كوننا أمّة عانت من الويلات لمدّة أكثر من ربع قرن، وبحاجة إلى الأمن والاستقرار والسلام والعيش الكريم، ننظر أي تغيير يحصل وكأنّه الذي يخلّصنا من الثبورالذي نحن فيه وعليه.
عندنا مثل يقول: “الغراب عنده الحظّ ليحصل على الماء، لكن ليس لديه السكينة والطمأنينة لشرب الماء!” هذا المثل ينطبق علينا كصوماليين، لأننا ومنذ الاستقلال، حصلنا على فرص كثيرة التي لم نستفد منها شيئا أو استفدنا لمدّة مؤقتة أو قصيرة.
عام الستّين عام استقلال أفريقيا، ونحن كنّا في طليعة الدول التي حصلت الاستقلال من الاستعمار، رغم أن بعض القوى السياسية والاستعماريين كانوا يريدون تأجيل الاستقلال لعقد واحد ونيله في السبعنيات.
بعد الاستقلال وخلال العقد الذي عقبه، انتهجنا سياسة الفساد الإداري والمالي، حيث نعتوها ب”دولة الفساد!” علاوة على ذلك كان التخبط السياسي سيد الموقف، حيث كنا متذبذبين بين المعسكرات الثلاث: الاشتراكي والرأسمالي ودول الحياد، حيث لم ننتهج ولَم نتبع سياسة ممنهجة ومضبوطة.
بعد اغتيال الرئيس شارمأركي في ظروف غامضة، انقلب العسكر على السلطة، وحكموها عقدين من الزمن، تميزت بالتضييق السياسي وقبضة الحديد الأمني، لكنها تميزت في بناء أكبر وأعتى جيش في شرق أفريقيا، وفِي طليعة جيوش القارّة الذي جَرّ إلينا هذا الويل الذي نعيشه الْيَوْمَ، كمان جزءا أساسيا من مشاكلنا التي لانستطيع أن نتنبأ متي ستنتهي!
بعد الإطاحة بالديكتاتور وفراره مهزوما مذلولا، الذين خلّفوه لم يكونوا أفضل حنكة وأسلم عقليّة بل العكس، حيث قال عمر عرتن قالب للجيش: “أن ينخرط كل جندي مع مليشيات عشيرته!” تلك كانت الكارثة التي قصمت ظهر البعير!
ثم كان التدخل الأمريكي والأممي تحت شعار: “إعادة الأمل!” الذي رَآه البعض “إعادة الهيمنة!” لم نستفد من تلك الفرصة، حيث كان بإمكاننا أن نتصالح مع الأميريكان ونعمل تحالف سياسي اقتصادي وعسكري قوي، بل قمنا عكس ذلك حيث سحلناجنود الأمريكان الموتى في شوارع مقديشو عام 1993 فيماعرف بحرب “كوماندوس”.
بعد خروج الأمريكان شبه مهزومين، تغلغل في البلاد نشاط الحركات الدينية والمسلحة منها بشكل خاص. ففي عام 2006 استولت على العاصمة عناصر من الإسلاميين بعد صراع مرير مع رؤساء الحرب، حيث تحالفوا تحت مظلّة (المحاكم الاسلامية) بعدها عمّ الفرح والسرور لدى الشعب، اعتقادا منهم أنهم في نهاية المطاف على الصراط المستقيم، لأن قادة الثورة في هذه المرّة علماء وشيوخ ورجال دين، واتضح فيما بعد أنهم أسوء من زعماء الحرب في جميع النواحي!
في عام 20122 حدث الحدث حيث اختار البرلمان رئيسا لم يشارك في الحرب الأهلية القبيلة والدينية منها، حيث كان سابقوه من المحاكم الإسلامية وزعماء الحرب، علاوة على كونه عضوا في المجتمع المدني، ومن المؤسسين لمعهد (سيمد) الذي أصبح فيما بعد جامعة (سيمد).
الآن وبعد اختيار الرئيس الجديد وتعيينه رئيس وزرائه حسن خيرّى، الكل ينظر إليهماعلى أنهما المهديان المنتظران، وينتظرون منهما حلّ جميع المشاكل الأمنية الاقتصادية التعليميةالصحية وغيرهم من متطلّبات أساسيات الحياة وكمالياتها، لكن لا يسألون أنفسهم، هل عند الرجلين ما لم يجده غيرهما من الإمكانيات؟ طبعا عندهما فرصة تاريخية وتأييد شعبي كبير، لكن هل يكفي ليحلُّوا جميع مشاكلنا؟ بكل مرارة لا وألف كَلَّا!
