الثامن من شهر فبرايو من العام الحالي يوم من أيام الشعب الصومالي المنكوب. يوم اختارالبرلمان بمجلسيه في جلسة واحدة رئيس الوزراء السابق محمد عبدالله محمد “فرماجو” رئيساً. بعدهاعمت البلاد تظاهرات شعبية عارمة. أهي نقطة فاصلة جوهرية أم نقطة من النقاط السوداء التي شهدناهامن قبل؟ هناالمعضلة!
بغض النظر عن التأييد العفوي الذي دائما لا دخل له في موازيين القوى في البرلمان أوالحكومة أو بالأحرى عن السياسات العقيمة التي انتهجها الساسة الصوماليون من الإستقلال إلى الْيَوْم.
كذلك بغض النظر عن الترحيب والتأثر الشعبي هنا ما يهمني كمحلل ومتابع لتقلبات الساسية والساسة الصوماليين: ماذا سيحدث بعدالتهييج الشعبي؟ أو بالأحرى ما يهمنا ليس مدى نزاهة الرئيس فرماجو عن القبلية والفساد الإداري والمالي بقدر ما يهمنا فهم سياسته الداخلية (مع رؤساء الإدارات الفدرالية، مع وجهاء العشائر والساسة) والساسية الخارجية وخصوصا مع دول الجوار، إثيوبيا بالتحديد.
قد ينظرالبعض -ولهم بعض الحق- إلى فوز فرماحو نقطة تحول وصحوة لكن مايهملونه هو عدم تحليلهم لواقع اختيار فرماجو، لأن الكل يعلم أن اختياره لم يكن في الحسبان ولا متوقعا على الأقل لم يكن من المرشحيين الذين حظوا بتأييد عدد كبير من البرلمانيين أيام الحملات الإنتخابية.
بعدالمقدمة السريعة أود أن أتطرق قليلا إلى الأسباب التي أدت إلى فوزه قبل أن أوضح العقبات التي تواجه خطواته:
١- نعم فوز فرماجو لم يأتِ في دفع الكثير من المال مع أنه لم يكن نزيها في إعطاء الرشوة لبعض البرلمانيين، وهي عملية واقعية لا يمكن لأَحَد أن ينكرها وإلّا سيكون كمن ينكر الشمس في وضح النهار.
٢- تنازل الرئيس السابق حسن شيخ من خوض السباق في الجولة الأخيرة، رغم أن الفوز كان محسوما لصالح فوماجو، إلا أنه عبارة عن نضج سياسي وفهم للواقع وأعلن الإنسحاب.
٣- كثرة المرشحيين من قبيلة “هوية” التي حصل أبناء مرشحيها أكثر عدد أصوات البرلمانيين من جميع القبائل. هذا إن دل على شيئ إنما يدل على أن فوز فرماجو كان عبارة عن هذا التنازع الذي حصل بين مرشحي تلك القبيلة!
٤- الاحتقان السياسي الذي أنتجه حكم الرئيس السابق حسن شيخ محمود من نهج سياسة التخويف تقليدا واتباعا لسياسات الديكتاتوريين من قمع للسياسيين وحبسهم وتخويفهم، وهذا ما أجّل وصول بعض المرشحيين إلى العاصمة مبكرا لخوض الحملة الإنتخابية خوفا من العقبات الأمنية وتبعاتها، حيث عمّ لدى الناس أن بعض الإغتيالات التي حدثت أيام حكم حسن شيخ كان ممنهجا ومأمورا من القصر الرئاسي، رغم أنها تُهَمٌ بدون دليل!
ليس هذا فحسب بل علاوة على ذلك سياسة الإنغلاق والفردية التي أثرت كثيرا مع علاقات بعض البرلمانيين والسياسيين ورؤساءالعشائر وبعض وجهاء المجتمع كالمثقفيين والمفكرين من شتى مناهل أفكارهم وميولهم.
٥- التشنج الحاصل في الأجواء السياسية وعدم الشعور بالإرتياح أدّت إلى خلق نوع من الكراهية والبغض لدى البعض إن لم نقل لدى الكل، مما أدّى إلى تحالفات سياسية كان المقصود منها عدم فوزحسن شيخ ومجموعته “الدم الجديد” مرة ثانية في حكم البلاد.
٦- وأخيرا في اعتقادي هناك نقطتين لا علاقة لهما في فوز فرماجو ولربما هماالمهيمنتان على الساحة السياسة والشعبية بعد انتخاب فرماجو ومعظم الناس مازالوا يقحمونها بدون منطق أوتحليل عقلي أوواقعي، وهما:

(١) الوطنية: هي قطرة ماء في المحيط ولا وجود لها في النواب ولا في الشعب اللَّهُمَّ إلا نادرا، لذا أنا أسمّيه “الوطنية العاطفية الفارغة” التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الْيَوْمَ من عدم النضج وفهم سياسة الواقع وأخذ قرارات حكيمة ومدروسة.

