح طالبا لكية التربية ( لفولي ) حيث حصل على شهادة بكاليوس عام 1981م من قسم التاريخ . وفي أعوام 1977 – 1981م كان مدرسا لعدة الكليات للجامعة الوطنية ، ثم في عام 1983 وحتى عام 1985م أصبح عميدا لكلية التربية ( لفولي ). وفي أعوام 1987 – 1988م التحق بالأكاديمية العليا للاستراتيجية القومية في الصومال. كما أصبح عميدا لكلية العلوم السياسية والصحافة بدءا من سنة 1989م وحتى سنة 1990م بعد اندلاع الحرب الأهلية وقيام الفوضى والتمرد.

وفي عام 1993م سافر إلى السودان والتحق بمركز الدراسات الإفريقية التابع بجامعة إفريقيا العالمية ، وحصل على درجة الماجستير في الدراسات الإفريقية وكان ذلك في عام 1996م. ثم بعد ذلك حصل على دبلوم العالي في العلوم السياسية في جامعة النيلين وكان ذلك في عام 1997م. كما حصل درجة الدكتوراه في السودان . وبعد هذا الكفاح المرير رغم الظروف التي كانت تمر بها بلاد الصومال ورغم كبر سنه ومسؤولياته الكبيرة إلا أن السيد علي حسن كافح وجاهد حتى وصل الهدف ولما رجع إلى الصومال وخاصة مقديشو استأنف عمله في جامعة مقديشو مدرسا ومسؤولا بحيث كان نائب رئيس جامعة مقديشو للشئون الأكاديمية منذ عام 1997م بالإضافة إلى أنه كان استاذ الدراسات الإفريقية في الجامعة.

وفي ميدان التأليف والابداع استطاع المرحوم بتحقيق عدة بحوث منشور وغير ومنشورة مثل:

الأجزاب السياسية ودورها في استقلال الصومال في الفترة 1943 -1960م

ونال المؤلف من خلاله كتابه هذا درجة الماجستير في الدراسات الإفريقية من جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم عام 1996م،  وتناولت الدراسة نشأة وتطور الأحزاب السياسية فى الصومال وموقف الدول الاستعمارية من القضية الصومالية , ودور الأحزاب السياسية فى فترة الوصاية حتى الاستقلال والوحدة إلى الربط بين الظواهر السياسية فى الصومال وإيجاد أرضية سياسية يمكن البناء عليها لتحسين الوضع السياسى إلى الأفضل هناك مع تشخيص الأخطاء السياسية ومسبباتها أو الطرق المثلى لعدم تكرارها فى العمل السياسى فى الصومال ، وتبيان خطورة استيراد الأنماط السياسية من الغرب , مع أهمية القيم مثل تكاملية النمط القيادى , والتنبيه إلى التفاهم لإنجاح السياسات ورفع مستوى الوعى السياسى لدى القادة وصناع القرار ، مع وضع نموذج واضح للنضال الناجح فى الصومال , وسار البحث وفق المنهج التاريخى والوصفى التحليلى , والملاحظة والمقابلة الشخصية كأدوات بحث، وتوصل إلى نتائج منها : أن فكرة الصومال الكبير لم تنشأ من فراغ ، ظهور تيارات دولية معارضة ومواقف استعمارية تجاه القضية الصومالية..الخ وأوصت الدراسة بعدة توصيات من أهمها ، تحقيق فكرة التوحيد للأحزاب الخمسة الصومالية , وتنمية الانسان الصومالى ، وتوحيد القبائل المتصارعة ، وتشخيص الأخطاء السياسية ومسبباتها. ويقع هذا البحث حوالي 200 صفحة تقريبا.

الأزمة الصومالية الحالية وأسبابها وطبيعتها ونتائجها ، دراسة استراتيجية

الكتاب عبارة عن بحث علمي في غاية الروعة والجمال ، وقد نشر البحث ضمن البحوث العلمية الأكاديمية التي نشر في مجلة الدراسات الاستراتيجية بالخرطوم  بمركز الدراسات الاستراتيجية بالخرطوم في السودان في العدد 4 أغسطس عام 1995م  .

الجذور الاجتماعية للمشكلة الصومالية

وهو أيضا بحث علمي نفيس ،  وقد نشر البحث في مجلة الدراسات الاستراتيجية بالخرطوم في السودان في عددها السادس في الفترة أبريل ، مايو ،ويونيو في عام 1996م.

نظرية توازن القوى في العلاقات الدولية

وقارن المؤلف لبحثه هذا بين الصومال والحبشة وبين العراق وإيران، كما قارن بين باكستان والهند، كل ذلك في الحروب ، والختام قارن الصراع بين الدول النامية من ناحية والقوى السياسية الكبيرة من ناحية أخرى ، وذكر نبذة تاريخية عن بداية الدبمالاسية ، علما أنّ هذه الدراسة قدمت إلى جامعة النيلين بالخرطوم لنيل دبلوم عالي في العلوم السياسية وذلك في عام 1997م ، ويقع البحث حوالي 120 صفحة تقريبا.

