كان يوم الإثنين في 10 رمضان عام 1419ه / 28 ديسمبر كانون الأول 1998م حين نشرتٌ مقالاً أسميته في ذلك  اليوم ” دور الإعلام في تحقيق المصالحة الوطنية الصومالية” في جريدة المستقلة اللندنية في العددين 242-243، وقد قدر الله بعد 17 سنة أن يجوس في داخلي نفس الهاجس والإحساس والحزن على جوهرتنا الغالية، وأن نتوق إلى الحرية والشرف والكرامة لأمتنا ولوطننا. في تلك الفترة كان المهتمون بالقضية الصومالية من المخلصين سواء كانوا صوماليين أو غيرهم يصابون بالإحباط والفتور في بعض الأحيان، واليوم كذلك لم يختلف الأمر بكثير بالأمس، وكان الوضع كلما تقدم الزمن كان يتأخر حل المشكلة، بحيث كان تسير الأمور إلى الأسوأ، وهكذا اليوم،  وكان من العجيب في ذاك اليوم أن الجادين في حل القضية الصومالية من الأشقاء والأصدقاء لم يكن بقلة، مع ذلك استعصى الأمر وصار هباءاً منثوراً بجميع الجهود المبذولة في سبيل لملمة الأمر وإعادة المياه إلى مجاريها بسبب تعند أهلنا وهيمنة أمراء الحرب ومن وراءهم على زمام الأمور، بحيث أحجمت كثيرا من المثقفين الوطنيين جهودهم من قبل القلة المتحكمة في البلاد في تلك الفترة، وكان الطيبون يبحثون أبواباً جديدةً في إقامة الصومال من كبوتها وإعادة الأمل والبسمة على ذويهم، وكنت التقى كثيرا من الأصدقاء والأقرباء الغيورين على  دينهم وأمتهم منصباً هواجسهم على سبيل وصول الصومال إلى البر الأمان. ولا يختلف الأمر اليوم بكثير بحيث الدور المرتشي والقبلي يهيمن على الساحة هنا وهناك، ولا يبدو في الأفق بروز نجوم لامعة خارج إرادة الأجنبي والمرتشي وشيخ القبيلة، بل أبرمت اتفاقيات تعطي الصبغ القانوني والشرعي لشيخ القبيلة وأصحاب الرشوة والجواسيس للعدو والصديق.

     ولكي تعلو أصوات الأحرار من عبودية درهم ودينار، ومن أصنام العصر المنتنة – كما ذكر حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم- اقترحت ذلك اليوم تركيز قضية الإعلام، ورأيت أنّه من الأبواب التي ربما تساعد في حل الأزمة الصومالية عند تقوية دور الإعلام وطرح القضية عبر الصحف والمجلات والإذاعة أو حتى فتح قتاة قضائية تلفزيونية من خارج البلاد تبث كل يوم برامج تستوعب مشاكل الوطن وأخرى تبحث سبل إنهاء هذه الأزمة العويصة وطرق حلها بواسطة الفئة المخلصة-  وهم كثر- التي ألجمت أفواههم بالبنادق، والحق أنّه كانت هذه الفئة – وما تزال – تتوزع في جميع شرائح المجتمع الصومالي وأصنافه المخلتفة، ولديهم كوادر جادة تحقق  وتبرز آمال الأمة من جديد. وقد استغرب البعض ذلك اليوم عرض القضية عبر التلفاز، بل واستبعدوه  كلية بحيث رأوا أن البث التلفزيوني يأتي ضمن الأمور الترفيهية، والمجتمع الصومالي الذي يكافح من أجل إثبات وجوده ، والذي يفتقد من ضروريات الحياة غني عن ذلك. ولكن حينما برز في الميدان جهود جمهورية جيبوتي بقيادة رئيسها السيد إسماعيل عمر جيلي – حفظه الله وأيده – والذى نادى مؤتمر عرتي المعروف أخذت القناة الجيبوتية دوراً محورياً لا يقل عن الأدوار الأخرى في نجاح ذاك المؤتمر، وكان الشعب الصومالي في الخارج والداخل يتابع المؤتمر عبر الهواء رغم عدم قبول ذلك أمراء الحرب والقيادات القبلية الحاقدة. والحقيقة أنّ السبب الذي جعلني أخوض هذا الموضوع في ذاك اليوم هو أن مشكلة الصومال وأزمته الراهنة كانت تأخذ يوما بعد يوم مناح وطرق ملتوية، ويتعقد حلها بسبب الغموض الذي كان يكتنف الأوضاع حيث الأيادي التي تحرك من بعيد ومن وارء الكواليس، بالإضافة إلى التركيبة العجيبة التي يتكون منها هذا المجتمع. ومن الأسف الشديد وبعد 17 عاما من كتابة تلك السطور الماضية ما زالت أمتنا منقسمة ولم تصل حتى الآن إلى الاستقرار السياسي وإلى اختيار قيادته وربان سفينته بكل حرية وديمقراطية. وإذا كنا بالأمس نشتكي أمراء الحرب والحالة العصبية البغيضة، فنشتكي اليوم أمراء كنتونات وبراميل صبغت بألوان قبلية وتفرقة، وإذا كانت الأيادي الأجنبية هيمنت على مجرمي الحرب في تأجيج الفتنة وقتل الروح الوطنية بالأمس، فإن اللاعب الرئيسي اليوم الذي يملي قضايانا المسيرية لم يتغير بل كثر الطباخون في الميدان أكثر من ذي قبل، ومن هنا فلا محالة أن يفسد المرق ويتبدد الأمل بدلاً من أن يتعافى وتعود البسمة والأمل من جديد.

    وإذا كانت حاجتنا بالأمس إلى الكلمة الحرة ورفع صوت الشعب، فإن اليوم نحتاج إلى ترشيد هذه الكلمة وتوحيد إرادة الأحرار لنبذ العنف السياسي وتوحيد الصف الوطني تجاه بناء دولة حديثة تناسب الوطن وتعود شرفه وكرامته من جديد على أرض الواقع، لأنّ الرسالة الإعلامية الصادقة والهادفة تبنى أجيالاً وتنشئ مجتمعات جادة ومخلصة تعتز بدينها الحنيف وبحضارتها العريقة، بعكس الرسالة الإعلامية الهدّامة الهابطة التي تهدم الهمم كما تهدم المدافع القصور، وتخرج أجيالاً منحطة بعيدة عن قيم الإسلام السامية، كما أنّ الرسالة الهادفة تسلط الضوء على كشف القناع عن الدور النفعي اللامبدئي الذي يؤديه بعض الساسة وسماسرتهم هنا وهناك على حساب كرامة الأمة وشرف الوطن.

 

 

بقلم/ الدكتور محمد حسين معلم

النرويج

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.