(٢) زيادة نسبة الشباب في البرلمان: فكر البعض أن فوز فرماجو كان ناتجا من كثرة عدد البرلمانيين الشباب الذي كان حاسما، وهي نقطة احياء ونهضة، لكن دون ذكر أن هؤلاء الشباب وصلوا الى البرلمان عن طريق الفساد والرشوة كما حصل في جميع الحملات البرلمانية والرئاسية.
بعد هذا الطرح سأعرض العقبات التي تواجه حكومة فرماجو لأن بعد الفوز تأتي الإدارة:
١- أولى العقبات هي العاصمة، لأن الرئيس منحدر من غير القبيلة المهيمنة على العاصمة إداريا وسكنا.
٢- الطامحون للمناصب والكراسي وفِي مقدمتهم منصب رئيس الوزراء الذي تم تعيينه، وهو ما أصبح واضحا في أجواء العاصمة بعد صدور مرسوم التعيين.
٣- دول الجوار: مع أن كلا من الرئيس الكيني ورئيس الوزراء الإيثيوبي قد حضرا حفل مراسم التسليم غير أن تسريبات صحفية أوضحت أن دول الجوار لم تكن مرتاحة، ولذا التعامل مع هذا الملف يحتاج إلى حنكة سياسية وعدم اتباع الشعارات الفارغة التي قد تعكر الأجواء وتخلق جوا من التوتر والإنغلاق الذي سؤدّي إلى جمود سياسي وإداري.
٤- الحماسة وعدم التأني: السياسة هي علم فهم الواقع وهي أيضا علم التريّث وعدم العجلة، ولهذا هناك من يعتقد أن الرئيس الحالي شعبوي و غير محنك على الأقل في التصرفات والقرارات التي يأخذها، والدليل الواضح هو مرسوم تعيين رئيس الوزراء الذي جاء بعد يوم من تسلّم مقاليد السلطة وبعدها للحظات سافر إلى السعودية! ما معنى هذا؟ أي سياسة هذه: تعيين رئيس وزراء وبعدها السفر؟ يا للعجلة!
٥- عدم خلق حلف سياسي قوي جدا مع بعض الدول التي لها نفوذ في منطقة شرق أفريقيا، على الأقل لا بد أن يتم هذا الحلف مع دول الجوار. نحن نعلم أن البلاد بمرحلة صراع خارجي بين الإمارات موكلة من دول الخليج وبعض دول الغرب وتركيا من جهة، تلك الصفقات التي تمت بين الإمارات وبعض حكام الأقاليم من صومالاند، وهناك محادثات مع بونت لاند في نفس الإتجاه. هناك العلاقات الصومالية الإيرانية المتواترة علاوة على الصراع المصري الإيثوبي حول النيل، و في الجانب الأخر الحائط التي تبنيه الحكومة الكينية على الحدود.
٦- الطامحون للمال وجمعه: هذه المجموعة موجودة بكثرة، وبالتالي ما يهمّهم هو المال والفلوس بأيّ طريقة حتى عن طريق التخريب والدمار، ولهذا على الرئيس أن يكون متوازنا في التعامل معهم وإلا سيكون مصيره مصيرالرئيس السابق.
وأخيرا وليس آخرا، صناعة الفرماجو “الجبنة” هي عملية تحتاج إلى وقت وجهد وتمهل، لكن في المقابل ايذابها لا يأخذ وقتا، ما يكفيك هو أن تضعها في مكان حارّ أو دافئ، لذا ما يرجوه الكلّ وعلى رأسهم الشعب هم عدم ذوبان الفرماجو.

 

بقلم/ بشير معلم حرسي

كاتب صومالي مهتم بقضايا السياسة والهوية الوطنية

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.