تمهيد:

بعد ربع قرن من الزمان يشهد هذا الجزء الشمالي من الصومال أو ما يسمى بـــ ( جمهورية أرض الصومال ) انتخابات رئاسية ذات إقبال كبير في الناخبين، حيث وصل عدد الناخبين إلى أكثر من 700 ألف ناخب، كما استقطبت العديد من الدول التي تهتم بالمشهد السياسي الصومالي، وخاصة بالتطور الديمقراطي في ذلك الجزء.

ولكن المسيرة الديمقراطية لصومال لاند خولطت بنكهة قبلية ملحوظة منذ التأسيس، وحتى الآن، والتي أصبحت حجة أساسية للجنوب الذي استطاع أن يعيب  تلك التطورات السياسية في هرجيسا بوصفها محاولة لقبلية السياسة أو تسييس القبيلة بطريقة أكثر غموضا من الجنوب نفسه الذي يحدد القبائل المرشحة بوضوح.

انتخابات سابقة:

هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها صومال لاند انتخابات رئاسية، فقد سبقتها تجربتان في 2003 و 2010 و لم تكن تلك الانتخابات وليدة اللحظة، بل نتيجة لممارسات سياسية سابقة كانتخابات المجالس المحلية ( البلدية ) و البرلمانية.

يبدو للملاحظ في المسيرة الانتخابية الصومال لاندية أن هناك نضجا أو وعيا سياسيا لدى المجتمع بنسبة تعتبر كبيرة فقد تمخضت هذه الأحزاب الثلاثة ( كلميه و أُعد  و وطني )  من جمعيات بلدية تنافست من بين ستة جمعيات في ،2002 كما تشترك هذه الأحزاب في الرؤى الوطنية كالانفصال عن الجنوب.

و لهذا يعتبر إدراك مسار الملفات السياسية  لدى الأحزاب المختلفة واضحة، لكن الانتخابات الرئاسية لا تؤثر في قضايا تعمل صومال لاند من أجلها،  وتثير لها كل الجلبات الديمقراطية  مثل قضية الاعتراف، لأن الانتخابات وبالرغم من أنها خطوة متطورة في المسار الديمقراطي  ستكون مكسبا داخليا لا أكثر .

كذلك أجرت الجمهورية الانفصالية استفتاءا شعبيا من جهة واحدة في بداية الألفية الجديدة وأعلنت أن 97 من المصوتين صوتوا بنعم وعللت هذه الفارق الكبير بأن الانفصال لم يكن إرادة نخبوية عفوية بل رغبة شعبية ضد ما يروج لها منتقدوها.

أساليب جديدة:

من الملفت للنظر في الانتخابات الرئاسية الجديدة استخدام أساليب أكثر تقدما فقد أجريت مناظرة تلفزيونية بين المرشحين البارزين في قناة “هون كيبل” في هرجيسا والتي وصفت بأنها صفحة جديدة من أساليب استقطاب الرأي العام الأكثر إثارة و كذلك اتصال المرشحين بأرقام عشوائية للناخبين وطلب التصويت منهم  بعد عرض واستماع رغباتهم والتعهد بتنفيذ مطالبهم، مما زاد الأمر تشويقا.

لكن مؤسسة الدراسات السياسية و البحوث الصومال لاندية التي قامت بتحليل طبيعة تلك المناظرات وأجوائها أشارت إلى أنه يجب عقد مثل هذه المناظرات في مراكز علمية أوحرم جامعات، كما يجب أن ترتكز جميع تلك الأسئلة على استطلاعات و استبيانات من المثقفين لتكون أكثر علمية و حيادية.

ومن بين الأساليب الجديدة تسجيل الناخبين من خلال عيونهم و بصماتهم كوسيلة احترازية من التلاعب بالأصوات وإعادة التصويت أو أي شيء من شأنه الإخلال بأمن الانتخابات، حيث نشرت العديد من الأجهزة الالكترونية المختصة في أكثر من ألف مركز اقتراع.

وكان قرار إغلاق خدمة الانترنت من جانب وحظر مؤقت لمواقع التواصل الاجتماعي وقبول مختلف الفئات لهذا القرار مكانته في استقرار سير العملية الانتخابية .

حملات انتخابية مشحونة:

لم تسلم الحملات الانتخابية للأحزاب الصومال لاندية الثلاثة من شائعات تصل إلى حد تبادل الاتهامات بارتكاب جرائم سابقة وكانت مواقع التواصل الاجتماعية مثل فيسبوك و تويتر مسرحا للدعايات السوداء والرمادية المشحونة بغطاء قبلي على الرغم من أن المرشحين ينتمون إلى قبيلة واحدة من الشرائح القبلية المتعددة للمجتمع الصومال لاندي.

أثارت مسألة تأصيل القبيلة جدلا واسعا لدى الأوساط المثقفة في صومال لاند، إذ أن فكرة ترشيح الحزب لكبرى القبائل ترجح كفته في الحملات الانتخابية قد رسخت في أذهان  صناع القرار لدى الأحزاب السياسية الثلاثة .

وبالرغم من عقبة القبيلة في الانتخابات الصومال لاندية، إلا أنها ليست بالقدر الذي كانت عليه في الماضي، فقد فرضت القبيلة نفسها في الساحة السياسية بدون قصد – على ما يبدو  – و تأقلم كثيرون من المغتربين مع الوضع كأغلبية ساحقة وليس كقبيلة مهيمنة بعد أن أحجموا عن المشاركة في الانتخابات الماضية.