الأحزاب السياسية في العالم الثالث

وتحدث المؤلف منذ أن تدأت نظرية الأحزاب والكتل السياسية ، وذكر الأحزاب في إفريقيا آسيا ولم يمهل الدراسة نوعية الأحزاب من البعثية والشيوعية والوطنية وغير ذلك في العالم الثالث وبالذاب تلك التي تخمل نظريات الإفريقية والقومية العربية ووجه اختلافها ، وفسر ما هو عالم الثالث والفرق بينه وبين العالم المتقدم كما تحدث عن طبقات الفلاحين والعمال. وتكلم الصومال وغيرها وعن شخصيات سياسية مرموقة في إفريقيا وآسيا مثل: نغروما وسنغور وجمال عبد الناصر ومشيل أفلق السوري مبينا بظريات هؤلاء جميعا.

والكتاب اهتم بدراسة الأحزاب السياسية في العالم الثالث بالمقارنة مع الأحزاب الغربية الديمقراطية الليبرالية، غير أن المؤلف ركز على نظام الطبقات ودوره في تشكيل الأحزاب الغربية، وأشار المؤلف إلى غياب ذلك عند الأحزاب العالم الثالث، مشيراً أيضاً إلى تقدم العالم الغربي في هذه الناحية على العالم الثالث في النواحي السياسية و الاقتصادية والاجتماعية، والمؤلف بصفته من الصومال خصص ببلاد الصومال جانباً من الدراسة، فتحدث عن الأحزاب الصومالية السياسية قاطبة، وقد تطرق إلى دور الأحزاب السياسية في الصومال في قيادة الحركات التحررية حتى الاستقلال عام 1960م. وقد توصل الباحث من خلال هذا البحث إلى بعض نتائج منها : عدم تنظيم هذه الأحزاب في العالم الثالث وأن أغلبها لها صبغة قبلية أو دينية أوطائفية، وراي الباحث بأنهم لا يصلون إلى مستوى مرموق  في العالم السياسة والأحزاب السياسية الأخرى في أوربا. وتوصي هذه الدراسة بأن العالم الثالث إذا أراد التقدم والتطور في مجال السياسة ينبغي أن يوجد حزبا قوميا وطنيا مركزيا . الجدير بالذكر أن هذا البحث أصله قدم إلى معهد الدراسات الاستراتيجية  في الخرطوم لنيل دبلوم في الدراسات الاستراتيجيةٍ ، ويقع هذا البحث حوالي مائة وزيادة صفحة.

العشائرية وأزمة الحكم في الصومال في الفترة ما بين 1960م – 1995م.

بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من قسم العلوم السياسية في جامعة النيلين، بالخرطوم، والمؤلف قام بدراسة المجتمع الصومالي، أصله وتركيبته العشائرية التي تقوم على العصبية والتنافس، والطبيعة البدوية للمجتمع الصومالي التي تعتمد على التنقل ولترحال حسب ما تقتضيه الظروف الطبيعية والبيئية القاسية، وذلك خلال ثلاث مراحل بدءا بمرحلة ما قبل الاستعمار مروراً بمرحلة الاستعمار وانتهاءاً بمرحلة ما بعد الاستقلال. وقد قسم المؤلف حديثه عن العشائر الصومال وعلاقتها بالحكم بمراحل مختلفة، حيث بدأ مرحلة ما قبل الاستقلال الصومالي، وتحدث عن هذه الفترة التطور الاجتماعي الذي حدث في الصومال، والتركيبة العشائرية للمجتمع الصومالي، ثم أتى الفترة ما بعد استقلال الصومال وفي هذه  المرحلة تحدث المؤلف عن تجربة الحكم المدني والصراعات القبلية التي صاحبت في هذه الفترة، أما في مرحلة تغيير أسلوب الحكم للبلاد عند حدوث أسباب الانقلاب العسكري في الصومال تناول المؤلف أسباب الانقلاب العسكري وكيفية توزيع الحقائب الوزارية ونواب مجلس الشعب على العشائر الصومالية الصومالية. وفي الختام تناول المؤلف أن العشائرية وأزمة الحكم في مرحلة ما بعد انهيار الدول الصومالية عقب حدوث الحرب الأهلية للبلاد، وهذه المرحلة ذكر المؤلف أسباب سقوط نظام الرئيس زياد بري والجبهات المعارضة المسلحة، والصراعات العشائرية على السلطة. والكتاب يقع في 293 صفحة عدا الملاحق.

اللغة العربية ومكانتها في الصومال

هذا البحث عبارة عن ورقة علمية قدم بها المؤلف إلى الندوة العلمية لتقوية اللغة العربية المنعقدة في مقديشو في الفترة ما بين  6 – 9 يوليو عام 1986م.

 

بقلم/ د. محمد حسين معلم

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.