من لم يستبشر بالخير في جميع تلك المتغيرات والتبدلات السياسية والرئاسية كان مشؤوما شريرا منبوذا.
بعد تلك التجارب المريرة والفرص الضائعة وعدم الاستفادة من المنح والهدايا الثمينة التي قُدّم لناعلى مرّ الزمن، الْيَوْمَ وبعد مرور أكثر من ربع قرن من انهيار النظام ونصف قرن من الاستقلال نحن أمام نفس الاختبار والاختيار الذي عوّدنا الزمن علينا إعادته بين الحين والأخرى، إذن، هل بإمكاننا أن نستفيد من المتغيّرات المتعاقبة والفرص المتاحة أمامنا، لنستغلّها في أحسن صورة وسبيل؟ في الحقيقة هو أمر يتطلّب الحنكة والتأمّل والنظرة الثاقبة والفهم العميق، إضافة إلى العبقرية السياسية والثقافة الإدارية بعيدا عن العاطفة والغيرة.
التاريخ هو علم العِبرة، لكنّنا مجتمع وشعب لم يعتبر ولَم يعبّر حتى الآن ليتعلّم من أخطائه السالفة، ليأخذ الْيَوْمَ قرارات صائبة ويجيد آمال وتوقعات المستقبل، ليس فحسب عن طريق التمني، وإنما عن طريق وضع قواعد ثابتة وبنية تحتية صلبة.
طبعا قد يقول البعض، ماالفائدة من هذا السرد القاتم للتاريخ، الذي يعبّر عن يأس، حيث لم يُعرض الأيام الجميلة وسنوات الإزدهار والريادة؟ هذا السؤال بحدّ ذاته نابع عن ثقافة التمديح التي اعتدنا عليها سماعها والإستماع إليها، لأنه ليس من المعقول أن نترك التاريخ كما هو دون فحص دقيق وفهم لغياهيبها، حتى يتّضح لنا أين أخطأنا ولماذا أخطأنا؟.
إذا كان معظم تاريخنا عبارة عن أخطاء بعد أخطاء وتخبط بعد تخبط وهمجية بعد همجية في السياسة والإدارة والقيادة وغيرها، هل نحن راضون أن نمشي على نفس الخطى التي بدون شك توصلتا إلى طريق مسدود؟ هل قبلنا أن نبني حياتناعلى الحظ والبخت يا نصيب، لننظر بعدها هل فزنا أم خسرنا؟ هل استسلمنا إلى سياسة جرّب وانتظر ماذا يحدث”؟ هل همّنا الأول والأخير هو تغيير الأشخاص قبل تغيير سلوكنا وتقاليدنا وفهمنا في جميع المجالات السياسية المجتمعية الاقتصادية العسكرية وغيرها؟
الكُلّ على علم تام أنّ التغيُّرات التي ذكرتها في الأسطرالأُولى، لم تجلب الخير والاستقرار إلّا للحظاتها الأولى، ثم بعدها الويل والشر والدمار! إذن لماذا لا نحاول أن نغيّر التعاطي مع المتغيّرات والتغييرالذي يحدث حتما؟
ما لم أفهمه وحاولت مرارا أن أَجِد من يفهّمني، لماذا هذه العجلة والهرولة لأيّ تغيير يحدث، دون النظر إلى الماضي وتأثيره في الواقع والمستقبل؟ بعبارة أخرى؛ لماذا حدث التغيّر، وفِي أيِّ ظرف حدث، وما هي التوقعات في المدى القريب والبعيد؟ .
لكي نتمكّن من الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، علينا كمجتمع أن نتخلَّى عن “نظرية المهدي المنتظر وحكاية نهاية الشرّ” بعد حلول تغيير طفيف أو قدوم أشخاص لاأحد يعرف أو لهم سابق أسود! إذا لم نقم بمراجعة أنفسنا بدون شك لن نتقدّم ولن نقدِّم أيّ جديد، وإذاماحصل دمَّرناه بأيدينا!
تلك الحقبة المتلاحقة والعقبات المتعاقبة والقرارات المتقاربة أدت بِنَا الانسداد والسدود، وعلينا ان نغيّر نظم تفكيرنا وتركيبة عقليتنا، لنبني مجتمعا واعيا، عندها يمكننا أن نحلّ مشاكلنا بأنفسنا عبر تغيير الأدوار وليس تغيير الأشخاص فحسب، لأننا بحاجة ماسة إلى ذلك.

 

بقلم: Bashiir M. Xersi

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.