القولبة مستمرة:

لا أحد ينكر المعانات التي عاش سكان المناطق الشمالية الغربية معها من جحيم الدكتاتور السابق محمد سياد برى الذي لم تختصر انتهاكاته بأبناء هذه المنطقة، بل عمل في ذلك معظم السكان في الأقاليم الوسطى والشمالية الشرقية وعلى نحو متفاوت في الجنوب، حتى انهارت الدولة الصومالية مع سقوطه.

لكن حصر تلك الانتهاكات على سكان تلك المناطق الشمالية الغربية هو أمر غير واقعي على الإطلاق في الوقت الذي لا تتبنى أي جهة مسئولية ما فعله سياد على الجميع , واستغلال تلك الوقائع لتبرير الانفصال من الصومال، لم يكن كافيا على الرغم من استمرار الحكومات الصومالية المتعاقبة في استغلالها بشكل أكثر وضوحا من خلال تمييز أنفسهم عن الجنوبيين.

ويضاف إلى ذلك ما عانه المسؤولون الشماليون من إهانة واحتقار وتهميش لدى انضمامهم إلى الجنوب من عدم حصولهم على مناصب عليا إلا في فترة وجيزة قضى عليها انقلاب 21 أكتوبر والتي هي الأخرى يستغله كبار مسؤولي صومال لاند لتضليل الرأي العام لدى السكان وتوسيع الشرخ بين الجانبين.

ويبدو أن من يميل عن هذه الرؤية ( كراهية الجنوب ) و لوميلة غير واضحة يكون غير محظوظ في الساحة السياسية الصومال لاندية فها هو مرشح حزب العدالة (أُعد) فيصل على ورابي ذو التصريحات المثيرة للجدل يخسر مرة تلو الآخر بسبب ترنحه بين إشادة الصومال وتبرير الانفصال.

وتحظى تصريحات “فيصل” بنسب متابعة عالية بين كافة أبناء الشعب الصومالي و كان آخرها تعهداته للصومال لانديين بالحكم الإسلامي وإلغاء المحاكم الوضعية، مما جعل البعض يرى بأنها خطة تكتيكية لفيصل وليست رؤية حزبية .

ولا تزال بعض القبائل في أقصى مناطق شرق صومال لاند تعاني مما أعلنته الجمهورية الانفصال لأجله، فالتهميش يبدو جليا من الحصص المخصصة لها، رغم تجاهل المسؤولين الصومال لانديين لهذا الأمر واستمرارهم في القولبة بدعوى عدم التعرض للوحدة الوطنية، مما يعد تناقضا جليا لديهم في التعامل مع الأزمات المتشابهة.

اهتمام دولي:

تتمتع صومال لاند باهتمام دولي كبير تقريبا في كل الجوانب باستثناء مسألة الاعتراف التي تظل تسعى الولاية بشتى الطرق لتحقيقه عبر تبرير عدم قدرتها على مواكبة الجنوب الذي يشهد تهديدات أمنية وسياسية بخلاف صومال لاند.

وتسمح تلك العوامل للدول الكبرى وخاصة الغربية بإنشاء علاقات خاصة مع الولاية كشبه جمهورية تنقصها السيادة، وتراقب التطورات التي تحدث فيها عن كثب كما تعمل الجالية الصومال لاندية في الخارج بتحقيق الهدف نفسه.

ويحضر المراقبون من جنسيات مختلفة إلى صومال لاند أثناء الانتخابات الرئاسية وسبق أن أشاد المراقبون بانتخابات 2010 التي فاز فيها الرئيس سيلانيو و  وصفوها بالنزاهة والهادئة.

وغالبا ما تتسم انتخابات صومال لاند بالحساسية القبلية، كما هو الشأن في مختلف الولايات الفيدرالية الأخرى والحكومة الاتحادية في الصومال، حيث تثار النعرات القبلية قبل وأثناء مواعيد الانتخابات لأغراض تخريبية.

خاتمة:

إن الانتخابات الرئاسية لصومال لاند تُعدّ نقلة نوعية في المشهد السياسي الصومالي مقارنة بما يحدث في الولايات الصومالية الأخرى من انتخابات، حيث يختلف التمثيل النيابي عن المباشر وترشيح الأفراد عن الأحزاب، مما يصعب المقارنة بينهما.

ولكن تسخير الانتخابات الصومال لاندية لرغبات شخصية سياسية والتلويح بالانفصال ومعاداة كل ما له علاقة بالصومال من قبل الشماليين تعتبر مجرد أماني لا تتحقق في ظل رفض الانفصاليين التفاوض بشأن تقرير المصير بين الجانبين فالانتخاب شأن داخلي ولن يكون خطوة في طريق الاستقلال، كما يروج لها السياسيون في صومال لاند.

وكذلك لا يمكن للحكومات الصومالية المتعاقبة تجاهل الدور الذي تلعبه صومال لاند واستقرارها النسبي في تحسين الصورة العامة للصومال بسبب العوامل المشتركة، رغم إعلان الانفصال من جهة واحدة مثل الجنسية والرموز الدولية و التاريخ المشترك وغير ذلك.

تواصل معنا عبر هذا الإيميل:

Somaliatoday2006@hotmail.com

كاتب صحفي: عبدالله عبدالرحمن ( على عروس)

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.